حين تتحول إسرائيل إلى حليف استراتيجي للمغرب !!!

قام وزير الأمن الإسرائيلي، بينت غانتس، بزيارة إلى العاصمة المغربية الرباط يوم الثلاثاء 23نوفمبر 2021، واصفًا إياها بـ”التاريخية والمهمة”. وذكر غانتس، عشية إقلاع طائرته ،متوجهاً إلى المغرب أنّ هذه الزيارة هي الأولى من نوعها يقوم بها وزير أمني إسرائيلي للمغرب، مشيراً إلى أنَّه ستُوقَّع هناك اتفاقيات للتعاون الأمني وتعزيز العلاقات. واستهل غانتس زيارته الرسمية الأولى للمغرب بزيارة ضريح محمد الخامس في الرباط، حيث “ترحّم الوفد على روح الملكين الراحلين محمد الخامس والحسن الثاني”.
توقيع مذكرة للتفاهم الأمني و العسكري بين المغرب و إسرائيل
خلال زيارته للمغرب، وقَّع وزير الأمن الإسرائيلي غانتس  مذكرة للتفاهم الأمني بين إسرائيل المغرب،تفتح الطريق أمام مبيعات عسكرية محتملة وتعاون. كما ستسمح مذكرة التفاهم الأمني بتصدير صادرات أمنية إسرائيلية الصنع، علماً بأنّ المغرب من الدول التي اشترت برنامج التجسس “بيغاسوس” الذي تنتجه شركة البرمجة “إن إس أو” الإسرائيلية، بحسب تقرير مجموعة الصحافة الدولية الاستقصائية، التي كشفت عن أنّ المغرب استخدم البرنامج المذكور أيضاً للتجسس على هاتف الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، وهو الأمر الذي نفته الرباط.
وأوضح الوزير الإسرائيلي أنَّ الجانبين اتفقا على “إضفاء الطابع الرسمي على التعاون الأمني في مذكرة تفاهم تضع خططاً لإنشاء لجنة مشتركة من أجل تعميق التعاون عبر مجالات، مثل تبادل المعلومات الاستخبارية والبحوث والتدريب العسكري المشترك”. وفيما لا ينص الاتفاق الموقّع على صفقات محددة، إلا أنه يسمح لشركات الدفاع الإسرائيلية بالتعامل مع المغرب.
وخلال اللقاء الذي جمع الجنرال دوكور دارمي، المفتش العام للقوات المسلحة الملكية، وقائد المنطقة الجنوبية الفاروق بلخير، بوزير الأمن الإسرائيلي بني غانتس، أشاد المغرب و إسرائيل بـ”دينامية التعاون بين البلدين، الذي يعود بالنفع على الجانبين، ويبشر بتعاون واعد على مستوى تبادل الخبرات، ولا سيما في مجالات التكوين وتعزيز قدرات الدفاع ونقل التكنولوجيا”، بحسب ما كشف بيان أصدرته القوات المسلحة الملكية المغربية مساء الإربعائ24نوفمبر2021.
وقال بيان الجيش المغربي إنَّ الجانبين وقّعا مذكرة تفاهم في مجال الدفاع، تشمل تبادل التجارب والخبرات، ونقل التكنولوجيا والتكوين، وكذا التعاون في مجال الصناعة الدفاعية. وكشف البيان عن أن المسؤولين المغربي والإسرائيلي بحثا “سبل ووسائل توطيد التعاون العسكري الثنائي في المجالات ذات الاهتمام المشترك، وجددا إرادتهما المشتركة في تعزيز هذه العلاقات”، إضافة إلى “قضايا ذات طابع ثنائي وإقليمي”.وأشادا بـ”التقدم المحرز في مجال الدفاع بإبرام اتفاق يتعلق بحماية المعلومات في مجال الدفاع ومذكرة تفاهم للتعاون في مجال الأمن السيبراني”.
بناء قاعدة عسكرية
وتأتي زيارة غانتس للرباط في وقت تتحدث فيه تقارير إخبارية إسبانية عن توقيع الجانبين اتفاقاً لبناء قاعدة عسكرية جنوبيّ مدينة مليلية (أقصى شمال شرقي المغرب) المحتلة من قبل إسبانيا. وهذا ما كشفته صحيفة “الإسبانيول” الإسبانية ، حين قالت:أنَّ المغرب سيوقع مع الاحتلال الإسرائيلي اتفاقا لبناء قاعدة عسكرية في منطقة أفسو الصحراوية التابعة لإقليم الناظور شمال المملكة قرب مطار العروي الدولي جنوب مدينة مليلية.
ونقلت الصحيفة عن مصادر استخباراتية أجنبية، أن المشروع يتجاوز اتفاقيات “أبراهام” التي جرى توقيعها في تشرين الأول/ أكتوبر 2020.وأعربت المصادر عن تخوفها من أن تعزز هذه الشراكة الاستراتيجية الطيران الحربي المغربي عبر تطوير وإنتاج الطائرات بدون طيار “كاميكاز” حيث يعمل البلدان على إعداد مشروع لصناعة هذه الطائرات بالمغرب وإنتاج أكبر عدد ممكن منها هناك. وسيتمكن الإسرائيليون من إنتاج طائرات بدون طيار في المغرب بكميات كبيرة وبأسعار أقل بكثير، وسيتمكنون من وضع أنفسهم في أسواق التصدير.
ويأتي توقيع الاتفاقية في ظل حديث عن سماح تل أبيب للرباط بتطوير طائرات دون طيار، المعروفة باسم “كاميكاز”، على الأراضي المغربية، وكذلك رغبة المملكة في اقتناء القبة الحديدية التي تصنّعها إسرائيل، ويعود اهتمام المغرب بها إلى قدرتها على اعتراض القذائف الصغيرة والطائرات دون طيار.
وقالت صفحة “فار – ماروك” على موقع “فيسبوك”، المقربة من الدوائر العسكرية المغربية، إنَّ الاتفاق يشكل “إطاراً للتعاون المستقبلي في مجالات التعاون العسكري والأمني والاستخباراتي، عبر خلق قنوات رسمية بين الأجهزة الاستخباراتية والأمنية للبلدين، ووضع الأرضية القانونية للتعاون الصناعي والتقني وتبادل الزيارات والتكوينات والتمارين المشتركة”.
وذكرت قناة التلفزة الإسرائيلية الرسمية “كان”، أنّ المسؤولين المغاربة أبلغوا المسؤولين الإسرائيليين بأنّهم معنيّون بشراء منظومات دفاع جوي من طراز “براك 8″، التي تنتجها الصناعات الجوية الإسرائيلية، لاستخدامها في تأمين البر المغربي.ولفتت القناة إلى أنّ المغرب معنيّ أيضاً بشراء طائرات مسيرة وأنظمة إنذار مبكر، كاشفة أنّ المسؤولين المغاربة مهتمون بأن تتولى إسرائيل “تحديث” طائرات سلاح الجو المغربي، ومعظمها من طراز “إف 5”.
تكرِّسُ زيارة وزير الأمن الإسرائيلي للمملكة المغربية،استكمال مثلث التحالف الاستراتيجي بين أمريكا و إسرائيل،وأمريكا و المغرب، وأخيرًا تثبيت قاعدة هذا الملثث بين إسرائيل و المغرب، إذ تفتح هذه الزيارة للوزير الإسرائيلي آفاقاً واعدة للشراكة الثلاثية، وتؤسس بالتالي لتعاون وثيق ومهم بين الرباط وتل أبيب في مجالات عسكرية وأمنية؛وبذلك تصبح لإسرائيل قاعدة جديدة في منطقة المغرب العربي، تشكل تهديدًا استرتتيجيًا للأمن القومي العربي في المنطقة المغاربية.
لا شك أنَّ هذا التحالف الاستراتيجي المغربي الإسرائيلي سيلعب دوراً مهماً في ترسيخ مكانة المغرب كقوة إقليمية في منطقة المغرب العربي، وتطويق الجزائر ،خاصة أنَّ تسليم إسرائيل أنظمة دفاعية متطورة للمغرب ، إضافة لخبرتها في مجال صناعة الطائرات من دون طيار، سيمكن المغرب من دخول عصر الصناعات العسكرية، واستقطاب استثمارات دول كبرى في هذا المجال،وتعزيز قدراته العسكرية في أي حرب مقبلة قد تندلع بينه وبين جبهة البوليزاريو ، ومن ورائها الجزائر،في ظل تصاعد التوتر بين البدين المغاربيين،بعد قطع العلاقات الديبلوماسية .
فقد أكد وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين، ونظيره المغربي ناصر بوريطة، خلال لقائهما الاثنين 22نوفمبر2021 بواشنطن، على أهمية “التعميق المستمر” للعلاقات بين المغرب وإسرائيل.كما جدد بلينكين دعم الولايات المتحدة للحكم الذاتي، الذي يقترحه المغرب لحل النزاع في الصحراء الغربية، تحت سيادة الرباط.
تعزيز التطبيع بين المغرب و إسرائيل
تُعَدُّ زيارة غانتس إلى المغرب ،تكريسًا لنهج التطبيع مع العدو الصهيوني ، لا سيما منذ احتدام الأزمة الدبلوماسية بين المغرب وجارتها الجزائر، التي قرَّرتْ قطع علاقتها مع الرباط في آب/ أغسطس الماضي.كما تأتي زيارة غانتس إلى المغرب بعد ثلاثة أشهر على إعلان البلدين الاتفاق على رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي بينهما من مكتبي اتصال إلى سفارتين أثناء زيارة وزير خارجية إسرائيل يائير لبيد إلى المملكة المغربية.
وكان المغرب وإسرائيل والولايات المتحدة الأميركية قد وقعت في 22 ديسمبر/كانون الأول 2020إعلاناً تضمن ثلاثة محاور، أولها الترخيص للرحلات الجوية المباشرة بينهما مع فتح حقوق استعمال المجال الجوي، وثانيها الاستئناف الفوري للاتصالات الرسمية الكاملة بين مسؤولي الطرفين و”إقامة علاقات أخوية ودبلوماسية كاملة”، وثالثها “تشجيع تعاون اقتصادي ديناميكي وخلّاق، إضافة لمواصلة العمل في مجالات التجارة والمالية والاستثمار وغيرها من القطاعات الأخرى”.
كما تمّ التوقيع على أربع اتفاقيات بين المغرب وإسرائيل بخصوص الطيران المدني وتدبير المياه والتأشيرات الدبلوماسية، وتشجيع الاستثمار والتجارة بين البلدين. وفي 26 يناير/كانون الثاني 2021، حل السفير ديفيد غوفرين بالرباط، لتولي منصب رئيس البعثة الإسرائيلية بالمغرب، وذلك للعمل من أجل “التقدم المستمر للعلاقات الثنائية بجميع المجالات، بما في ذلك كل ما يتعلق بالحوار السياسي والسياحة والاقتصاد والعلاقات الثقافية”، حسب ما أعلنت تل أبيب آنذاك.
ودشن وزير الخارجية الإسرائيلي يئير لبيد، في أغسطس/آب من هذا العام، أول زيارة رسمية عالية المستوى إلى المغرب منذ قطع العلاقات بين الطرفين قبل نحو 20 عاماً.
والشهر الماضي، أيضا أعلنت شركة راتيو بتروليوم الإسرائيلية توقيع شراكة مع الرباط لاستكشاف حقول غاز بحرية قبالة ساحل الداخلة بالصحراء. ومؤخرا، كشفت مصادر مغربية مطلعة أن الرباط  تعاقد مع شركة إسرائيلية متخصصة في صناعة مضادات الطائرات بدون طيار “الدرونز”.
الموقف الشعبي المغربي المناهض للزيارة والتطبيع
أحدثت زيارة الوزير الإسرائيلي غانتس إلى المغرب ، ردات فعل شعبية غاضبة، ، إذْاعتبرتها “مجموعة العمل الوطنية من أجل فلسطين” (التي تتكون من هيئات سياسية ومدنية وحقوقية مساندة للقضية الفلسطينية)، “كبيرة من كبائر الجرائم التطبيعية المتسارعة في الآونة الأخيرة وخطوة بالغة الخطورة على موقف وموقع ومسؤولية الدولة المغربية، سواء تجاه قضية فلسطين ورئاسة لجنة القدس أو تجاه موقف الشعب المغربي الرافض للتطبيع وقواه الحية بمختلف مشاربها”.
وقالت المجموعة، في بيان لها ، إنَّها “تسجل بكل عبارات الغضب والسخط إدانتها واستنكارها استضافة وزير الحرب الصهيوني، كونه يمثل رأس الإرهاب المتوحش الملطخة أياديه بدماء وأشلاء الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني وشعوب الأمة، بمن فيهم مئات الأطفال والنساء والشيوخ الذين لم تجف دماؤهم بعد من آخر عدوان همجي قبل بضعة أسابيع بداية صيف هذا العام، وضمنهم أربع طفلات مغربيات حصدتهن آلة الحرب الصهيونية ومزقتهن أشلاء في الهواء تحت إمرة ومسؤولية هذا المجرم”.
وطالبت المجموعة الدولة المغربية بإلغاء هذه الزيارة المشؤومة، معتبرة أنَّ “التسويق الدعائي لهذه الزيارة وما يصاحبه من حديث عن اتفاقات عسكرية هو أمر خطير جداً يسيء لبلدنا ولمرجعياتنا الوطنية وموقع المغرب في حاضنة الأمة “.كما اعتبرت أنَّ “تسويق زيارة وزير الحرب الصهيوني وترويج اعتبارها “استفادة” مغربية من تكنولوجيا الإرهاب الصهيوني بإبرام اتفاقيات عسكرية هو أمر لا يمكن قبوله ولا يمكن إلا أن يكون مداناً وخارج السياق”.
خاتمـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة
في ظل غياب استراتيجية عربية للتعامل مع الصراع العربي- الإسرائيلي ، التي تحدِّدُ الأهداف بدقة، وتحشد الطاقات البشرية والمادية وتكاملها وديمومتها، تتسابق اليوم الأنظمة على التطبيع مع الكيان الصهيوني، وفيها من لا يجاور فلسطين المحتلة كما هو الحال المغرب، والسودان والدول الخليجية، ولم ينخرط يوما في الصراع، حيث باتت الهرولة لنيل حظوة لدى واشنطن ، ظانين أن الحفاظ على عروشهم مرهون برضا الإدارة الأمريكيّة وعبر بوابة تل أبيب. وهذا ينفي وجود استراتيجيّة عربية للصراع مع العدو.
إنَّ استمرار مسلسل التطبيع بين الأنظمة المطبّعة والعدو الصهيوني يمثل طعنة غادرة للشعب الفلسطيني وقوى المقاومة ، ويشجع الاحتلال الصهيوني على ارتكاب المزيد من الجرائم بحق الفلسطينيين ، ويمثل خطراً على القضية الفلسطينية والأمة العربية ومقدساتها.
فالتطبيع مهما كانت درجته لن يمنح الشرعية للاحتلال الذي سيبقى العدو الأوحد للأمة العربية ، ولن يفلح هذا المسار المخزي في تزييف وعي الشعوب العربية والإسلامية تجاه العدو الصهيوني، وستبقى فلسطين وعاصمتها الأبدية القدس، القضية المركزية للأمة العربية والإسلامية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى