في تداعيات عدم تجديد أنبوب الغاز مع المغرب

تتجه العلاقات الجزائرية-المغربية إلى مزيد من التدهور،بعد قطع العلاقات الديبلوماسية بين البلدين في الصيف الماضي،وها هو الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون يدعو إلى اجتماع عاجل لمجلس الأمن القومي، في أعقاب الإعلان عن حادث قصف مغربي لشاحنات نقل بضائع جزائرية، في الصحراء قرب الحدود الموريتانية، أدى إلى مقتل ثلاثة جزائريين يعملون في مجال النقل.
وكان الرئيس الجزائري عقد اجتماعًا لمجلس الأمن يوم الإربعاء 3نوفمبر2021، شارك فيه رئيس الحكومة أيمن بن عبد الرحمن ووزير الداخلية كمال بلجود ووزير الخارجية رمطان لعمامرة وقائد أركان الجيش الفريق سعيد شنقريحة وقادة الأجهزة الأمنية، لبحث هذه التطورات الأمنية، ومناقشة الرد الجزائري المناسب على ما كانت الرئاسة الجزائرية قد وصفته قبل ساعات “بالجريمة التي لن تمر بدون عقاب”.
الخسائر المغربية الناجمة عن عدم تجديد عقد توريد الغاز
يأتي هذا التدهور في العلاقات الجزائرية –المغربية، على خلفية القرار الذي اتخذه الرئيس عبد المجيد تبون، حين أمر شركة “سوناطراك” الجزائرية بوقف العلاقة التجارية وعدم تجديد عقد الغاز مع المغرب يوم الأحد 31أكتوبر 2021. فقد تسلم الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون يوم الأحد الماضي تقريرًا حول العقد الذي يربط الشركة الوطنية سوناطراك بالديوان المغربي للكهرباء والماء، والمؤرخ في 31 جويلية 2011، الذي ينتهي يوم، 31 أكتوبر 2021، منتصف الليل.
وبالنظر إلى الممارسات ذات الطابع العدواني، من المملكة المغربية تجاه الجزائر، التي تمسّ بالوحدة الوطنية، وبعد استشارة الوزير الأول وزير المالية، ووزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج، ووزير الطاقة والمناجم، أمر رئيس الجمهورية، الشركة الوطنية سوناطراك بوقف العلاقة التجارية مع الشركة المغربية، وعدم تجديد العقد.
ويمتد أنبوب الغاز الذي يربط بين الجزائر و إسبانيا على مسافة 1300 كيلومتر، منها 540 كيلومترا داخل التراب الوطني المغربي، وهو ما يُخول المغرب الحصول على حقوق المرور بواقع 7% من الكمية المتدفقة في الأنبوب، ما يوازي 700 مليون متر مكعب كمتوسط سنوي، أي حوالي 65% من حاجيات المغرب من الغاز البالغة 1.3 مليار متر مكعب سنويًا.
وتشير الإحصائيات المتعلقة بهذا الأنبوب الذي وضع قيد الخدمة عام 1996، حسب ما أوردتها صحيفة الشروق الجزائرية الصادرة بتاريخ 26أغسطس/آب2021،إلى أن المغرب يحصل سنويا على إيرادات معتبرة من عبور الغاز الجزائري أراضيه.ففي عام 2018 وصلت إيرادات المغرب إلى نحو 170 مليون دولار قبل أن تنخفض في العام 2019 إلى 113 مليونا، ثم إلى 56 مليونا في 2020.ويحصل المغرب على هذه الإيرادات على شكل غاز طبيعي يقدر بنحو 600 مليون متر مكعب في السنة يوجه من أجل إنتاج الكهرباء من محطتين لتوليد الطاقة.
ويقول خبير الطاقة مهماه بوزيان، إنَّ الخاسر من عدم تمديد العقد هو المغرب والمتضرر هو الشعب المغربي لأنَّ المعطيات التقنية تقول إنَّ استجلاب المملكة المغربية من الغاز الطبيعي في العام 2020 بلغ 750 مليون متر مكعب وإمدادات الجزائر عبر الأنبوب المغاربي الأوروبي هو 600 مليون متر مكعب، بمعنى أن الاستهلاك المغربي يعتمد على الغاز الجزائري.
وأضاف: “ثانيا من خلال 600 مليون متر مكعب من الغاز يتم إنتاج 89 بالمائة من الكهرباء في المغرب انطلاقا من الغاز الجزائري”.
وتابع قائلا: “أما الأمر الثالث في الموضوع، فهو أن المغرب يستفيد من إتاوات نتيجة تأجيره للأنبوب للجانب الإسباني وفقا لعقد الامتياز، لأن كثيرا من الناس تعتبر أن الجزائر متدخلة في الأنبوب العابر للأراضي المغربية، في حين أن العملية التجارية بالنسبة للجزائر تنتهي عند الحدود الغربية للبلاد، وبعدها القضية تخص الرباط ومدريد”.
وأوضحت الصحيفة الجزائرية ،أنَّ كل هذه المعطيات تجعل المغرب مضطرا للبحث عن حلول لفقدان الغاز الجزائري وهي حلول صعبة في عمومها، في حال رفضت الجزائر بصفة رسمية تجديد اتفاقية الغاز أو أوقفت التصدير نحو المغرب، وهو المرجح في ظل القرارات الأخيرة التي تمخض عنها اجتماع المجلس الأعلى للأمن والتي أقرت توجها رسميا نحو إعادة النظر في العلاقات الثنائية مع الرباط.
وذكرت صحيفة الشروق الجزائرية “أنه في هذه الحالة يصبح لا مناص أمام المغرب من استيراد الغاز من دول بعيدة عنها لا تربطها بها أنابيب نقل الغاز وتبقى الدولة المنتجة للغاز الأقرب إليها هي نيجيريا أو قطر وسيتم نقل الغاز في هذه الحالة عبر الناقلات الضخمة وهذا من شأنه أن يرفع الأسعار إلى مستويات قياسية”.
وتابعت قائلة: “أما الجزائر فأمامها حلول كثيرة لتصدير غازها نحو أوروبا، فهي تتوفر على أنبوب ضخم هو “ميدغاز” الذي يربط البر الجزائري بنظيره الإسباني مباشرة، كما أن طاقته القصوى المقدرة بنحو 16 مليار متر مكعب في السنة، يمكن أن تتسع لاستيعاب الغاز المصدر عبر أنبوب الغاز المغاربي الأوروبي نحو إسبانيا والبرتغال”.
وأشارت الصحيفة نقلا عن الخبير مهماه بوزيان قوله: “حتى ولو حصل المغرب على الغاز من دول أخرى فإنه لا يتوفر على إمكانيات التخزين وهو ما يجعل من الصعوبة بمكان الحصول على الغاز في الزمن المحدد على العكس مما هو حاصل في الدول الأوروبية”.
السلطات المغربية تقلل من التداعيات الاقتصادية
فيما يعتقد الخبراء الجزائريون أنَّ وقف عقد توريد الغاز سيكون له تأثير على المغرب أكثر من الجزائر،إذ يساهم الغاز الجزائري في توليد ما نسبته 15- 20 في المائة من الكهرباء في المغرب، بالتالي فإن تكلفة التزود بالغاز سوف تزيد إذا اختار المغرب موردا آخر مثل نيجيريا أو غيرها،ينفي الخبير المغربي مدير مركز إفريقيا ميد للدراسات الاستراتيجية، عبد الفتاح الفاتحي، “أن يتأثر المغرب اقتصاديا من توقف الأنبوب”، وأكد أنَّ “التأثير سيكون ضعيفا جدا”.
واستدرك الفاتحي بالقول لـ”عربي21: أنَّ “التأثيرات الاقتصادية ستكون على الميزانية العامة وكذلك على إنتاج الكهرباء في المغرب، ولكنَّ التأثير ضعيفٌ ونسبيٌّ لأنَّ المغرب يتزود باحتياجاته من الطاقة من الأسواق العالمية، ولا تأثير لتوقف الأنبوب الجزائري، لأن الكمية المخصصة للمغرب هي أقل بكثير من حاجته وليست نفس الكمية التي تأخذها إسبانيا من الجزائر”.
وحول حديث الخبير الجزائري روضان لمار بأنَّ 15- 20 في المائة من الكهرباء في المغرب يتم توليدها بالغاز الجزائري، قال الفاتحي: “هذه معلومة غير دقيقة بالمطلق، لكنَّ الذي يحدث أنَّ الجزائر في سياق حرب اقتصادية على المغرب من خلال هذا الأنبوب”.
وحول البديل الذي يمكن للمغرب اللجوء إليه، قال الفاتحي: “هناك مفاوضات بين المغرب وإسبانيا من أجل أن يتزود بالغاز الطبيعي منها، عبر استغلال ذات الأنبوب بمعنى بطريقة استرجاعية، أي من محطات الغاز المسال في إسبانيا التي تأخذ الغاز الجزائري”.
وأكد أنَّه “على الرغم من أنَّ التكلفة سترتفع، إلا أنَّها ستبقى في حدود الإمكانيات المتاحة من السوق الدولية، وبالتالي فالتأثير سيكون ضعيفًا لأنَّ الرهان المغربي على هذا الأنبوب الذي سمي مغاربيًا، هو كان فقط في إطار محاولات مغربية لتكون هناك روابط بين الجزائر والمغرب، وأنْ يُعَزِّزَ الروابط بين المغرب والجزائر لتشجيع استثمارات أخرى في المستقبل من أجل الضغط على الجزائر لتطبيع العلاقات، بالتالي فإنَّه لم يكن الرهان عليه اقتصاديًا بحتًا”.
وتعتقد السلطات الجزائرية أنَّه لا يوجد تأثير اقتصادي سلبي على الجزائر، بل على العكس ستكون تكلفة نقل الغاز أقل، لأنَّ الخطَ البديلَ الذي سوف يتم تزويد إسبانيا عبره بالغاز أقصر بنسبة 30 في المائة من الخط الذي يمر عبر المغرب والذي تم إيقافه.
وبالمقابل، يرى الخبراء الجزائريون، أنَّ الخسارة الواضحة للمغرب ستكون محدودة، لكنها ستخسر مرتين أولا، قيمة رسوم العبور التي تبلغ حوالي 60 مليون دولار، ثانيا ستخسر أسعارًا تفضيليةً للغاز الذي كانت تحصل عليه، والخسارة المادية بحسب مصادر مغربية قد تصل إلى 200 مليون دولار، لذلك فإنَّ المغرب سيكون الخاسر الأكبر لأنه سيدفع فاتورة عالية للغاز ويخسر رسوم العبور.
إنَّ تزود المغرب بالغاز من بلدان أخرى يضيف زيادة على التكلفة وربما الخسائر لن تكون فادحة بالمليارات، ولكن قد تكون بمئات الملايين وهذا مكلف، وطبعا الجزائر تريد أن تقلل من الاعتبارات السياسية وتقول إنَّ القرار لاعتبارات لوجستية، ولكنَّ لا شك في أنَّ المغرب يقلل من حجم الخسارة لأسباب سياسية، ولكنه سيضطر للاستيراد من دول أخرى مثل النرويج أو أمريكا.
هناك جدل جزائري –مغربي حول الأسباب الحقيقية لوقف أنبوب ضخ الغاز نحو المغرب ،إذ قال المبعوث الخاص للمغرب العربي والصحراء الغربية، عمار بلاني في تصريحٍ لصحيفة الشروق الجزائرية بتاريخ 2نوفمبر2021، أنَّ الجزائر اعتبرته مشروعا للتكامل المغاربي فيما اتخذه النظام المغربي وسيلة للابتزاز.
وأضاف بلاني “هذا الأنبوب الغازي كان رهانًا على المستقبل وعربون التزامنا الحقيقي تجاه تطلعات الشعوب المغاربية، وكان تعبيرًا ملموسًا وواقعيًا حول قناعتنا العميقة حول أهمية الاندماج الاقليمي والقيمة المضافة التي تمثلها هذه البنى التحتية المنجزة للتكامل المغاربي”.
وأوضح بلاني قائلاً “للأسف فالمغرب لم يكن في مستوى الطموح التاريخي والاستراتيجي الذي يمثله هذا المشروع الضخم بالنسبة للمغرب العربي الكبير، حيث قام بجعله رهينة ثم ربطه بقضية الصحراء الغربية التي يحتل بطريقة غير شرعية أراضيها.
وقال بلاني “وبالنسبة للاعلام الناطق باسم مخابرات الجارة الغربية بدل التأسف على فقدان هذا المكسب الكبير الذي غرفت منه المملكة لمدة 25 عامًا مع مواصلة التآمر ضد وحدة وسلامة بلدنا، يجب أن يفهم، وإلى الأبد، أن الجزائر الجديدة لن تنخدع بعد الآن وأنها سترد بالضربة مقابل الضربة”.
التداعيات على إسبانيا
ألقى وقف أنبوب الغاز الذي يمر عبر الأراضي المغربية بظلاله على الاقتصاد الإسباني، بسبب اعتماد إسبانيا على الجزائر في توفير نصف إيراداتها السنوية من الغاز النقي، حسب تعليقات الصحف الإسبانية.
ورغم أنَّ الجزائر أكدت في وقت سابق أنها ستستمر في تزويد الغاز إلى إسبانيا مباشرة عبر خط الأنابيب الجزائري الثاني “ميدغار”، عبر الجزيرة الإيبيرية، فإنَّ صحيفة”الباييس”الإسبانية أبدت تخوفها قائلة إنَّ “هذا العرض قد لا يكون قادرًا على تعويض النقص خاصة مع تزايد الطلب في فصل الشتاء، وقد تكون ندرة إمدادات الغاز في هذا الوقت بمثابة ضربة شديدة، حيث يعاني المستهلك الإسباني بالفعل من الارتفاع الهائل في قيمة الطاقة الكهربائية والغاز والبنزين المستخدم في التدفئة”.
وأكدت الصحيفة أنَّ هذا التوقيت يمثل خطرا لأن العالم يخرج ببطء من أزمة وباء كورونا، والقوى الكبرى سارعت لتمديد مشترياتها من الغاز للابتعاد عن أزمة الإمداد قبل أشهر الشتاء الباردة، كما أن آسيا تستحوذ على ثلاثة أرباع واردات العالم من الغاز الطبيعي المسال، والتكاليف ارتفعت خمسة أضعاف منذ كانون الثاني/ يناير الماضي مع ارتفاع الطلب على ناقلات الغاز الطبيعي المسال.
وقالت وزيرة البيئة والطاقة الإسبانية تيريزا ريبيرا، في مقابلة مع محطة “تي في إي” الإسبانية،الثلاثاء 2نوفمبر 2021 ،إنَّ إسبانيا راكمت احتياطيات من الغاز الطبيعي تعادل 43 يوما من الاستهلاك، بعد يوم واحد من توقيف الجزائر للإمداد عبر خط أنبوب الغاز المار بالمملكة المغربية.
وأشارت ريبيرا، إلى أنَّ خط أنابيب ميدغاز بين الجزائر واسبانيا، يستعد لضخ كميات إضافية من الغاز، وهو ما سيغطي عمليا توقعات الاستهلاك لإسبانيا لهذا العام.وأوضحت أنَّ هناك جزءً من كميات الغاز الموجهة للاستهلاك في عام 2022 ستصل عن طريق السفن. وأكدت الوزيرة، أنه لا يوجد سيناريو يدفع المرء إلى التفكير في انقطاع التيار الكهربائي.
ووفق ما أكدته وكالة “أسوشيبتدبرس”الإخبارية ،فإنَّ الحكومة الإسبانية تكافح بالفعل للتخفيف من تأثير ارتفاع أسعار الكهرباء بالجملة نتيجة زيادة المنافسة العالمية على الغاز الطبيعي والاختناقات في سلاسل التوريد من كبار المنتجين في العالم.وأضافت الوكالة أنَّ ارتفاع فواتير الخدمات العامة أدَّى إلى ارتفاع التضخم في إسبانيا، كما هو الحال في معظم أنحاء أوروبا. وأعلن معهد الإحصاء الإسباني خلال الأسبوع الماضي أنَّ أسعار المستهلكين زادت بنسبة 4٪ بالمئة في أيلول/ سبتمبر الماضي مقارنة بنفس الفترة من العام السابق، وهو ارتفاع لم يشهده منذ 13 عاما.
ويتوقع الخبراء أن الأسوأ لا يزال قادما مع انتقال نصف الكرة الشمالي إلى أشهر الشتاء الباردة التي يكثر خلالها استهلاك الطاقة، فيما تحاول إسبانيا تجديد مرافق تخزين الغاز، التي كانت بنسبة 72 بالمئة من طاقتها في منتصف أيلول/ سبتمبر، قبل تشغيل التدفئة وزيادة استهلاك الطاقة، وفق “أسوشييتدبرس”.
وفي وقت سابق، أكدت وزارة الطاقة الجزائرية، استعداد البلاد ‏لتلبية حاجات إسبانيا من الغاز بشكل مباشر، عبر أنبوب “ميد غاز” الذي تبلغ طاقته السنوية ثمانية مليارات متر مكعب، ولا يمر بالمغرب، بالمقابل تصدر الجزائر تقريبا 1305 مليارات مكعب يذهب منها مليار للمغرب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى