الاحتلالُ الصهيونيُّ بَيْنَ فَكَّيْ كَمَّاشَةِ الْمُقَاوَمَةِ فِي الشَمَالِ والْجَنُوبِ

بقلم: توفيق المديني

في الجبهة الجنوبية لفلسطين المحتلة الأكثر اشتعالاً وتفجيرًا بنيران الحرب الأمريكية-الصهيونية على غزَّة،والتي تجاوزتْ ال200 يومًا ،لا تزال المقاومة الفلسطينية بقيادة حركة حماس صامدةً ،وتواجه جيش الاحتلال الصهيوني ببسالةٍ ،وتَرْفُضُ تقديمَ التنازلِ عن حقوقِ الشعبِ الفلسطينيِّ، وعلى رأسها إيقافِ الحرْبِ وانسحابِ العدوِ وإِعَادَةِ الإِعْمَارِ ورَفْعِ الْحِصَارِ ودُخُولِ الْمُسَاعَدَاتِ.
هذا ما أكَّدَهُ أبو عبيدة / الناطق العسكري الرسمي لكتائب عز الدين القسام ،حين قال:”العدو يستغل ورطته على الأرض في ارتكاب المزيد من التدمير العشوائي ولن يحصد سوى المزيد من الغضب والانتقام”، كاشفاً أن جيش الاحتلال تلقى ضربات وكمائن مختلفة في مناطق مختلفة من قطاع غزة منذ بدء الحرب على غزة، لكنه على الرغم من ذلك، يوهم العالم بأنه قضى على معظم عناصر كتائب القسام، في محاولة لاستعادة صورته التي خسرها منذ عملية طوفان الأقصى” .
أما في الجبهة الشمالية لفلسطين المحتلة،فلا تزال المقاومة بقيادة حزب الله اللبناني تخوض حرْبَ الْعِصَابَاتِ ضِدَّ جيش الاحتلال الصهيوني ومستوطناته في عمق الشريط الحدودي الذي يربطُ بين أقصى جنوب لبنان وشمال فلسطين، إِذْ نشرَ حِزْبُ اللهِ اللبنانيٍّ إحصائية 200 يومٍ من تبادل القصف اليومي مع الاحتلال الصهيوني على الحدود اللبنانية، منذ دخوله في حرب المقاومة يوم 8أكتوبر/تشرين الأول 2023، كَشَفَ فيها عن تنفيذهِ 1637 عملية عسكرية من لبنان، منها 1404 استهدافاتِ مواقعٍ عسكريةٍ ، و51 استهدافاتٍ جويةٍ، و182 استهداف مستوطناتٍ صهيونيةٍ.
وتُعَدُّ الحرب الحالية أطول حربٍ في تاريخ الدولة الصهيونية،فقد حصدتْ لغاية الآن خسائر حقيقةٍ للعدوِ الصهيونيِّ.
ووفق الإحصاءات الرسمية لجيش الاحتلال الصهيونيِّ، قُتل في الحرب حتى الآن 1483 صهيونيًا،بينهم 605 جنود، و61 رجل شرطة، و5 من رجال المخابرات، و8 من قوات الدفاع المدني، و804 مدنيين، وجرح 3294 بينهم 1583 جندياً، وهذا عدا المصابين النفسيين، ومع ذلك فهناك أصوات كثيرة تشكك في صحة الأرقام، وتتحدث عن خسائر أكبر.
كذلك فهناك 133 أسيرًا صهيونيًا، بينهم 31 قُتلوا بشكل مؤكَّدٍ، ويوجد أكثر من 100 ألف مستوطن صهيوني جرى إخلاؤهم من بيوتهم في البلدات الواقعة شمال فلسطين المحتلة وفي بلدات ما يسمِّه الكيان الصهيوني غلاف غزَّة.
أمَّا عن الخسائر المادية المباشرة وغير المباشرة فإنَّها تُقَدِّرُ بنحو 60 مليار دولار. وفي الخسائر الاقتصادية سُجل انخفاض بنسبة 6.6 في المائة في الناتج المحلي الإجمالي، وتراجع النمو الاقتصادي للعام الحالي بمقدار 1.1 نقطة مئوية بعد خسائر متوقعة قدرها 1.4 نقطة مئوية العام الماضي. وفقدت “إسرائيل” قوة الردع، ليس فقط في الهجوم المباغت في 7 أكتوبر 2023، بل بمجرد استمرار الحرب 200 يوم (حتى الآن)، يجري فيها استخدام جيش نظامي واحتياطي يصل إلى 600 ألف جندي مقابل المقاومة الفلسطينية لحركتي “حماس” و”الجهاد الإسلامي” وبقية الفصائل ،التي لا يتعدى قِوَامُهَا 50 ألفاً، يُعَدُّ هذا فشلاً.
فقد اهتزتْ مكانة “إسرائيل” الدولية. وباتتْ تُحَاكَمُ بتُهْمَةِ ارتكابِ “جرائم حرب” في محكمة الجنايات الدولية في لاهاي، وجريمة إبادة شعب في محكمة العدل العليا الدولية في لاهاي. ولا ترى نهاية لهذه الحرب بعدُ، ولا لتبعاتها الإقليمية والدولية.

تطورات الحرب في الجبهة الشمالية بين حزب الله و الكيان الصهيوني
يُعَدُّ حِزْبَ اللهِ اللبنانيِّ أكبرَ قوةٍ مقاومةٍ الأقدم والأكثرَ تسليحًا تقاتلُ العدو الصهيوني منذ أكثر من ثلاثة عقود،وتُقَدِّرُ القوات العسكرية الأمريكية وخبراء الأسلحة حجم القدرة التسليحية للحزب بحوالي 135 ألف إلى 150 ألف صاروخ وقذيفة، وبمدى يصل إلى حوالي 200 ميل، كما أنه يمكن للمقاتلين الوصول إلى أهدافٍ داخل الكيان الصهيوني.
ومن بين الأسلحة التي يقدرها المحللون، بين 100 إلى 400 صاروخ تم تجديدها مؤخرًا بأنظمة التوجيه الدقيق التي يمكن برمجتها للهبوط على مسافة أمتار من أهدافها. وتعتمد هذه التقنية بشكلٍ رئيسيٍّ على الأسلحة الإيرانية والروسية، على الرغم من أنَّها تعدل أحيانًا من قبل خبراء أسلحة حزب الله.
ويعتبر المحللون العسكريون قوات القتال في حزب الله أكثر انضباطًا وتدريبًا وتنظيمًا من معظم الجيوش العربية في إقليم الشرق الأوسط، حيث تتألف من حوالي 30 ألف جندي و20 ألف عسكريٍ احتياطيٍ.ووفقًا للمحللين والخبراء ، فإنَّها تمتلك القدرة على تجنيد وتدريب آلاف الجنود الجدد بسرعةٍ من خلال دورها كقوة سياسية ومقدمة للخدمات الاجتماعية في العديد من الأطر المجتمعية اللبنانية.
في اليوم التالي لاندلاع عملية “طوفان الأقصى” فجر يوم السبت في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، اندلعتْ الحرب الاستباقية في جبهة جنوب لبنان بين المقاومة اللبنانية بقيادة حزب الله وجيش العدو الصهيوني، لِسَبَبَيْنِ رَئِيسِيَيْنِ:الأول،مساندة ودعم المقاومة الفلسطينية في قطاع غزَّة ، والثاني:إسقاطِ مشروعِ التهجيرِ نحو الأراضي اللبنانية.
فقد أدَّتْ هذه الحرب المشتعلة في جبهة الجنوب اللبناني إلى حصولِ الخسائِرِ البشريةِ من مدنيين وقادة في حزب الله فاقتْ عدد  القتلى في حرب تموز 2006 وكذلك الخسائر المادية في البيوت والأراضي الزراعية خصوصًا مع  توسعِ رقعةِ المواجهاتٍ يوميًا واستعمالِ نوعيةٍ جديدةٍ في الأسلحة والصواريخ الصهيونية التي تَسْقُطُ فوقَ رؤوسِ أهالي الجنوبِ وتَحْرِقُ الأخضرَ واليابس َ.وبِالْأرْقَامِ أدَّتْ هذه الحرب حتى شهرأذار /مارس 2024 إلى استشهادِ 350شخصًا بينهم 270شَهيدًا لحزبِ اللهِ سقطُوا على طريق القدس كما “زَفَّهُمْ” حزب الله. ويتوزع هؤلاء الشهداء على 119 قرية وبلدة ومدينة من جنوب لبنان.
وفي تطورجديدٍ لعمليات المقاومة في جنوب لبنان،شنَّ حزب الله هجومًا نوعيًا يوم الثلاثاء 23نيسان/أبريل 2024، على مقرّ قيادة لواء غولاني ومقرّ وحدة إيغوز 621 في ثكنة شراغا شمال ‏مدينة عكا المحتلة، ردًّا على اغتيال المجاهد حسين علي عزقول في بلدة عدلون، حيث شدَّدَ مصدرٌ نيابيٌ للحزب على أنّ “كل توسّع إسرائيلي سيُقابَل بتوسّع عمليات حزب الله، وكل القواعد الإسرائيلية هي أهدافٌ بالنسبة إلينا”.
وأكَّدَ المصدرذاته ، الذي فضلَ عدمَ الْكَشْفِ عن اسمه، أنَّ “وتيرةَ عملياتِ حزب الله لن تبقى كالسّابق بل سترتفع وتصل إلى العمق الإسرائيلي، علماً أنّها لا تزال في سياق ردّ الفعل على الاعتداءاتِ الإسرائيلية التي تتوسّع، في إطار محاولة العدو فرض معادلاتٍ جديدةٍ لاستدراجنا إلى حربٍ واسعةٍ، وهو ما لن نسمح به لكنَّ في الوقت نفسه عَلَى الْعَدُوِ أنْ يعرفَ أنَّ تهديداته لا تُخِيفُنَا، وجاهزون لكلِّ الاْحتمالاتِ”.
تَجْدُرُ الإشارة إلى أنّ هذه المرّة الأولى التي يقصفُ فيها “حزب الله” هدفاً صهيونيًا بهذا العمق، منذ بدء المواجهات في 8 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، كما أنَّها المرَّة الثانية التي ينسب فيها عملية بهذا الحجم كردٍّ على اغتيال أحد مقاتليه، بينما كان يكتفي بالإشارة إلى أنَّ استهدافه المواقع والتجمعات العسكرية الصهيونية يأتي ردًّا على الاعتداءات الصهيونية على القرى والمنازل السكنية، واستشهاد “المدنيين”.
تصاعد العمليات العسكرية في الجبهة الشمالية من قبل حزب الله اللبناني ،جعلت الدول الغربية ، ولا سيما أمريكا وفرنسا،تؤكدانِ أنَّ لبنانَ يَنْزَلِقُ أكثَرَ فأكْثَرَ نحو حربٍ إقليميةٍ شاملةٍ من خلال الرسائل التي يُوَجِّهُهَا قادةٌ عسكريون صهاينة ،وفيها أنَّ “إسرائيل سوف تفرض الأمن على حدودها الشمالية عسكريًا، في حال لم تطبِّق الحكومة اللبنانية القرار 1701 وتمنع الهجمات من حدودها على بلادهه”.
كبار القادة العسكريين الداعمين لنهج نتنياهوالفاشي داخل الحكومة الصهيونية، وعلى رأسهم رئيس الأركان هرتسي هاليفي،يعملون على توسيعِ رقعَةِ الحَرْبِ الإقْلِيمِيَةِ لتشمل كل لبنان، يشْهَدُ على ذلك حشد مدرعاتٍ ثقيلةٍ ونشرِ ألويةٍ مقاتلةٍ جديدةٍ ومُتَمَرِسَةٍ جرى نقلها من غزَّة إلى الحدود الشمالية،واستكمال التدريباتِ والمناوراتِ برًّا وبحرًا،مايؤكد جدية التهديداتِ. وأخيرًا لا يجوزالتقليل من أهمية نشر معلوماتٍ خارج نطاق المستوى الحكومي والعسكري الصهيوني إلى أنَّ قرارًا صهيونيًا بات بحكم المُتخذ يقضي بشن حرب على “حزب الله” في لبنان.
ويعتقد المحللون لشؤون الحرب في جنوب لبنان ،أنَّ ثمةَ شيئًا يتمُّ الإعداد له، بشأن توسيع رقعة الحربِ ، لا سيما مع اقتراب حربِ غزة من مرحلتها النهائية والإستعدادات الجدِّيةِ لشنِّ عدوانٍ واسع النطاق على رَفَحْ ، وبعد فقدان الكيان الصهيوني الأمل في إمكان انتزاعِ وقفٍ لإطلاق النار من “حزب الله” ،وتنفيذ القرار 1701.
أمام التهديدات المتواصلة التي يطلقها وزير الدفاع الصهيوني يواف غالانت بتوسيع الرقعة الجغرافية للمواجهة العسكرية مع حزب الله واستهدافه خارج الحدود اللبنانية ،تمارس الولايات المتحدة ودول الإتحاد الأوروبي الضغوطات الكبيرة على الحكومة اللبنانية من أجل تطبيق القرار 1701،الذي تبناه مجلس الأمن الدولي بالإجماع في 11 آب / أغسطس 2006 ،ويدعو إلى وقف كامل للعمليات القتالية في لبنان. ويطالب القرار حزب الله بالوقف الفوري لكل هجماته و”إسرائيل” الوقف الفوري لكل عملياتها العسكرية الهجومية وسحب كل قواتها من جنوب لبنان.
ودعا القرار الحكومة اللبنانية لنشر قواتها المسلحة في الجنوب بالتعاون مع قوات الطوارئ الدولية التابعة للأمم المتحدة –يونيفيل- وذلك بالتزامن مع الانسحاب الصهيوني إلى ما وراء الخط الأزرق. كما يدعو “إسرائيل” ولبنان لدعم وقف دائم لإطلاق النار وحلّ بعيد المدى.
وتضمن القرار عدة بنود ومطالب أخرى هي:
إيجاد منطقة بين الخط الأزرق ونهر الليطاني تكون خالية من أيّ مسلّحين ومعدات حربية وأسلحة عدا تلك التابعة للقوات المسلحة اللبنانية وقوات يونيفيل.
التطبيق الكامل لبنود اتفاق الطائف والقرارين 1559 و 1680 بما فيها تجريد كل الجماعات اللبنانية من سلاحها وعدم وجود قوات أجنبية إلا بموافقة الحكومة.
منع بيع وتوفير الأسلحة والمعدات العسكرية إلى لبنان إلاّ تلك التي تسمح بها الحكومة.
تسليم إسرائيل الأمم المتحدة خرائط حقول الألغام التي زرعتها في لبنان.
تمديد مدة عمل قوة الطوارئ الدولية في لبنان حتى 31 أغسطس/آب 2007.
ودعا مجلس الأمن الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان إلى دعم الجهود الرامية لتأمين الحصول على موافقات من حيث المبدأ من حكومتي لبنان وإسرائيل على مبادئ وعناصر حل طويل الأجل سالفة الذكر.
وأعرب المجلس عن اعتزامه المشاركة في ذلك بشكل فعال وقرر أن يسمح بزيادة عدد قوات يونيفيل إلى حد أقصى قدره 15 ألف جندي وأن تتولى القوة إضافة إلى تنفيذ ولايتها عدة مهام من بينها رصد وقف الأعمال القتالية وتقديم مساعدة لضمان وصول المساعدة الإنسانية إلى السكان المدنيين والعودة الطوعية والآمنة للنازحين.

العدوان الصهيوني المرتقب على رفح
يؤكد الخبراء أنَّ استراتيجية الكيان الصهيوني المتعلقة بحربِ الإبادةِ الجماعيةِ ضد الفلسطينيين في قطاع غزَّة لمْ تُؤَدِّ إلى أنْ يُوَجِّهَ أولئك الغضب والإحباط ضدَّ حركة حماس للضغط عليها للاستجابة للمطالب الصهيونية .ورغم مرور أكثر من ستة أشهر على الحرب الوحشية التي يشنَّها جيش الاحتلال الصهيوني، وارتكابه المجازر، في إطار حرب الإبادة الجماعية على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، إِذْ ارتفعت حصيلة ضحايا العدوان الصهيوني المتواصل على قطاع غزَّة إلى ما يزيد على 34 ألف شهيد، وأكثر من 77 ألف مصاب بجروحٍ مختلفةٍ، إضافة إلى آلاف المفقودين تحت الأنقاض، وفقًا لوزارة الصحة في غزَّة،فإنَّ المقاومة الفلسطينية تواصل تَصَدِّيَهَا للتوغلاتِ الصهيونيةِ على كافةِ محاورِ القتالِ في قطاع غزَّة، إضافة إلى إطلاقها رشقاتٍ صاروخيةٍ بين الحين والآخر على مدن الاحتلال.كما عجز جيش الاحتلال الصهيوني لغاية الآن عن تحقيق أيٍّ من أهدافه ، لا سيما تصفية المقاومة.
فقد كشف مصدرٌ قياديٌّ في حركة المقاومة الإسلامية “حماس”،أنَّ زعيمها داخل غزَّة يحي السنوار،تفقد بنفسه مؤخرًا مناطق شهدتْ اشتباكات مع الاحتلال الصهيوني في القطاع والتقى ببعض المقاتلين فوق الأرض، حسب صحيفة”العربي الجديد”.ونقلتْ الصحيفة عن المصدر القيادي ذاته، قوله أنَّ السنوار “ليس معزولاً عن الواقع هناك، على الرغم من الحرب الدائرة والعمليات الاستخبارية الإسرائيلية التي لا تتوقف على مدار اليوم”، مؤكدًا أنَّ زعيم حماس في غزة “يمارس عمله قائدا للحركة في الميدان”.وشدَّدَ على أنَّ “الحديث عن أنَّ السنوار قابعٌ معزولٌ في الأنفاق، ما هو إلا زعم من جانب رئيس الحكومة الفاشية بنيامين نتنياهو وأجهزته ليغطي على فشله في تحقيق الأهداف المعلنة أمام الشارع الصهيوني وأمام حلفائه.
أمام هذا التحدِّي الذي تبْدِيهِ المقاومة الفلسطينية في إطار مواجهتها للجيش الصهيوني ،كشفت وكالة” رويترز” عن مصادر أنَّ الاحتلالَ الصهيونيَّ اشترى عشرات الآلاف من الخيام للمدنيين الفلسطينيين الذين تعتزم إجلائهم من رَفَحْ في الأسابيع المقبلة قبل العدوان المتوقع على المدينة التي تعتبرها آخر معقل لحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية “حماس” في قطاع غزَّة
وأظهر مقطعٌ مصورٌ متداولٌ نَصْبَ عددٍ كبيرٍ من الخيام في مدينة خان يونس التي تبعد نحو 5 كيلومترات عن رفحْ، وذكرتْ المصادر أنَّ وزارة حرب الاحتلال الصهيوني ،اشترت 40 ألف خيمةٍ، تتسعُ كل منها لما بين 10 أو 12 شخصًا، للفلسطينيين الذين سيُنقلون من رَفَحْ خلال الفترة المقبلة بعد أسابيع من المحادثات مع الولايات المتحدة بشأن ضمانات أمن المدنيين خلال العدوان.وتضم مدينة رَفَحْ مليون ونصف فلسطيني فرُّوا من مناطق أخرى بقطاع غزة خلال عدوان الاحتلال الصهيوني المستمر منذ السابع من تشرين الأول / أكتوبر 2023.
رغم كل هذه الاستعدادات الصهيونية المكشوفة لشنِّ جيش الاحتلال الصهيوني العدوان على رفح، قال المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاغون” بات رايد، إنَّه لا توجد في هذه المرحلة مؤشرات على بدءِ أي نوعٍ من العمليات البرِّيةِ الكبرى في رفح جنوبي قطاع غزة. ووفقا لصحيفة “وول ستريت جورنال”، يخشى المسؤولون الأمريكيون أنْ تتحول العملية إلى مجزرةٍ تزيد من الغضب العالمي بشأن حرب الاحتلال الصهيوني في غزَّة.
يرى المحللون أنَّ نقاط الاختلاف بين الإدارة الأمريكية بزعامة جو بايدن والحكومة الصهيونية الفاشية بزعامة نتنياهو هي ذات طابع تكتيكي، غير أنَّهما متفقان على الاستراتيجية المشتركة ، وأبرزها ألاَّ يُشَكِّلَ قطاع غزَّة مستقبلاً عنصرَ تهديدٍ للكيان الصهيوني ، وأَلاَّ تَعُودَ حماس وقوى المقاومة لحكم قطاع غزة.
تتفق الولايات المتحدة الأمريكية مع الكيان الصهيوني منذ بداية الحرب، على تصفية المقاومة الفلسطينية بقيادة “حماس” في قطاع غزة،وأسهمتْ قوة المقاومة وبطولتها وصمودها، في دعم إدارة بايدن استمرار حرب الإبادة الجماعية ،على أمل ضمان أمن غلاف غزَّة في نهاية المطاف.
ويكمن الخلاف والتصعيد التدريجي بين الرئيس الأمريكي بايدن ورئيس الحكومة الصهيونية نتنياهو ،ليس بسبب العدوان الصهيوني المرتقب على رَفَحْ،وإنَّما بسبب ارتفاع كلفة سياسات نتنياهو واليمين الصهيوني الديني المتشدِّد على الحزب الديمقراطي ومصالحه الانتخابية، في سياق الافتراق ما بين الحسابات الاستراتيجية والجيوسياسية للولايات المتحدة وبين الحسابات السياسية والانتخابية للحزب الديموقراطي.فأمريكا هي التي تقود الحرب في قطاع غزَّة،والحديث لا يدور عن تخلي الولايات المتحدة عن الكيان الصهيوني،بل عن محاولة الفصل بين نتنياهو وبين الكيان الصهيوني وهو ما يتسقُ مع الانقسام اليهودي الأمريكي حول الموقف من حكومة نتنياهو، وكذلك مع الانقسام الصهيوني الداخلي حول حكومته وتوجهاتها السياسية والأيديولوجية.

خاتمـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة:
في ضوء اختضار النظام العالمي الليبرالي الأمريكي المتوحش، والذي يُقَدِّرُ الخبراء الغربيون بقائه حتى سنة 2030، وأمام ضباب عالم متعدد الأقطاب طور التشكل، تحولتْ القضية الفلسطينية إلى مركز هذه التحولات و التموجات الكبرى التي يشهدها عامنا المعاصر، وفي الوقت عينه،ازدادتْ الإمبريالية الأمريكية عدوانيةً في الدفاع عن الكيان الصهيوني،وعن خوض الصراع العالمي ضد الأقطاب التنموية كالصين وروسيا،وإيران،من خلال زيادة حزمة المساعدات العسكرية لكل من أوكرانيا و الكيان الصهيوني وتايوان بتكلفة 95 مليار دولار.
فقد تجاوزت حصة الكيان الصهيوني ما كان مقرَّرًا في مشروع نوفمبر2023 ، حيث طلبت إدارة بايدن 10.4مليارات دولار لتصبح وفقًا لما تمَّ إقراره مؤخرًا 26 مليار دولار، منها5.2مليارات لتعويضها عن الأسلحة التي استخدمتها في حرب الإبادة الجماعية على غزة وبما يمكّنها من الاستمرار فيها، و3.5مليارات دولار لشراء أسلحة أمريكية جديدة متطورة قد يلحق بها مليار إضافي، إلى جانب 9 مليارات كمساعدة إنسانية، منها حصة ضئيلة للضفة وغزَّة، لأنَّ الكونغرس رفض تخصيص مساعدة خاصة باسم الفلسطينيين.وأقرت الولايات المتحدة مساعدات إلى أوكرانيا بقيمة (60,4 مليار دولار)، على الأقل في المدى المنظور، في إعادة التوازن إلى جبهة الصراع مع روسيا.
وجاء الانقلاب في الموقف الأمريكي على خلفية الانتكاسات الخارجية في الأشهر الأخيرة، من التحوّل الميداني في الحرب الأوكرانية لصالح روسيا ، الأمر الذي دفع المعنيون الأمريكيون إلى إطلاقٍ متتالٍ في المدَّةِ الأخيرةِ حول مخاطر وتهديدات هذا التدهور على “بلدان حلف الناتو المجاورة لو بقي التراجع الأوكراني على حاله”، إلى الشرق الأوسط الذي شهد “سقوط الردع الأميركي- الإسرائيلي” في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، بحسب السفير ومستشار الأمن القومي الأمريكي السابق جون بولتون.
كما جاء هذا الانقلاب الأمريكي في ضوء تواتر معلومات عن مساعدة صينية لروسيا “في مجال تمكينها من إعادة بناء وتطوير صناعتها العسكرية”،وبداية تفجر “الحروب الباردة الجديدة ” بين أمريكا والصين، كحسب ما جاء في عنوان كتاب صدر أخيراً للصحافي المخضرم في صحيفة نيويورك تايمز ديفيد سنجر، الذي يقول إنَّ هذه التطورات أصعب من الحرب الباردة السابقة التي كانت واضحةً بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي ، كما كانتْ أطرافُ الصراعِ مُحَدَّدَةً، وكذلك تُخُومِهِ، على عكس ما هو عليه الوضع اليوم. وزاد من السهولة آنذاك أنَّ أمريكا استغلتْ زمن الحرب الباردة الخلاف الأيديولوجي داخل المعسكر الاشتراكي بين الاتحاد السوفياتي والصين الشعبية بزعامة ماوتسيى تونغ ،وتمكنتْ من الحيلولة دون حصول تقاربٌ بين بكين وموسكو خلافاً لما هو عليه الأمر في الوقت الحاضر، وبما جعل من الأهْوَنِ على أمريكا التعاطي مع معادلةِ الْحَرْبِ الْبَارِدَةِ.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى