الكيان الصهيوني في مواجهة حرب تموز «السورية»

في ضوء الانتصارات التي يحرزها الجيش العربي السوري وحلفاؤه، عبر تحرير  معظم مناطق الجنوب السوري الواقعة تحت سيطرة الارهابيين بالكامل ،وخاصة بعد تحريره وفتح معبر نصيب الحدودي مع الأردن ورفع العلم السوري عليه ،وطرد التنظيمات الإرهابية ،وتسوية أوضاع بعض المسلحين الآخرين ،وعودة الأهالي المهجرين بفعل تلك التنظيمات التكفيرية إلى مدنهم وقراهم، بات من الواضح أنّ نهاية الإرهاب في سورية باتت قاب قوسين أو أدنى من نهايتها،لا سيما أنّ التنظيمات والمجموعات الإرهابية المسلحة تتهاوى الواحدة تلو الاخرى تحت ضربات الجيش السوري في درعا .

‏فهاهو الجيش العربي السوري يبسط  سيطرته  الكاملة في الريف الشرقي لمحافظة درعا ومركز المدينة و على طول الحدود مع الأردن وصولاً إلى ريف درعا الغربي، حيث بسط سيطرته على 27 نقطة من المخافر الحدودية مع الأردن ضمن الحدود الإدارية لمدينة درعا، ابتداءً من النقطة 62 إلى النقطة 36،فيما ذكرت وكالة الأنباء السورية«سانا»،أنّ قوات الجيش السوري انتشرت في قرية زيزون وبلدة تل شهاب أقصى جنوب غربي مدينة درعا بالقرب من الحدود الأردنية،وفي ريف القنيطرة التي كان يسيطرعليها ما كان يسمى«الجيش الحر» ،ووصلت إلى منطقة  «جيش خالد» المرتبطة عضويًا بتنظيم«داعش» الإرهابي،في حوض اليرموك بريف درعا الجنوبي الغربي،وبالتالي أصبحت  على تماس مع هذه المجموعة الإرهابية الداعشية التي تعمل تحت اسم «جيش خالد ابن الوليد » من الجهة الشرقية بعدما كانت تمتلك محوراً واحداً من جهة بلدة حيط عند الحدود السورية ــ الأردنية، حيث اندلعت اشتباكات بين الجانبين على هذا المحور.

كل المعطيات تؤكدعلى أن المواجهة العسكرية مع تنظيم «داعش» الإرهابي أي «جيش خالد» باتت وشيكة، بعدما سيطر الجيش السوري على نحو 80  في المائة من مساحة محافظة درعا، التي تبلغ مساحتها نحو 4 آلاف كيلومتر مربع، وتقلص نسبة سيطرة  التنظيمات الإرهابية في محافظة درعا،إلى 14 في المائة، فيما يسيطر تنظيم داعش ،أي «جيش خالد» على 6 في المائة من مساحة المحافظة ريفي درعا والقنيطرة. وظهر ما يُسمّى بـ«جيش خالد بن الوليد» في جنوب سورية في مايو/أيار من عام 2016،  ، بعد اندماج عدة فصائل متشددة في تشكيل واحد، أبرزها لواء «شهداء اليرموك»، الذي تشكّل في سورية في 2012، من نحو 200 مقاتل، وذاعت شهرته بعدما اختطف 21 جندياً فيليبينياً من قوات حفظ السلام الأممية على خط الفصل في الجولان المحتل، أوائل مارس/ آذار 2013. كما يضم «جيش خالد» كلًا من حركة «المثنى الإسلامية»، وهي جماعة إسلامية سلفية، تشكلت في العام 2012، و«جيش الجهاد» الذي ضم فصائل منشقة عن «جبهة النصرة» في جنوب سورية. واستطاع «جيش خالد» انتزاع السيطرة على 16 قرية وبلدة في منطقة حوض اليرموك في أقصى ريف درعا الغربي، عند ملتقى حدود سورية والأردن وفلسطين المحتلة ، إذ لا يبعد عن الحدود السورية الأردنية والسورية –الصهيونية سوى بضعة كيلومترات، وأبرز هذه البلدات سحم الجولان، وبيت آرة، وكويا، ومعربة، ونافعة، والشجرة، وجملة، وجلين، وعدوان، والشبرق، وتسيل، وعين ذكر، وهي تمتد على نحو 250 كيلومتراً مربعاً.

وبما أنّ هذه التنظيمات الإرهابية تنفذ  المخطط الأميركي- الصهيوني، الذي يستهدف تقسيم سورية على أسس طائفية وعرقية، فقدتمادي العدوالصهيوني في القيام باعتداءاته على سورية لنجدة مرتزقته على الأرض ،ورفع معنويات التنظيمات الإرهابية المتهاوية أمام ضربات الجيش العربي السوري.‏‏ فأطلق العدو الصهيوني بعدة صواريخ مساء الإربعاء 11تموز 2018 على بعض نقاط الجيش السوري في محيط بلدة حضر وتل كروم جبا بالقنيطرة واقتصرت الأضرارعلى الماديات.‏‏ وقد استغلت التنظيمات الإرهابية هذا العدوان، واعتدت بدورها على قرية جبا بإطلاق قذائف الهاون .‏‏

ويأتي هذا العدوان الصهيوني  المتكرر كرّدٍ يائسٍ من جانب قادة العدوالصهيوني ، على انتصارات الجيش العربي السوري المدوية في خاصرة سورية الجنوبية ، التي تعد بمنزلة الصاعقة التي أفشلت المشروع الأميركي- الصهيوني في تقسيم المنطقة، فبددت تلك الانتصارات أوهام القادة الصهاينة، الذين ازدادوا عدوانية حين رأوا بأم أعينهم تحريرالجنوب من براثن الإرهاب وداعميه،وسط انهيارات كبيرة في صفوف التنظيمات الإرهابية،التي انكشفت عمالتها للكيان الصهيوني أمام أهالي الجنوب السوري،الذين رحبوا بعملية التحرير  التي يقودها الجيش السوري،وسط إطلاق الهتافات الوطنية،فيما اتضح أكثر فأكثر حقيقة دعم الغرب الاستعماري اللامحدود للإرهابيين من خلال الكميات الكبيرة من الأسلحة بينها أميركية وبريطانية التي تم العثور عليها من مخلفات الإرهابيين بريف درعا الشرقي.فقد أشار احد القادة الميدانيين إلى أن وحدات من الجيش السوري عثرت في مستودعات وأوكار للمجموعات الإرهابية تحت الأرض على قواعد لإطلاق صواريخ تاو وعربات مصفحة امريكية الصنع وأخرى مركب عليها مدفع رباعي 5ر14 و57 و30 إضافة إلى دبابات وقواذف ب 9 وب10 ومضادات طيران.‏‏ وبين القائد الميداني أن من بين المضبوطات عددا كبيرا من قواذف الهاون 120 مم و82مم و60 مم وذخائر متنوعة وقواذف آر بي جي وقناصات إضافة إلى حفارة كان الإرهابيون يستخدمونها في حفر الأنفاق لتسهيل تنقلاتهم والاحتماء من ضربات الجيش العربي السوري.‏‏

القلق الصهيوني من الانتصارات العسكرية السورية

أمام تسارع وتيرة التطورات الميدانية في الجنوب السوري،ازداد القلق الصهيوني ،فسارع رئيس الحكومة الصهيونية بنيامين نتنياهو إلى القيام بزيارة إلى موسكو مؤخرًا ، والتقى خلالها مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ، حيث كان مصير الجنوب السوري في صلب مباحثاتهما  ،واستبق الكيان الصهيوني اللقاء بتوجيه  تهديد لسورية ، حين دفع بتعزيزات عسكرية إلى حدوده الشمالية، بحجة عدم تجاوز قوات الجيش السوري اتفاق وقف إطلاق النار المبرم في عام 1974، حيث يلوح الجيش الصهيوني بدخول المنطقة الفاصلة على الحدود السورية إذا ما ازداد ضغط النازحين السوريين على الحدود السورية – الإسرائيلية. وهذه هي الزيارة الثالثة لنتنياهو إلى موسكو هذا العام، وعادة ما يكون الملف السوري في صلب المباحثات مع المسؤولين الروس.

القلق الذي يسيطر على قادة العدو الصهيوني يتمثل في هاجس المقاومة،لا سيما أنهم يرفضون تمركزقوات إيرانية ومن حزب الله على جبهة الجولان السورية،حيث يريد هؤلاء القادة الصهاينة إبرام تفاهمات مع الروس تعيد الجنوب السوري لسيادة الدولة الوطنية السورية ، باعتبارها الجهة الوحيدة التي حافظت على حدود الكيان الصهيوني الشمالية منذ اتفاق وقف إطلاق النار في عام 1974. فالعدوالصهيوني يصر على إبعاد القوات الحليفة للجيش السوري والمتكونة من قوات إيرانية ومن حزب الله من التمركز على حدوده الشمالية، وبالتالي ترسيخ وجود ها العسكري على مقربة منه. ويشارك الأردن الكيان الصهيوني في نفس القلق من الوجود الإيراني في جنوب سورية، في حين لا تزال الجمهورية الإسلامية الإيرانية تؤكد على لسان مسؤوليها أنها «ستبقي على وجودها العسكري في سورية بعد هزيمة داعش، لمواجهة المخططات الصهيونية، وأن المستشارين العسكريين الإيرانيين سيواصلون عملهم في سورية بنفس الطريقة».

وفي هذا السياق،أطلق وزير الأمن الصهيوني أفيغدور ليبرمان خلال زيارته منطقة الجولان السوري المحتل، يوم الثلاثاء10تموز الجاري ، تهديدات جديدة إلى قوات الجيش السوري ، إذ قال أود أن أكرر ما قلته سابقا لقد تجولنا على امتداد الحدود وشاهدنا خيام اللاجئين السوريين، نحن مستعدون لتقديم كل مساعدة إنسانية، لكننا غير مستعدين لاستقبال أي لاجئ في أراضينا. الأمر الثاني الذي تنبغي الإشارة إليه هو اتفاق فصل القوات من العام 1974.لقد أوضحت هنا أيضا لقادة الجيش ولممثلي القوات الدولية «أندوف» أنه بالنسبة لنا فإن دخول أي قوة سورية للمنطقة العازلة، وكل جندي سوري سيتواجد داخل هذه المنطقة فإنه يعرض حياته للخطر».وأضاف ليبرمان أنه «بالنسبة للمناطق الأخرى فإننا سنحرص ونصر على كل فاصلة، بشأن تشكيل وعدد القوات التي يتيحها اتفاق 74».وكرر ليبرمان مواقف الكيان الصهيوني بأنه لن يقبل بتواجد إيراني في سورية: «إن مجرد الوجود الإيراني في سورية، بالنسبة لنا، هو أمر غير محتمل، لسنا مستعدين لقبول تواجد إيراني في سورية ولا في أي جزء منها، وسنعمل ضد أي تواجد إيراني في سورية». أما بالنسبة للانسحاب إلى ما وراء 40 كم أو 80 فهذا ليس مهما، لذلك فإننا عندما نرصد وجودا إيرانيا نتحرك، وهكذا سيستمر الحال».ولدى سؤاله من قبل أحد الصحافيين عما إذا كان سيأتي وقت تتم فيه إعادة فتح معبر القنيطرة بموجب اتفاق وقف إطلاق النار بين الكيان الصهيوني وسورية وما إذا كان من الممكن أن يقيم الكيان الصهيوني وسورية «نوعاً من العلاقة» بينهما، قال ليبرمان «أعتقد أننا بعيدون كثيراً من تحقيق ذلك، لكننا لا نستبعد أي شيء».

الجيش السوري وتكريس نهج المقاومة

في الوقت الذي نشاهد فيه بأم أعيننا كيف أن أنظمة الخليج الرجعية ، وعدة أنظمةعربية أخرى ، تفاوض العدو الصهيوني ، في العتمة, هنا أو هناك, بغير أوراق ولامائدة مستديرة ولا أضواء ,وتعمل على تصفية الصراع العربي- الصهيوني ، وبالتالي تصفية القضية الفلسطينية،  نجد بالمقابل الجيش العربي السوري وحلفاؤه من إيران وحزب الله يشكلون قوة المقاومة الجديدة في المنطقة العربية  التي تقاتل وتخوض المعارك لإسقاط المشروع الإمبريالي الأميركي-الصهيوني –الرجعي العربي .قوة المقاومة أنها تستلهم من دروس حرب تموز2006، حيث نجحت المقاومة في إقامة توازن رعب وردع مع العدو الصهيوني بالرغم من تواضع إمكانياتها و تمكنت من زلزلة الكيان الصهيوني في العمق .ورغم أنّ الكيان الصهيوني وظف أحدث التقنيات العسكرية من وسائل البطش والتدمير وتكنولوجيا الحرب الحديثة واستخدمها في عدوانه الوحشي على لبنان ،فإنّ كل وسائل اجرامه وإرهابه لم تتمكن من كسر ارادة المقاومين ولم يفلح الكيان الصهيوني في ليِّ ذراع المقاومة التي وجهت للعدو صفعات متتالية موجعة ولم تلين للمقاومين عزيمة حتى احرزوا النصر .‏‏

الدولة الوطنية السورية  ، بحفاظها وتمسكها بالثوابت الوطنية والقومية، وفي القلب منها القضية الفلسطينية بوصفها القضية المركزية للأمة  العربية،ورغم  اختلال ميزان القوى العالمي في الثمانينات والتسعينات من القرن المنصرم، نتيجة الدعم الغربي المطلق والهائل للكيان الصهيوني المحتل ـ صاحب النزعة العدوانية ـ وخروج أغلب الدول العربية من الصراع معه باتفاقيات إذعان واستسلام وتطبيع، ليس واردًا في حساباتها ، ولا في سياساتها، القبول بمبدأ التنازل عن الحقوق أو الخضوع والاستسلام للمشاريع الإمبريالية الأميركية والصهيونية ومخططاتها التفتيتية للدول الوطنية العربية. فاختارت الدولة الوطنية السورية نهج المقاومة ،بوصفه الخيارالذي أسقط ما سمته وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كونداليزا رايس «مشروع الشرق الأوسط الكبير» في سنة 2006، الذي كان يستهدف منع حزب الله من إعادة بناء قدراته العسكرية وتطويرها، وبتر العلاقة الاستراتيجية بين سورية وإيران وحزب الله.

وكما أثبت محور المقاومة في حرب تموز 2006،أنه قادر على على المواجهة والتحدي وإحراز الانتصارات وإرباك مشاريع أعدائه، بحيث تم ترحيل مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي بشرت به رايس إلى دهاليز النسيان ولم يعد أحد يتذكره، فإنّ محور المقاومة بقيادة الدولة الوطنية السورية والجمهورية الإسلامية الإيرانية وحزب الله،الذي يتصدى منذ سبع سنوات لحرب كونية تقودها الإمبريالية الغربية بزعامة أميركا، وحلفاءها الإقليميين من الكيان الصهيوني والرجعيات العربية والتركية ،أثبت أنه قادر أيضا على إفشال مخطط التقسيم لسورية، وللمنطقة ،وأنه قادر على هزيمة التنظيمات الإرهابية، ومقاومته الاستعمار الأميركي الجديد بكل أشكاله وكذلك مقاومة الكيان الصهيوني ، ومشاريع الغرب ومرتزقته وتكفيرييه من معركة حلب 2016 والغوطة في آذار 2018إلى درعا تموز 2018،حيث  أثبتت الانتصارات الاستراتيجية للجيش العربي السوري التي حققها ،أنها تشكل رصيدًا كفاحيًا إلى انتصارات المقاومة عام 2000 التي حررت جنوب لبنان من الاحتلال الصهيوني ،وفي عام 2006 حين فرض حزب الله نفسه بقوة على الساحة السياسية اللبنانية و اكتسب شرعيته المحلية والإقليمية عن طريق المقاومة العسكرية للوجود الصهيوني .

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى