شرق الفرات في قلب الخلافات الأمريكية – التركية

تعيش منطقة الشرق الأوسط على إيقاع التصريحات والتهديدات والمبارزات الكلامية بين الحليفين الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا،الشريكين في الحرب الكونية الإرهابية على سورية، لكن يبدوأن الشمال والشرق السوريين،يباعد بينهما ،من جراء إعادةإغراء الرئيس ترامب الميليشيات الكردية الإنفصالية بمنطقة حماية أمريكية وحتى التلويح لها بجزرة الفدرلة .

الأمر الذي جعل تركيا ترد يوم الإثنين الماضي على لسان وزير خارجيتها، مولود شاووش أوغلو، على تغريدة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، التي توعد فيها بتدميرها اقتصاديا، مشيرة في الوقت ذاته إلى قبول ضمني لخيار المنطقة الآمنة في شمال سورية الذي طرحه. وكتب ترامب على تويتر “سنُدمّر تركيا اقتصاديًا إذا هاجمت الأكراد. سنُقيم منطقةً آمنة بعرض 20 ميلا”، مضيفًا “وبالمثل، لا نُريد أن يقوم الأكراد باستفزاز تركيا” .ويبدو أن تركيا لم ترد أن تصعد كثيرا مع ترامب، فأكد وزير خارجيتها أنها “ليست ضد وجود فكرة منطقة آمنة في سوررية”. لكن الرئيس الأميركي لم يوضح مَن سيُنشئ تلك المنطقة الآمنة أو يدفع تكاليفها، كما لم يُحدّد المكان الذي ستُقام فيه.

وكان الرئيس التُركي، رجب طيب أردوغان، أعلن الأسبوع الماضي رفض الموقف الأمريكي الداعي إلى ضمان حماية القوات الكردية في الشمال السوري مع انسحاب الجيش الأمريكي، وتزامن كلامه مع وجود مستشارالأمن القومي الأمريكي جون بولتون في أنقرة.وتتعلق الخلافات بين واشنطن وأنقرة بوحدات حماية الشعب الكردية. ويعتبر أردوغان تلك الوحدات “إرهابية”، متجاهلا عن عمد دورها الكبير في قتال تنظيم “داعش” خلال السنوات الأخيرة. وهددت أنقرة مرارًا خلال الأسابيع القليلة الماضية بشن هجوم لطرد المقاتلين الأكراد من الشمال السوري ومنطقة شرقي الفرات.

من جهته أكد وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو أن تهديد الرئيس دونالد ترامب بـ”تدمير تركيا اقتصاديا” إذا هاجمت المقاتلين الأكراد في سوريا لن يؤثر على خطة واشنطن سحب قواتها من هذه البلاد. وفي معرض تعليقه على خطة إقامة منطقة آمنة عند الحدود التركية السورية، أشار بومبيو إلى أن واشنطن تسعى لضمان أمن من حارب تنظيم “داعش” إلى جانبها ومنع أي هجوم على تركيا من سوريا. وتابع: “إذا حصلنا على المساحة المطلوبة ووضعنا الإجراءات الأمنية، فإن ذلك سيكون أمرا جيدا بالنسبة لجميع الأطراف في المنطقة”.

“منطقة آمنة” أوتكريس الاحتلال لشرق الفرات 

من وجهة نظر الدولة الوطنية السورية ،ترى أن الخلافات الأمريكية –التركية بشأن طرح إقامة “منطقة آمنة” في شرق الفرات، هي مجردفقاعات وأكاذيب يجري بهرجتها وتضخيمها للاستهلاك الإعلامي فقط ،فواقع الحال بالأفعال يؤكد أن التعاون الوطيد بين أانقرة وواشنطن في الأهداف والاستراتيجية لم ينقطع يومًا على مرّ سني الحرب التي استهدف بها سورية ،وذلك لتلاقي الاطماع الاستعمارية الأمريكية والتركية للسيطرة على شرق الفرات.

وكانت المتحدثة باسم البيت الأبيض سارة ساندرز أشارت إلى أنّ الرئيسين ترامب واردوغان أجريا مكالمة هاتفية أكد خلالها ترامب أنه يتفهم المخاوف الأمنية لتركيا في سورية، بالرغم من أنه أكد سابقاً على رفضه لمهاجمة تركيا للميليشيات الكردية المدعومة من قبل واشنطن في سورية، مبينة أن ترامب اقترح إنشاء “منطقة آمنة” على الحدود السورية التركية، ليأتي الرد التركي على لسان وزير خارجيتها مولود جاويش أوغلو،أنّ بلاده لا تمانع إنشاءها بالتعاون مع واشنطن، الأمر الذي يوضح المؤامرة الخبيثة المتفق عليها بين واشنطن وأنقرة ومساعيهما لفرض واقع احتلالي أو تقسيمي مشوّه على الخريطة السورية. فالنظام التركي لا يخفي مطامعه الاستعمارية في السيطرة على شرق الفرات ،من خلال الادعاءات الأمنية القومية التركية.

وبعد مقترح الولايات المتحدة لإقامة ما يسمى “منطقة آمنة” بسورية وترحيب رئيس النظام التركي رجب أردوغان بالفكرة وإبداء استعداده لتنفيذها، أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، يوم الأربعاء الماضي ، أن الجيش السوري هو من يجب أن يسيطر على شمالي البلاد.

وقال لافروف للصحفيين “نحن على قناعة بأن الحل الوحيد والأمثل هو نقل هذه المناطق لسلطة الدولة السورية “.ويأتي تصريح لافروف بعد يوم من إعلان أردوغان أن بلاده تنظر إقامة ما سماها “منطقة آمنة” في شمال سورية.

البعد الاقتصادي في توتر العلاقات الأمريكية-التركية

يشهد الاقتصاد التركي انتكاسات متوالية منذ بداية العام 2018ولغاية الآن ،أدت غلى فقدان الليرة التركية لما يقرب من 20 % من قيمتها أمام الدولار.ثم تلقت أنقرة ضربة قوية بإعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مضاعفة الرسوم الجمركية على الألومنيوم والصلب التركيين، مما فاقم أزمة هبوط قيمة العملة التركية، وتعثر الأسواق المالية، لتمر بذلك العلاقات بين البلدين بأسوأ مرحلة في تاريخ التحالف بينهما.

وتكمن مشكلة الاقتصاد التركي الأساسية في أنه من بين الاقتصادات الأكثراعتماداً على الاستثمارات والقروض الخارجية،إذ تقدر مديونية الشركات والمؤسسات التركية بالعملات الصعبة إلى البنوك غير التركية بأكثر من 220 مليار دولار،غالبيتها أموال أوروبية. وتعاني تركيا عجزاً اقتصادياً بسبب استمرار حاجتها إلى تمويل ما تدين به لدول أخرى وهو ما يؤكد أن إدارة الاقتصاد التركي باتت سيئة للغاية،ونظراً لارتفاع مستوى الديون الخارجية أصبح الاقتصاد ضعيفاً وتأثرات الليرة. وبحسب تقديرات صندوق النقد الدولي، فإنّ إجمالي الديون التركية المستحقة الدفع بالعملات الأخرى يزيد على 50 % من الناتج المحلى الإجمالي للبلاد.

كانت مؤسسة (جي بي مورجان) المالية الأمريكية قد أكدت أن حجم الدين الخارجي لتركيا الذي يَحِلُ أَجَلَ استحقاقه في يوليو 2018 يقدر بنحو 179 يقدر بنحو 179 مليار دولار.ويبلغ معظم الدين الخارجي لتركيا المستحق على القطاع الخاص ،لا سيماالبنوك، نحو 146 مليار دولار.وتؤكدالمؤسسة الأمريكية  أنّ الحكومة التركية عليها سداد 4.3 مليار دولار فقط أو تمديد المبلغ بينما يشكل الباقي مستحقات على كيانات أربعة للقطاع العام ،مشيرة إلى أن الدين الخارجي المستحق على تركيا كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي اقترب العام الماضي من مستويات قياسية مرتفعة لم يصل إليها إلا قبل عامي 2011 و 2002.

وبينما تحاول تركيا التركيز على أن الإجراءات الأمريكية الأخيرة بمنزلة حرب اقتصادية ضدها، لتبرر بذلك الفشل في إدارة الأزمة الإقتصادية، فإنّ الواقع يكشف أن المشكلة أكبر من حرب اقتصادية، وأن التصعيد الأخير يجسد تصفية حسابات بين البلدين، إثر سلسلة توترات سياسية متراكمة،لا سيما  بسبب موضوع الميليشيات الكردية المدعومة أمريكيًا.وبينما لا يزال الطرفان يعدان بعضهما بعضاً حليفين، فإنّ العلاقات بينهما مستمرة في الانهيار،وهو ما أثار الجدل حول مستقبل العلاقات بين البلدين، وما إذا كانت الأزمة الحالية مؤقتة كمثيلاتها من قبل، أم أنها بداية النهاية لتحالف استراتيجي قائم منذ عقود بين واشنطن وأنقرة.

توفير الدعم لأعداء تركيا:الميليشيات الكردية

لقد ظهرت حدة التوترات جلية بعد تولى الرئيس دونالد ترامب الإدارة الأمريكية واتخاذه خطوة غير مسبوقة في عام 2017 تجاهلت بها احتجاجات الجانب التركي وانتقادات الرئيس التركي، حيث قامت واشنطن بدعم وتسليح الميليشيات الكردية الرئيسية في سورية، والتي لها صلات بجماعة كردية انفصالية تعدها تركيا منظمة إرهابية .ومن هنا تشعر الحكومة التركية بأنّ الولايات المتحدة لم تراع هواجسها الأمنية في المقابل، فإنّ الولايات المتحدة ترفض ما تعده تسامحاً تركيا مع مسلحي تنظيم “داعش “الذين أسسوا أنفسهم في سورية، وترى أن ما تروجه أنقرة حول كونها حصناً ضد التطرف خاطئ تماماً.

وتفاقمت الخلافات الأمريكية مع تركيا بعد توجه الأخيرة ناحية موسكو،والانسجام في العلاقات الذي بات واضحاً بينهما، لاسيما عندما وقعت تركيا صفقة في سبتمبر 2017 لشراء نظام صواريخ ارض جو الروسي ٍ S400   الأمر الذي أثار غضب الولايات المتحدة، لا سيما أن تركيا كانت لا تزال بصدد شراء مقاتلات F-35  الأمريكية ،ومنذ ذلك الحين يتحرك الكونجرس لمنع تسليم الصفقة مالم تبلغ تركيا الصفقة الروسية.

خلال الأعوام الخمسين الماضية، كانت الحسابات الاستراتيجية هي العامل الأبرز في تحديد العلاقات الأمريكية مع تركيا حيث كانت واشنطن تتفاوض مع أنقرة على أساس أهميتها الجيوسياسية للسياسة الأمنية الأمريكية في سياق الشرق الأوسط ،لاسيما في المنطقة المنتجة للنفط .فلدى البلدين تاريخ طويل من التالف والشراكة والتعاون من خلال المصالح المشتركة في الأمن والاستقرار في المنطقة، وخارجها ومحاربة الإرهاب والتطرف والتعاون الاقتصادي.

والحال هذه،فبعد تهديد كاذب بتدمير تركيا اقتصاديًا،عاد الرئيس الأمريكي ليلعب من جديد على ورقة الانفصاليين الأكراد الذين كانوا طويلا حربة واشنطن لتخويف تركيا وإعادتهم الى بيت الطاعة الاميركية بعد أن لاح في الافق السياسي ان تفاوضا بينهم وبين الدولة الوطنية السورية قائم للعودة عن ضلالة تبعيتهم وارتهانهم الاعمى لأمريكا.وفي الوقت الذي بدأ مسار التفاوض بين الانفصاليين الأكراد ويبن الدولة الوطنية السورية يستكمل الأمر الذي لم يلق استحسانًا اميركيًا ، قام الرئيس الأمريكي  دونالد ترامب بتقديم إغراءات الحماية لهم بشرط قطع عودتهم واتصالهم مع دمشق،وتهديد أنقرة في الوقت نفسه لحماية “ميليشات الانفصال”، لتؤكد بهذا واشنطن خبث نيتها المبيتة واستخدام ورقة ميليشيات الانفصال لخدمة أجندتها الاستعمارية.

الميليشيات الكردية في خدمة المشاريع الاستعمارية الأمريكية

لا شك أن النهج الكردي الانفصالي تعارضه دول الجوار الجغرافي لسورية،لا سيما  إيران،وتركيا،وسورية،إذ أعلنت الدول الثلاث رفضها إقامة كيان كردي في شمال سورية، وتغيير الخريطة السكانية والجغرافية لمدينة الحسكة،التي يطالب الأكراد بضمها إلى كيانهم الوليد، باعتبارالحسكة  مدينة كردية حسب وجهة نظرهم،فيما أثبتت كل الدراسات التاريخية أن المدينة يقطنها السريان والكلدان والتركمان والعرب كأغلبية ،وأقلية كردية،ولم تكن في يوم من الأيام مدينة كردية. وبما إن احتمالات قيام كيان كردي منفصل في شمال سورية سيؤدي إلى تقسيم سورية والعراق،ويضع المنطقة وجهاً لوجه أمام تحديات خطيرة،فإن ّدول الجوارالجغرافي لن تسمح بتقسيم سورية أوالعراق أوقيام دولة كردية مستقلة.

ومن هذا المنطلق،أصبح  حزب الاتحاد الديمقراطي مكروهًا من بقية القوى الكردية، وقسم من الشعب الكردي،ومن العرب وبقية القوميات. وسبب هجرة كردٍ كثيرين من شمال سورية، ويمارس قمعاً للحريات، ما حوّله إلى نظام مستبد بشكل كامل،ومارس كذلك تطهيرًاعرقيًا على مناطق تتسم بطابع سكاني عربي.وقد أحرز هذا الحزب،وعبر قوات سورية الديمقراطية، انتصارًاعلى «داعش» في منبج و أخيرًا في الرقة بمساعدةأميركية.وهذا ما جعل هذا الحزب يطمع بربط عفرين بكوباني (عين العرب)،وبالتالي، مدّ سيطرته السياسية على كل المناطق التي يوجد فيها أكراد في سورية، ضمن مفهومه للفيدرالية،الأمرالأخير يرفضه الأتراك بشكل كامل،وكذلك السوريون من غير الكرد.

هذا الوضع،لن تسمح به الدولة التركية ،التي تستعد للدخول عسكريا في شرق الفرات ،لا باسم محاربة تنظيم “داعش” فقط،وإنما لوأد مسعى الانفصال الكردي. فتركيا لن تسمح بقيام كيان كردي انفصالي في شمال سورية،وهي تريد خلق بيئة آمنة وغير معادية على طول حدودها مع سورية،وهي لن تتوان في القضاء على أي قوة كردية عسكرية  ذات نزعة انفصالية في سورية،إضافة أنها ضد تفكيك الدولة السورية،وهي مع  المساهمة في خلق نظام في دمشق غير معادي لها ومتعاون وشريك اقتصادي.وهكذا شكلت المخاوف من النزعة الإنفصالية للأكراد،ومن انهيار الدولة السورية الذي سيقودها حتما إلى التقسيم ،القاسم المشترك بين تركيا و إيران وسورية.

الأزمة المزمنة بين تركيا وسورية

يعتقد المحللون العرب أن العلاقات  التركية- السورية تميزت خلال الحرب الباردة وفي أعقابها وليومنا هذا ،بالعداء، نظرًا لوجود أزمة مركبة ومعقدة بين البلدين.وهكذا، فإنّ الأزمة التركية –السورية التي انفجرت في عقد التسعينيات من القرن الماضي ، وبعد تفجر الأزمة السورية بعد سنة 2011،هي أزمة ذات أبعاد ثلاث..

البعد الأول،ويتصل بالعلاقات بين الأكراد و الأتراك .فحزب العمال الكردستاني التركي يعتبر المسألة الكردية إحدى مكونات الأزمات الداخلية التاريخية التركية، حتى وإنْ كانت تركيا قد أنكرت وجودها ،وعملت على تقزيمها وتحويلها إلى مجرد قضية “إرهاب داخلي ونزعات انفصالية”.

أما البعد الثاني فهوثنائي تركي -سوري،حيث تتهم الطبقة السياسة الحاكمة في تركيا والمتكونة أساساً من الكماليين ،العرب بطعن الأتراك في الظهر خلال الحرب العالمية الأولى  وخلال حرب الاستقلال (1919-1923)،وأن “سورية لم تكن سوى مقاطعة صغيرة في الحقبة العثمانية” . ولاحقاً أدّت وجهة النظر القومية العربية الطاغية دورًا مهمًافي وضع تركيا في أطر سلبية إلى حدٍّ كبيرٍ.في مرحلة ما بعد الاستقلال،وصفت الرواية القومية العربية العثمانيين بالمستعمرين واعتبرتهم مسؤولين عن تخلّف الوطن  العربي.في الجانب التركي،تأرجحت المشاعر من الابتعاد عن الإرث العثماني إلى شعور بـ”الخيانة” عقب الثورة العربية.

على الرغم من أن علم التأريخ الحديث يشكّك في شكل خاص في هذا التصنيف الحاد للقمع والخيانة،تطوّرت العلاقات بين تركيا والوطن العربي ضمن هذه الذاكرة التاريخية السلبية التي ظلّت حيّة من خلال الكتب المدرسية والتجلّيات الثقافية.خلال الحرب الباردة، اصطفّت تركيا إلى جانب الكتلة الغربية. لكن في السنوات الأولى لهذه الحرب، كانت العلاقات بين الأنظمة العربية الكبرى والكتلة الغربية عدائية، وكانت المشاعر الشعبية انتقادية أيضاً نظراً إلى الدعم الذي كان الغرب، ولا سيما الولايات المتحدة، يقدّمه للكيان الصهيوني .لقد ساهم هذا الواقع أكثر فأكثر في العلاقة الإشكالية.

وهكذا كانت وجهة النظر الطاغية في الوطن العربي  تعتبر تركيا تابعة أميركية.وتعزّزت وجهة النظر هذه بعد مشاركة تركيا في التوصّل إلى ميثاق بغداد عام 1955.وفي غضون ذلك، ولّد اعتراف تركيا بالكيان الصهيوني عام 1949 مزيدًا من الشقاق.غير أن جوهر الأزمة التركية – السورية ، يتمثل في الموقف السوري الرسمي من لواء الإسكندرون سابقاً-الذي تسكنه أكثرية عربية – والذي تعتبره دمشق جزءًا من سورية، بينما يسمي الأتراك ذلك الإقليم ب”هاتاي “،الذي تخلت عنه فرنسا لمصلحة أنقرة في سنة 1939.

ويتعلق البعد الثالث من الأزمة بالموقف من نظام الرئيس بشار الأسد ، إذ كانت تركيا برئاسة الطيب رجب أردوغان تطالب طيلة السنوات الثماني الماضية برحيل الأسد كما دعمت فصائل سورية مقاتلة بما فيها الإسلامية المتشددة للإطاحة بالحكومة السورية.وإن كان الموقف التركي قد تغير في الفترة الأخيرة ،بعد سلسلة المصالحات مع كل من روسيا والكيان الصهيوني ، ومحاولة الانقلاب الفاشلة في أواسط شهر تموز/يوليو 2016،حيث قال رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم في ذلك الوقت :إن حكومة الرئيس السوري بشار الأسد لا يمكن تجاهلها من أجل إيجاد حل سياسي للصراع السوري متعدد الأطراف.وهذه هي المرّة الأولى التي تعلن فيها تركيا رسميًا موقفًا مناقضًا لموقف سابق يؤكد أنه لا مكان للأسد في أية عملية سياسية.

الخاتمة:

في زحمة تسارع الأحداث في سورية،يبقى الثابت الأساسي فيها هو الجيش العربي السوري الذي يرسم خرائط تحركاته على امتداد الجغرافيا السورية حيث بدأ بنشر تعزيزاته العسكرية على الخطوط المتاخمة لمعسكر أعداء الدولة الوطنية السورية،لاستكمال مهام التحرير على جبهتي ريف حماة وإدلب، وشرق الفرات . والدولة الوطنيةالسوريةعاقدة العزم على استعادة كافة المناطق التي يسيطر عليها التنظيمات الإرهابية ،من بينها القرى الواقعة على طول نهر الفرات والذين تؤمن حمايتهم القوات الأمريكية، وهي المناطق الوحيدة التي ماتزال تحت سيطرة “داعش”، فيما يدعي البنتاغون بوجود 20000-30000داعشي في سورية والعراق-لتبرير الوجود الأمريكي في المنطقة- قدّرت المخابرات السورية عدد الدواعش في تلك القرى بـ 1500، وقدّرت قوات الأمن العراقية أعدادهم في العراق بين الـ 1500-2000، ومما لا شك فيه أن ليس هناك أكثر حماسا من الجيش العربي السوري لهزيمة “داعش” والقضاء عليه.

أمّا من الناحية الاستراتيجية والمنطقية، فمن غير المسوغ أن تعادي الولايات المتحدة حليفتها التركية بسبب مصالح وطموحات الأكراد الإنفصاليين ، ذلك أن تركيا تمثل ثقلا اقتصاديا جعلها تأخذ المرتبة السابعة عشرة على مستوى العالم، وأن جيشها يعتبر ثاني أكبر جيش في حلف الناتو ويعد من أكبر القوى العسكرية في الشرق الأوسط. كما أنه يتعذر تزويد القوات الأميركية الموجودة في سورية والتي يتجاوز عددها بضعة آلاف بمستلزماتهم دون الاعتماد على الطرق البرية والجوية التي تمر عبر تركيا. وبذلك لن تتخلى واشنطن عن أنقرة في ضوء وجود مصالح مشتركة تربط بينهما.‏ ويضاف إلى ذلك بأن أية مواجهة مع إيران وتحقيق المنافسة الاستراتيجية مع روسيا والصين يتطلب بالضرورة وجود حلفاء للولايات المتحدة الأمر الذي سيحدو بها إلى الإبقاء على علاقاتها مع تركيا. بالإضافة إلى ما يكتنف تركيا من تحسب وخشية من روسيا لأسباب تاريخية وجغرافية. أما بالنسبة للصين فإن تركيا تمثل لها طريق الحرير. لكن العلاقة بين أنقرة وبكين قد سادها في الماضي الكثير من الخلافات الشائكة. ومع ذلك فإن ابتعاد تركيا عن الولايات المتحدة سيحقق فوائد جمة لكل من إيران وروسيا والصين.

و بالمقابل يدرك الرئيس التركي رجب طيب أردوغان جيدا أنه لا يمكنه الوثوق بأمريكا التي سلحت الأكراد في سورية بحجة محاربة “داعش”.وتركيا تدرك أنها ستعاني بحال اتفقت سورية مع الإمارات ودول الخليج ضدها وذلك بعد أن أكد وزير الخارجية الإماراتي أنور قرقوس أن بلده تريد إعادة علاقات الصداقة مع سورية وهي “تعارض تركيا”..وبهذا أصبح أردوغان يرى نفسه مجبرا لتحديد استراتيجية أقل عدوانية تجاه سورية، مع عدم معارضة الولايات المتحدة لأنه لا ينوي ترك حلف الناتو في المستقبل القريب، كما يخشى من انقلاب أميركا ضده كما فعلت بالأكراد.

أخيرًا: لقد دفع أكراد العراق وسورية فاتورة الصدام الأمريكي- الإيراني في العراق وفاتورة الصدام الأمريكي مع الروس والأتراك في سورية. فهناك لوحة شرق أوسطية أنتجها دونالد ترامب قادت إلى مواجهة استقطابية بدأت ملامحها التشكل بين حلفين دوليين- إقليميين: واشنطن- الرياض- القاهرة- أبو ظبي، ضد موسكو- طهران- أنقرة، يؤثر في كل الساحات المتوترة في سورية واليمن والكامنة التوتر في العراق ولبنان، وعلى الأرجح سيؤثر في الدواخل في دول منطقة الشرق الأوسط، تماماً مثلما حصل في المنطقة بين عامي1955 و1967.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى