القمة الإفريقية وتجميد عضوية “إسرائيل” كمراقب في الاتحاد الإفريقي

انعقدت القمة الـ35 لزعماء دول الاتحاد الإفريقي في العاصمة الإثيوبية يوم السبت 5شباط/فبراير 2022، وكان جدول أعمالها مثقلاً بالمواضيع التي طُرِحَتْ أمامها،ومنها:ملف الذي أثار الجدل فى منح إسرائيل صفة مراقب فى الاتحاد الإفريقي العام الماضي، إلى جانب الانقلابات التى تشهدها القارة منذ عام وجائحة كوفيد.
فالاتحاد الإفريقي الذى أنشئ قبل 20 عاما لتعزيز التعاون الدولى وتنسيق سياسات الدول الأعضاء يواجه صعوبة فى التصدى لستة انقلابات أو محاولات انقلاب فى إفريقيا على مدى الثمانية عشر شهرًا الماضية ،ويحتل الاستيلاء على السلطة مكانا بارزا فى أجندة القمة. وشهدت القارة عددا من الانقلابات، آخرها فى بوركينا فاسو قبل أقل من أسبوعين.
واتخذت قمة الاتحاد الأفريقي الأخيرة قرارًا بالإجماع ، يقضي بتجميد عضوية “إسرائيل” كمراقب في الاتحاد الإفريقي،و تشكيل لجنة من سبعة رؤساء دول، من بينها الجزائر، لإصدار توصية لقمة الاتحاد الأفريقي، والتي تظل القضية قيد نظرها وتتكون اللجنة من الرئيس السنغالي ماكي سال، بصفته الرئيس الحالي للاتحاد الأفريقي، والرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، ورئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوز، ورئيس رواندا بول كاغامي، ورئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية فيليكس تشيسكي دي، والرئيس النيجيري محمد بخاري، والرئيس الكاميروني بول بيا. وتقرر منح الرئيس السنغالي ماكي سال زمام المبادرة لإطلاق عمل هذه اللجنة، لصياغة توصية في الأمر ترفع إلى مؤتمر القمة.
وعلى الرغم من تصويت المغرب، وتشاد وتوغو والغابون ضد قرار تعليق عضوية إسرائيل في الاتحاد الأفريقي، فإن المساعي التي قادتها الدبلوماسية الجزائرية نجحت في تحقيق هدفها.
وكانت “إسرائيل” حصلت في غمرة من جنح الظلام على صفة عضو مراقب في الاتحاد الإفريقي ، يوم 22 يوليو/تموز2021 ،وهو ما يعد فضيحة سياسية و أخلاقية بالنسبة للدول الإفريقية و العربية على حدٍّ سواء،بسبب التواطؤ المفضوح بين رئيس المفوضية الإفريقية موسى فكي محمد،وهو من دولة تشاد، وإثيوبيادولة مقر الاتحاد الإفريقي ، مع الكيان الصهيوني.
دور الديبلوماسية الجزائرية في مواجهة التغلغل الصهيوني
لهذه الأسباب كلها خاض وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة معركة سياسية وديبلوماسية داخل إفريقيا ،بالتنسيق مع 24 دولة بينها جنوب أفريقيا، ونيجيريا ، وإِجراءِ مشاوراتٍ مع عدد كبير من وزراء الدول الأفريقية لإقناعها بطرد إسرائيل من الاتحاد الإفريقي ، وتعليق عضوية إسرائيل إلى غاية طرح تعديل في نظم الاتحاد تتعلق بكيفية قبول واعتماد صفة مراقبين للدول غير الأعضاء في القارة.
وكانت “إسرائيل” حصلت على صفة عضو مراقب داخل الاتحاد الإفريقي، غداة لقاء جمع أليلي أدماسو السفير الإسرائيلي لدى إثيوبيا وتشاد وبوروندي، مع رئيس مفوضية الاتحاد (ومقرها أديس أبابا) موسى فكي محمد، من دون مشاورات مع الدول الإفريقية الأعضاء في الاتحاد و البالغ عددهم 55دولة، ومن دون تصويت. وتقيم “إسرائيل”علاقات دبلوماسية مع 46 من أصل 55 دولة في القارة الأفريقية وإن كانت لا تشغل سفاراتها سوى في 15 دولة فقط بحسب مجلة “فورين بوليسي”. لكن ذلك لم يبد كافياً طيلة السنوات الماضية لتأمين العضوية لها.
إنَ نيل “إسرائيل”صفة العضو المراقب في الاتحاد الإفريقي ، يتناقض جذريًا مع مبادىء الاتحاد الإريقي و أهدافه، التي تؤكد على مساندة الاتحاد الإفريقي نضال الشعب الفلسطيني في تحرير أرضه السليبة، وحقه في إقامة دولته الوطنية المستقلة وعاصمتها القدس.
يؤكد المحللون والمتابعون للشؤون الإفريقية، أنَّ التطبيع الذي حصل العام الماضي بين كل من الكيان الصهيوني و المغرب و السودان، أسهم في التمهيد لقبول إسرائيل في الاتحاد الإفريقي، وهو أمر ضروري بالنسبة لتل أبيب “لمعرفة ما يحدث” داخل أروقة الاتحاد القاري، ذلك أن أفريقيا بالنسبة لها سوق ضخم لمنتجاتها الأمنية الاستخباراتية. وكان الكيان الصهيوني نال موافقة إثيوبيا على الانضمام للاتحاد الأفريقي بصفة مراقب منذ عام 2016، إذ صرّح رئيس الوزراء الإثيوبي هايلي مريام ديسالين في 7 يوليو/تموز من ذلك العام خلال زيارة قام بها نتنياهو إلى أديس أبابا ضمن جولة أفريقية، إنَّ “إسرائيل تعمل بجد في العديد من الدول الأفريقية. لا يوجد سبب لحرمان إسرائيل من صفة المراقب”.
ردود الأفعال العربية و الفلسطينية
وكان رئيس الوزراء الفلسطيني، محمد أشتيه، قد دعا القادة الأفارقة إلى عدم منح “إسرائيل” عضوية الاتحاد الأفريقى بصفة مراقب. وشدَّد أشتيه، خلال مشاركته فى أعمال القمة فى أديس أبابا على “ضرورة عدم مكافأة إسرائيل على تعميق سيطرتها على الأراضى الفلسطينية المحتلة بعضوية الاتحاد الإفريقى كمراقب”.
اشتيه الذي التقى وزير الخارجية الجزائريّ رمطان لعمامرة على هامش أعمال قمة الاتّحاد الأفريقيّ وصف منح “إسرائيل” صفة المراقب بأنّه مكافأةٌ غير مستحقةٍ على الانتهاكات التي ترتكبها بحقّ الفلسطينيّين. وأضاف قائلاً “لا ينبغي أبداً أن تكافأ “إسرائيل” على انتهاكاتها وعلى نظام الفصل العنصري الذي تفرضه على الشعب الفلسطيني، و يؤسفني أن أبلغكم بأن وضع الشعب الفلسطيني أصبح أكثر خطورة”.
ورحب الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، بالقرار الذي اتخذته القمة الإفريقية المنعقدة يوم السبت 5فبراير/شباط 2022في أديس أبابا وذلك بتجميد عضوية “إسرائيل” كمراقب لدى الاتحاد الإفريقي، عقب انضمامها في اغسطس 2021 للاتحاد بصفة مراقب بناء على قرار من رئيس المفوضية.
أمَا الجامعة العربية ،فقد اعتبرت القرار خطوة تصحيحية تتسق مع مواقف الاتحاد الإفريقي.
هذا ورحّب الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، بالقرار الذي اتخذته القمة الأفريقية بتجميد عضوية “إسرائيل” كمراقب لدى الاتحاد الأفريقي.وأوضح مصدر مسؤول في الأمانة العامة أنّ “قرار تجميد عضوية إسرائيل يُعد بمثابة خطوة تصحيحية، وتأتي اتساقاً مع المواقف التاريخية للاتحاد الأفريقي الداعمة للقضية الفلسطينية، والمناهضة للاستعمار والفصل العنصري”.ورأى أنه “كان لزاماً أن يتم اتخاذ هذا القرار الحكيم انطلاقاً من عدم مكافأة إسرائيل على ممارساتها غير القانونية بحق الشعب الفلسطيني”.
جدير بالذكر أنّ مجلس الجامعة العربية على المستوى الوزاري كان قد أدان في 9 أيلول/سبتمبر 2021 بالإجماع قرار رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي باستلام أوراق اعتماد سفير “إسرائيل” لدى إثيوبيا كمراقب لدى الاتحاد.
وفي سياقٍ متصل، رحّبت حركة “حماس” بقرار قمة الاتحاد الأفريقي، ودعت اللجنة المكلّفة ببحث هذا الموضوع إلى “الانتصار لقيم الاتحاد الأفريقي ومبادئه القائمة على رفض الاحتلال والتمييز العنصري، وتأييد حق الشعب الفلسطيني في انتزاعه لحقوقه وتقرير مصيره”.
كما ثمّنت الحركة “مواقف وأدوار كل الدول الأفريقية التي تحرّكت ضد تمرير قرار منح الاحتلال صفة مراقب”، ورأت أن هذا الأمر “يؤكد انسجامها مع مبادئ هذه المنظمة العريقة، واستمرارها في دعم حقوق شعبنا المشروعة”.
وفي وقت سابق، دعت “حماس” المجتمعين في قمة الاتحاد الأفريقي إلى رفض قبول عضوية “إسرائيل” فيه. وأكدت أنّ “إسرائيل مارست ولا تزال تمارس إرهاب الدولة، وترتكب بشكل منهجي كل أنواع الجرائم بحق الشعب الفلسطيني وأرضه ومقدساته”
ووصف أستاذ العلوم السياسية في جامعة الجزائر، وخير بوعمامة، القرار بأنه إنجاز مهم، وقال في تصريح لـ”العربي الجديد” إن “الأمر يتعلق بإنجاز دبلوماسي كبير عندما تنجح الجزائر في إلغاء منح كيان الاحتلال الإسرائيلي صفة مراقب في الاتحاد الأفريقي بمساندة أشقاء عرب وأفارقة أحرار، وهذا القرار هو إعادة الأمور إلى طبيعتها انسجاما مع مبادئ القارة والاتحاد الإفريقي، وطرد كيان الاحتلال هو وفاء لهذه المبادئ”.
“إسرائيل” واستراتيجية التغلغل في إفريقيا
في مرحلة الحرب الباردة،ومع احتدام الصراع على إفريقيا بين الإمبرياليات الغربية والاتحاد السوفياتي السابق الداعم لحركات التحرر الوطنية الإفريقية والدول الوطنية ،ترافق مع أساليب التغلغل الاقتصادي الصهيوني في بلدان القارة الإفريقية ،تلك الأشكال من الاختراق لجيوش الأنظمة الإفريقية الرجعية والعميلة..
ويمكن استعراض أهم الأهداف الأمنية و العسكرية ل”إسرائيل” في إفريقيا على النحو التالي:
أولاً:تدعيم قواتها المسلحة، خاصة البحرية ليكون لها وجود بحري قوي يمكن معه تأمين مصالحها الاقتصادية، وحماية حرية التجارة الخارجية الإسرائيلية، ليس فقط مع البلدان الإفريقية، بل أيضاً مع البلدان الأفروأسيوية، ومحاولة الظهور كقوة إقليمية لها اليد الطولى في قضايا البحر الأحمر، ومنطقة القرن الإفريقي.
ثانيًا:تقديم المساعدات العسكرية الإسرائيلية في مجال تدريب الشرطة وقوات الحرس الرئاسي لعدد من الدول الإفريقية، وتزويدها بخبراء إسرائيليين لمدد قصيرة أو طويلة، وأيضاً تأسيس شركات مشتركة، ونقل الخبرات والمهارات الإدارية للشركات الإفريقية.
ثالثًا:تصريف منتجات الصناعات العسكرية الإسرائيلية من أسلحة ومعدات للدول الإفريقية، إذ تمثل السوق الإفريقية سوقاً واعد لتجارة السلاح الإسرائيلي، فالنزاعات العرقية والإثنية الدينية موجودة على المسرح الإفريقي بصفة دائمة ولا تنطفئ، بل إن هناك أيادي إسرائيلية تسعى إلى تأجيجها من أن لآخر لمصلحة أهدافها في إفريقيا، ويؤكد المسئولون الإسرائيليون في تصريحاتهم أن حجم مبيعات الأسلحة الإسرائيلية إلى دول القارة الإفريقية قدر بنحو (71) مليون دولار من الأسلحة عام 2009، وارتفع هذا الرقم ليصل إلى (223) مليون دولار عام 2013 ثم إلى (318) مليون دولار عام 2014 مليون وزادت تلك المبيعات لتصبح (800) مليون دولار عام 2015 وتقدر بعض المصادر أن هذه الأرقام تمثل 60 % من مداخل إسرائيل من صناعتها العسكرية التي بلغت عام 2016 نحو 6,5 مليار دولار. ومن هذا المنطلق، فإن إسرائيل، التي تريد أن تكون شريكاً للقارة الإفريقية تعد من أكثر الدول تسليحاً لهذه القارة، الأمر الذي من شأنه تغذية أسباب الصراعات.
رابعًا: السعي لمحاصرة التهديدات التي تشكلها التنظيمات الإرهابية على مصالحها في المنطقة، وذلك بتقديم المساعدة للدول الإفريقية ضد هذه الحركات في مجال الاستخبارات، والتدريب العسكري، ومجابهة التهديدات التي تشكلها الحركات الجهادية على مصالحها في المنطقة، وهو ما بات محوراً أساسياً في علاقتها مع دول شرق إفريقيا، لاسيما كينيا، وإثيوبيا، وأوغندا خلال السنوات الأخيرة حيث تحولت دول شرق إفريقيا إلى قاعدة للمخابرات الإسرائيلية بجميع أجهزتها، من أجل محاولة فهم ما يدور في القرن الإفريقي، والحد من انتشار الجماعات المتطرفة في شرق إفريقيا.
خامسًا: إنشاء علاقات ودية ودبلوماسية مع إثيوبيا وإريتريا، وتطويرها إلى تعاون استراتيجي عسكري يخدم مصالحها.
ولقد سار النشاط الإسرائيلي العسكري في ثلاثة خطوط متكاملة ومتوازنة، هي:
1-إرسال المستشارين من أجل تدريب الجيوش الإفريقية وتنظيم بعضها.
2-تصدير الأسلحة المصنعة في “إسرائيل”إلى الدول الإفريقية.
3-تصدير تجارب شباب طلائع “الناحال”، و”الجدناع” إلى الدول الأفريقية، ومحاولة تسويق هذه التجربة في الدول الإفريقية.
وفي سيا قٍ موازٍ،سعت “إسرائيل”إلى تشكيل فرق عمل أمنية وعسكرية مع العديد من الدول الإفريقية، وذلك بهدف بناء نفوذ للكيان الصهيوني داخل المؤسسات العسكرية،والأمنية، والاستخباراتية،والسياسية في البلدان الإفريقية،لاسيما الكونغو الديمقراطية، حيث تشير بعض التقاريرإلى أن الأخير وقع عام 2002 نحو(12) اتفاقية للتعاون الشامل مع “إسرائيل”،منها اتفاقية سرّية،عسكرية،أمنية تقوم بمقتضاها “إسرائيل”بتدريب الجيش الكونغولي وتسليحه والقوات الخاصة التابعة له، والمشاركة في عملية إعداد بناء قوات الشرطة والأمن.
وقد أبرمت “إسرائيل” أيضاً عدة اتفاقيات للتعاون الأمني والعسكري مع رواندا منذ عام 1998، وأسهمت في إعادة بناء الجيش الرواندي وتسليحه وتدريبه وبموجب هذه الاتفاقيات، أستضافت “إسرائيل” ، بشكل سنوي، العديد من ضباط أفرع الأسلحة في القوات الرواندية للتدريب في “إسرائيل”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى