انتفاضة الجامعات الأمريكية لمساندة غزة تحول تاريخي، وموت الجامعات العربية تحول تاريخي آخر

بقلم: مجدى أحمد حسين*

منذ أيام نشهد تطورا جديدا فى الغرب على نفس الموجة التى انفجرت منذ عدة شهور تأييدا لغزة وفلسطين .. نشهد انتفاضة طلابية مذهلة فى الجامعات الأمريكية تنصر غزة وتدين الإبادة الجماعية فيها، وتطالب بوقف إطلاق النار ووقف تسليح الكيان الصهيونى .. وجاءت هذه الانتفاضة مصداقا لاستفتاء مذهل بدوره أفصح عن أن أكثر من 50 % من الشباب الأمريكى مع إنهاء دولة اسرائيل وتسليم كل الأراضى الفلسطينية من النهر إلى البحر إلى الشعب الفلسطينى :

وقد نشرت شركة Harris Insights and Analytics ومركز الدراسات السياسية الأمريكية بجامعة هارفارد استطلاع رأي جديداً أظهر أن ثلثي الشباب الأمريكيين (67%) الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عامًا يعتقدون أن اليهود طبقة مضطهِدين (تضطهد الفلسطينيين) ويجب معاملتهم (اليهود) كذلك.

وبحسب استطلاع الرأي، فإن 51% من هذه الفئة العمرية في الولايات المتحدة يعتقدون أن الحل العادل للصراع الإسرائيلي الفلسطيني هو “نهاية إسرائيل وتسليم البلاد لحركة حماس والفلسطينيين”.

كما أيّدت النسبة نفسها حركة حماس، في الحرب الدائرة حاليًا في قطاع غزة.

الحركة الشعبية المناصرة لغزة والشعب الفلسطينى اندلعت منذ شهور بعد انقشاع الأكاذيب الاسرائيلية والأمريكية الأولى عن مذابح حماس للمستوطنين واغتصاب النساء وقطع رؤوس الأطفال فى أحداث 7 أكتوبر ، وعمت المظاهرات المؤيدة لفلسطين الولايات كلها تقريبا , ولكن هذه المرة هذه انتفاضة مركزة ومتمحورة حول الجامعات، بسبب حماقة السلطات الأمريكية حين اقتحمت الشرطة الحرم الجامعى لجامعة كولومبيا فى نيويورك لقمع المظاهرات . وذلك بسبب تحول الحركة إلى إتخاذ قرارت عملية بمقاطعة أكاديمية لاسرائيل ولكل أشكال التعاون والاستثمار معها . وقد كان تدخل الشرطة شرارة أشعلت نار الثورة ليس فى جامعة كولومبيا فحسب فى كثير من الجامعات الأمريكية ، وقد بدأت الانتفاضة فى أهم الجامعات الأمريكية وعلى رأسها هارفارد وييل، وهما أكبر جامعتين وتتسمان بالصهيونية وهما مصدر العديد من رؤساء وحكام أمريكا .

ولكن الشرارة انتشرت كالنار فى الهشيم فى باقى الجامعات والمدارس ومختلف المؤسسات التعليمية ، والشرطة بدورها واصلت اقتحام الحرم الجامعى كما حدث فى جامعة جنوب كاليفورنيا وإحدى جامعات تكساس . وهذا ما لم نكن نسمح به – نحن كحركة طلابية فى عهود سابقة فى مصر – الآن الشرطة على صهوة الخيول تخوض فى أجساد طلاب أكبر دولة  “ديموقراطية “.

الشرارة عبرت المحيطات وانتقلت إلى السربون وبعض جامعات فرنسا واستراليا، وهي لا شك ستتواصل الانتفاضة فى باقى الدول الاوروبية .

حكام أمريكا أصابهم الجنون بدأوا يصبون جام غضبهم على الطلاب .. وصدرت التعليمات باعتقال أى طالب يحاول التظاهر داخل الحرم الجامعى !! ونتنياهو دعا لقمع هذه الحركة المعادية للسامية وعرض بن غفير إرسال ميلشياته لإجتثاث هذه الحركة ولم يثر ذلك حفيظة حكام أمريكا .

كتبت كثيرا عن زيف الديموقراطية الغربية والوقائع على الأرض تساعدنى .. وقائع مجازر غزة بمشاركة كبرى الدول الديموقراطية والآن قمع حرية التعبير للمواطنين الأمريكيين وهذا ما يحدث فى البلاد الاوروبية . وهذا ما يحتاج للمزيد من التحليل والتأمل . فلا أدعو إلى الاستبداد بطبيعة الحال ولكن لدمج كل المعانى الايجابية التى توحى بها فكرة الديموقراطية فى إطار نظام أكثر عدلا يمنع سيطرة الأوليجاركية المالية والرأسمالية ولا يؤمن بالنزعة الامبريالية أى النزعة للسيطرة ، وكما ورد بحق فى الأدبيات الاشتراكية : لا توجد أمة حرة تستعبد أمة أخرى . لأن المبادىء لا تتجزأ والحرية لاتتجزأ .

ولكن دعنا نركز الآن على قضية اللحظة : غزة المغدورة من أهلها وجيرانها .

لا يوجد أى وجه للعجب فى هذا التحول الشعبى فى الغرب .. فالحقيقة تفرض نفسها فى نهاية الأمر ، والوقائع عنيدة وظاهرة . والشعب الأمريكى وقف من قبل مع الشعب الفيتنامى ضد حكام أمريكا وجيشها المعتدى، وكانت هناك حملة لرفض التجنيد بالجيش الأمريكى، كما رأينا اليوم بدايات التمرد فى الجيش الأمريكى بالطيار الذى أحرق نفسه ومن تضامن معه من زملائه . والقاعدة أن الأغلبية الساحقة من الشعوب من معدن طيب وعلى فطرة الله .. ولكن الحكام وقوى الشر المسيطرة هى التى تفسد الشعوب وتفسد الحياة .

صمت القبور الذى يخيم على الجامعات المصرية وأغلب الجامعات العربية والاسلامية هو الأمر الذى يستحق المواجهة . ولا ننسى دور الطلاب فى الأردن وباقى دول المقاومة .

لا تقولوا الاستبداد هو السبب ، فهذه هى حجة البليد .. الاستبداد بريء .. بمعنى أنه لا يصلح لتفسير ذلك الموقف . عندما قررنا أن نعلق مجلات الحائط فى الجامعة عام 1972 لم نكن

نفكر فى العواقب وكان لدينا حرس جامعى داخل الكلية .. ولكن كان لدينا احساس دفين بعمق قضية الأراضى المصرية المحتلة .. وعندما تظاهرنا من قبل لم ندعُ لاسقاط النظام الناصرى عام 1968، ولا لاسقاط السادات فى عام 72، ولكن دعونا لتسليح الشعب لتحرير سيناء وإعلان اقتصاد الحرب ووقف التفاوض مع العدو عبر الوسيط الأمريكى .

واليوم لا يشعر الطلاب ولا الكبار ولا الصغار ولا أغلب السياسيين أن غزة هى أرضنا العربية رغم أن الدستور الحالى كالسابق ينص على أن مصر أرض عربية وتسعى للتكامل والوحدة مع العرب . لقد وصل طاعون كامب ديفيد إلى النخاع وأصبحنا نرى فلسطين وكأنها قضية خارجية ونركز رؤيتنا على مصر وحدها مع أن هذا هو أقصر طريق لضياع مصر لأن مصر كغيرها من بقاع الأرض تُهدد من حدودها . غياب المشروع القومى الذى يوحد الأمة ضد العدو الصهيونى الأمريكى هو الأساس الذى جعل المشاعر تتبلد ، حتى ان أغلب الناس لا تشعر بأىة مشاعر معادية لصندوق النقد أو استمرار علاقات الصداقة مع حكام أمريكا وأوروبا .. حتى مسألة بيع مصر بالتقسيط يتم التعامل معها بروح رياضية.. والحديث لم ينته !

*باحث اسلامى وكاتب صحفى/ القاهرة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى