عندما يتحول الوطن العربي إلى مسرح من اللامعقول !

ونحن نحتل موقع المتفرج بتنا نرى بلادنا وهي تتحول إلى مسرح سياسي تراجيدي تتقافز على جنباته الدول والدهاة والحواة والأوغاد والأعداء من كل نوع وشاكلة وتجري على أرضيته بدع السياسة والاستباحة والانتقاص والاستخفاف وتحييد الاوطان وجعلها جغرافيا بلا عنوان أو هوية وماهية  وتجريدها من مضمون ومعنى السيادة والعنفوان الوطني وكل ذلك يصير لأننا نهوى الحكم والسلطان ونستمرىء الذل والهوان ونقدم النظام على الاوطان ونرى السيادة من أعمال الماضي ومن خرافات الشعوب .

أي فجائعية سياسية نرى وبأي مصير غامض ومقلق ومحير بتنا نحدق ونحن نرى الأمة تنسحب من تاريخها وتؤجل دورها وقرارها وتتراخى في مسائل وجودها ومستقبلها ، وأي كارثة ننتظر ونحن نفرد رؤى الأغيار – والأعداء قطعا – على طاولة عقلنا وتاريخنا ويصبح الحديث عن حالنا العربي حديثا سياسيا برانياً عن صولات وجولات هذه الدول وعساكرها في فضائنا وداخل أرواحنا .

ألا نرى أنفسنا عندئذ ونحن نحدق في هذا الضياع والعدم الماحق وهذا المصير المبهم القاتم ، ألا نتوقف عن هذا الخنى ونستدير لحظة لنستحضر ونرى الصور الأخرى والمصائر والآفاق المفتوحة والممكنة على طرق أخرى مغايرة وإسدال الستار مرة واحدة – في هذه اللحظة الصعبة من التاريخ – على هذا المسرح التراجيدي الفاجع ؟

تتقاتل الدول على أرضنا وأوطاننا وتتداول وتتنازع على مصالحها ونفوذها – هنا والآن – بكل اندفاع وصلافة ووحشية ، وأصبح الحل والعقد والربط بيد الدول الباغية الهائجة من كل لون وأصبحنا الكعكة المغرية التي تتلمظ الدول على امتلاكها وابتلاعها وتحوّل دورنا إلى تحضير وخدمة هذه الكعكة والتهوية عليها وتقديم السكين الطويلة الحادة لقطعها  واباحة المجال لتبقى مكرسة للاستعمال والالتهام . لم نعد أصحاب الكعكة والمكان والزمان وانفرط عقد الهيبة وبقينا نلوذ تحت الطاولة والكل يقطع ويأخذ ويقضم ونحن في غياب كامل عن الساحة والمشهد وتلك من مفارقات هذا الزمن العربي الملطخ بكل السوءات والقباحات وتلك أيضا  من أفعال ارتدادنا ونكوصنا وتخلينا عن دورنا وارادتنا وهروبنا إلى الهوامش والملاذات الوجودية الدونية الآمنة .

ألا يرد كل ذلك إلى الشعوب ونخبها وفرارها من دورها ومسؤولياتها التاريخية ؟ ألا يكون هذا المسرح الفاجع حافزا لنا لكي نسأل ونحتار ونقلق ؟ ألا يؤدي الاستمراء والتواطؤ إلى جعل المسرح مفتوحا على مصراعيه لفترات طويلة نكون قد قطعنا فيها شوطاً كبيرا على طريق الانقراض والخروج من التاريخ . ألا يحفزنا كل ذلك إلى قراءات ومحاولات جديدة  تسعفنا في استنهاض إرادتنا وتقوي فينا الاحساس بضرورة التصدي والمقاومة والانتقال من الندب إلى العمل ؟

ألا يختصر علينا ترامب ونتنياهو والزمر التابعة لهم الكلام والاستغراق في التحليل والتأمل ؟ ألا يقولون بالكلام الواضح الصريح أن الكيان الصهيوني والامتثال لأوامره هو الحل العولمي الذي علينا قبوله بشكل ارغامي ودون سؤال ؟ ألا يقدم هؤلاء الأوغاد أطروحات وشروحات طويلة حول عدائهم لهذه الأمة وسعيهم لتدميرها واخراجها من التاريخ ؟

نسأل وتتعاظم الأسئلة وتضيق الرؤيا والعبارة ونقول مع الشاعر  :

نحن هنا أشباح

تنحت أحلاماً من حجر !!

أو نقول مع شاعر آخر :

إني لأفتح عيني حين أفتحها

على كثير ولكن لا أرى أحدا !!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى