..وفي ذكرى 23 يوليو يتجدد الأمل

ما أن يطل علينا شهر تموز يوليو من كل عام ، إلا ويتجدد فينا الأمل وتنشط بنا الروح والذاكرة معا ، ويخفق القلب وتتدفق على السنتنا وأقلامنا ابجديات الكلام .
فهذا الشهر يعني لأمتنا العربية ولحركات التحرر في العالم النامي تحديدا الشيء الكثير ، فهو شهر الثورات العظيمة والتحولات الكبرى ، ولامتنا العربية وعلى رأسها العظيمة مصر ذكرياتها مع هذا الشهر العظيم، ففيه ولدت ثورة 23 يوليو المجيدة التي كانت الحدث الأكبر عربيا وإقليميا ، وامتد تأثيرها عالميا .
لقد كانت ثورة 23 يوليو بمثابة زلزال حقيقي في مصر ، حيث قامت فئة من الضباط الأحرار بزعامة العظيم جمال عبد الناصر بالإطاحة بالملك فاروق الذي وصل به الاستهتار الى درجة لا يقبلها عقل أو منطق ، وبدا الأمر في البداية كأنه انقلاب عسكري كالذي عرفته دول العالم النامي ، ولكن ما هي إلا أشهر معدودة ، وإذا التغير قد طال كل شيء في مصر وقلب الأوضاع ، وإذا بالمواطن المصري البسيط الذي كان أجيرا بوطنه أصبح مواطناً محترماً كامل المواطنة ، وإذا مصر التي كانت مملوكة للأجانب تصبح ملكا لكل أبناء شعبها ، وإذا بالفلاح المصري الأجير يصبح مالكا للأرض ، وإذا التعليم الذي كان حكرا على طبقة معينة أصبح مجانا ولكل فئات الشعب ، وإذا الجيش الذي كان الملك يتباهى بأنه جيش أبائه وأجداده يصبح جيش الشعب وابن الشعب ، وإذا بمصر كلها تعود للمصريين بعد أن كانت مملوكة للأجانب بنسبة 85% .
والأهم من كل ذلك أن مصر الثورة وعيت دورها التاريخي الذي أكدته حقائق الجغرافيا والتاريخ كما عرفها ابن مصر العظيم جمال عبد الناصر ، حيث حدد أمن ومصلحة مصر القومية ضمن الدوائر الثلاثة العربية والإفريقية والإسلامية .
وإذا بثورة 23 يوليو تساهم في تغيير مسار حركة التاريخ في العالم كله وليس في مصر وحدها .
وليمتد تأثيرها ويصل إشعاعها لكل الوطن العربي والقارات الثلاثة ، وإذا مصر تصبح مقرا لا ممرا لكل حركات التحرر في العالم ،وإذا بها تساهم المساهمة الكبرى في تخفيف حدة التوتر في العالم ، من خلال منظومة دول عدم الانحياز .
وبالتأكيد كان لذلك ثمن كبير لأن الحرية والسيادة والاستقلال غالية الثمن ، وكلنا يذكر ذلك السياسي الغربي الذي هرع لابن غوريون يبشره بأن الثورة الوليدة في مصر تركز على مصالح مصر فقط .
وهنا هز الصهيوني الداهية رأسه كما يصف ذلك السياسي ليقول: تلك هي مصيبة إسرائيل .
وتوالت بعد ذلك المؤامرات والدسائس على الثورة الوليدة وقائدها العظيم جمال عبد الناصر بهدف إفشالها وإعادة حركة التاريخ للوراء من الحروب الاقتصادية التي وصلت لذروتها بسحب تمويل بناء السد العالم ، إلى العدوان العسكري الذي ووصل لذروته مع حرب حزيران يونيو 1967 ، وفشلت كل تلك المؤامرات والحروب على عملاق النيل جمال عبد الناصر ، لأن من يحميه ويدعمه كان شعبه وأمته .
وبعد ذلك العدوان الغاشم خاضت الثورة أعظم المعارك بإعادة البناء للقوات المسلحة وخوض حرب الاستنزاف مع العدو الصهيوني، ووضع خطة العبور.
وفجأة يرحل الزعيم جمال عبد الناصر لجوار رب راضيا مرضيا ولتبدأ مرحلة جديدة خاصة بعد حرب أكتوبر المجيدة التي أعدها ووضع خطة العبور لها جمال عبد الناصر وقادة الجيش المصري العظام ، حيث كانت مقررة بين نهاية عام 1970م ، أو بداية 1971م، وهي تلك الحرب التي بقي السادات يسميها عام الحسم أي عام الحرب وكأنه يعلن عن مسرحية أو فيلم عربي حيث كان غاويا للتمثيل .
وبعد تلك الملحمة بدأت مسيرة جديدة تحت عنوان السلام والاستقرار الذي لم يتحقق ، وهناك الغاز كثيرة وأسئلة تحتاج إجابات كيف ولماذا تم تغير مسار الثورة بعد الحرب ، وكيف نجح السادات الذي كان أحد أقرب الناس للزعيم جمال عبد الناصر بالانقلاب على كل ارثه ، هناك بلا شك عوامل كثيرة خارجية منها الدعم الأمريكي المطلق ، والمال الخليجي بلا حساب خاصة من نظام آل سعود ، وقد صاحب ذلك هجوم إعلامي مرئي ومسموع إضافة للسينما والمسرح والتلفزيون وكلها جندت بالمال المشبوه لتشوه انجازات الثورة وقائدها العظيم جمال عبد الناصر .
وهناك أيضا ألغاز منها الإفراج عن القادة المتسببين بالنكسة حيث أمر جمال عبد الناصر شخصيا بمحاكمتهم وعلى رأسهم شمس بدران ، جلال الهريدي الذي كان برتبة رائد أو مقدم وإذا به يرفع بعد عقود بأمر من الرئيس الراحل محمد مرسي إلى رتبة فريق ، علما أنه من أقرب الضباط الذين عرفوا بمجموعة المشير عبد الحكيم عامر ، وهذا يحتاج إلى تفسير ، وقتل بعضهم بظروف غامضة مثل الليثي قائد الحرس الجمهوري وعلي شفيق وأشرف مروان بعد ذلك .
والغريب أنهم انتحروا كما قيل أو نحروا بنفس المكان وبنفس العمارة في لندن .
عندما تحل هذه الألغاز والأسئلة الحائرة حين ذلك ستتجلى الحقيقية وهي أن ثورة 23 يوليو كأي ثورة تقدمية حملت جذور بناءها ولكن بنفس الوقت حملت بداخلها من يعملوا على هدمها والانحراف بها عن الأهداف التي قامت من أجلها ، وهذا ما تجلى بأنور السادات وحكمه .
ولكن تبقى ثورة يوليو حدثا تاريخيا خالدا ومفصليا، وهي أول ثورة عربية غير مستوردة من الخارج وغير تابعة للخارج ، والانقلاب عليها كان شيئا آخر ولا زال يمكن تصحيحيه والعودة لمسار الثورة الناصرية كما بدأت .
وفي هذه المناسبة الخالدة التي مهما اختلفنا حولها ولكننا لا نختلف عليها ، تبقى هي أمل أمتنا بالنهوض والوحدة والتحرير .
تحية الى أبطال هذه الثورة العظام وعلى رأسهم عملاق النيل والعروبة الزعيم جمال عبد الناصر ، وستبقى أمتنا العربية وعلى رأسها مصر الحبيبة ولادة للرجال الرجال ، ولا شك ان الثورات العظيمة تتراجع ولكن لن تموت ابدأ، لأنها إرادة شعب ، وإرادة الشعب لا تموت .
ولا عزاء للصامتين .

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى