نحو انسنة للنهج والسلوك العملي للديمقراطية

يقول الفيلسوف سقراط :” الانسانية ليست دين انما رتبة يصل لها بعض البشر ”

يجمع الدارسون والباحثون في العلوم الاجتماعية في كافة دول العالم بان الدولة الديمقراطية الحديثة هي دولة – الانسان – وان اللسان والكلام والحوار هو الوسيلة الاساسية في التعامل والتواصل مع مكونات المجتمع في الدولة وليس العنف واليد والاطراف الاربعة ، وان سيادة القانون هي التي تعلو على الجميع حكاما ومحكومين، رجالا ونساء، موظفين ومواطنين .. الجميع سواسية امام القانون وتحت مضلته التي يستظل بها الجميع ، وهذا النهج ليس وليد الساعة بل  تكون من خلال التركمات البشرية والتجارب الانسانية في ادارة الحكم وفي تسيير شؤون الدول، وعبر السياق التاريخي والزمني الطويل.

لكل هذا نشأ ما يسمى بالمعايير للدولة الديمقراطية التي يحكم من خلالها على مدى التزام الدول بالعمل الديمقراطي تشريعا وممارسة عملية على ارض الواقع المعاش ، ومن بين هذه المعايير المتفق عليها ولا يختلف فيها اثنان هو معيار انسنة نهج الدوله في التعامل مع العنصر البشري والمكون الاساسي في الدولة .. فالشعب والارض والسيادة والاعتراف الدولي  هي مكونات الدول، لكن العنصر البشري هو – الاس والمقام – في الدولة، فهو عدا على انه المكون الاساسي للدولة فهو في نفس الوقت العنصر الهام في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية، وهو كذلك هدف التنمية من خلال  مدخلاتها ومخرجاتها ، لهذا فان القوانين الناظمة للعلاقات الاجتماعية يجب ان يكون تنفيذها يغلب علية الطابع الانساني الحضاري والسلوك المدني لان معيار الانسنة يتصدر قائمة المعايير الاخرى فهو – البسط والمقام – يعلو ولا يعلى عليه من معايير الدولة الديمقراطية الحديثة.

ان بعض الاجراءات و الممارسات التنفيذية للقانون في بعض الدول – ونحن منهم – تخرج عن اصولها ويدخل المزاج وحب التسلط والحنيين الى الرجل السيد الاوحد، و الى عرفية التنفيذ بوصفها السمة المسيطرة عليها، وهذا يعد خللا كبيرا في التوعية والتدريب في الجهاز التنفيذي، فالذي يجب ان يسود في التعامل  وهو البعد الانساني.. لهذا لا يمكن السكوت على هذه الممارسات الخاطئه التي تشوه النهج الديمقراطي للدولة، وعلى من يقوم به كائنا من يكون بعد اليوم ، بل يجب ان يجرم وينال العقاب الذي يستحقة بحكم القانون.

اما المعيار الثاني والذي لايقل اهمية عن معيار الانسنة فهو مفهوم العدالة الاجتماعية، فالعدالة اساس الملك والحكم واساس الامن والاستقرار واساس الطمانينة واساس التنمية وبناء الدول والعمران فيها، وهو مكمل للمعيار الاول.

اما المعيار الثالث فهو السلوك المدني في التعامل على المستوى الفردي والمجتمعي والوطني ويتوج هذه المعايير وحدة وطنية ناظمة تعزز النسيج الوطني في اطار الهوية الواحدة والموحدة للامة والدولة –وتطغى على كل الهويات الفرعية مع الحفاظ على الخصوصية المكانية الفطرية والذاتية لكل هوية .. فالدولة الديمقراطية العصرية لا يصنعها الا السواعد المؤمنة بالديمقراطية سلوكا ونهج حياة ،والتي عانت الكثير من ممارسات الاستبداد والظلم والتهميش والتكبيل لسنوات طوال.

ان التحول الديمقراطي في عالمنا العربي سلحفائي الحركة، وتطبيق معايير الديمقراطية سابق لاوانه ويحتاج الى اجهزة تنفيذية فاعلة و اناس امنوا بان السبيل الاوحد للخلاص من الاستبداد والظلم هو توظيف الديمقراطية لخدمة الانسان في محيطه ووطنه و في كافة مجالات الحياة وفي مراحل حياته العملية والسلوكية من الاسرة والطفولة مرورا بالمدرسة والنادي والنقابة والحزب من اجل نظرة جديدة ايجابية للمجتمع وتحولاتة الاجتماعية والعلاقات الانسانية داخله ونهج الديمقراطية السلوكية وانسنة جوانب الحياة فيها كافة .. قولا وسلوكا وتطبيقا.

من هنا تأتي مقولة “لا يمكن ان تكون عادلا اذا لم تكن انسانا”، فالقوانين الجيدة موجودة في كل مكان، ولكن الاهم في الانسان الديمقراطي العادل الذي ينفذها .

البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى