لا افق لنجاح الإتفاق الروسي- الأمريكي

توصل الإتحاد الروسي والولايات المتحدة إلى أكثر من إتفاق أو تفاهم خلال هذا العام حول سورية، تحت عناوين محاربة الإرهاب وتحقيق حل سياسي واعتبارات إنسانية، وكان أهمها ما تم التوصل إليه قبل أيام من الآن بعد مخاض طويل ومد وجزر وتعثرات معلنة وغير معلنة .

وبغض النظر عن تفاصيل الإتفاق ، والفهم الخاص لكل من طرفيه للعديد من تفاصيله ،هل يمكن أن يكون هذا الاتفاق وفق النوايا الأمريكية المضمرة قابلاً للتنفيذ ،هل له أن يعمّر وأن يحقق الغايات المفترضة منه ( لا غايات وفهم الأمريكان ومن يليهم له ) وهل الاتفاق حتى مع ظاهر تنفيذه ، سيوقف الإرهاب ويحقق حلاً سياسياً في صالح الدولة الوطنية السورية ؟

بل هل الحل السياسي ( الدولي) يمكن أن يتحقق في معزل عن الواقع على الأرض، أذكر أن شخصية عربية مهمة قالت خلال ساعات من فرار رياض حجاب ، أن الحل السياسي بات خلفنا ، بمعنى أنه لم  تعد هناك إمكانية لحل سياسي، ظناً منها أن الأمور قد حُسمت في سورية لصالح الثورة المضادة. وكانت هيلاري كلينتون قد دعت هي الأخرى في آب 2012 ، من أسمتهم بالمعارضين بعدم محاورة أو التفاوض مع دولتهم، وأردفت معللة ذلك بالقول (إنهم مدربون ومسلحون وممولون جيداً) مراهنة بذلك على حل عسكري يودي بالدولة الوطنية السورية، حيث كان الأمريكان يعتقدون انهم كسبوا الحرب أو هم على وشك كسبها.

الأن بعد 65 شهراً وأيام، وقد خاب فأل الأمريكان ومعهم ( الحلفاء والأتباع والعملاء ) توصلوا إلى قناعة مفادها استحالة كسب الحرب ضد الدولة الوطنية السورية وعلى غيرها من البلدان التي استهدفها الخريف الأمريكي، بالأسلوب ذاته، فأعادوا النظر في سيناريوهات الحرب، معتمدين في سورية الخداع، بزعم أنهم يريدون محاربة الإرهاب، وتحقيق حل سياسي مع ما يتضمنه الحل من اختلافات جوهرية، لمفهوم الإرهاب وجماعاته، فبالمفهوم الامريكي هناك إرهاب متطرف وآخر معتدل، والمطلوب أمريكيا مدّ المعتدل بأسباب الإستدامة والقوة ، وتركيز الحرب على المتطرف لصالح (المعتدل) وليس لصالح الدولة الوطنية السورية.

( فالإرهاب المصنف أمريكيا متطرفاً كما المعتدل صناعة أمريكية، استنفد أغراضه كفاية بما ارتكب من حماقات ومجازر لم يعد ممكنا تغطيتها أو تبريرها ، ولم يعد ممكنا ضبطه ) لكن محاربته (  بعد لأي إن صدقوا ) ليس دعما للشعب العربي السوري ودولته الوطنية ، ولكن كما أسبقنا لصالح الإرهاب الآخر الأكثر انضباطا والتزاماً بالمخطط الأمريكي ، والذي يراهن عليه في إستدامة الحرب على سورية لسنوات أخرى وصولاً (إن استطاعوا جعلها دولة فاشلة ولن يستطيعوا ) .

في ضوء هذه المعاني (أقنع) الأمريكان؛ الروس، بالتوصل إلى اتفاق تحت مسمى محاربة الإرهاب والحل السياسي، واعتبارات إنسانية ، ليستطيعوا من خلاله مد الجماعات الإرهابية المحاصرة بالمؤن والسلاح، وإحلالها في المواقع التي تطرد منها داعش، بمواجهة الدولة الوطنية السورية والقوى المؤازرة ، وبهدف إستطالة أمد الحرب وتغيير المعادلة على الأرض لصالح التحالف الأمريكي الغربي الصهيوني الرجعي.

لكن هذه الأهداف الأمريكية لا تعني أن الروس مغفلون، أو قابلون بالمخطط الأمريكي، وإن كان ذلك سيتيح ابتداءً مكاسب محدودة لصالح الأمريكان، في الساعات الأولى للتنفيذ، وفي آن سيمنح الروس ومحور المقاومة فرصة التصرف بمواجهة إفتضاح أمريكا مجدداً وإصرارها على عرقلة الحل السياسي وتجذير الإرهاب، وسيقطع الذرائع التي تتشدق بالقول أن الروس ومحور المقاومة يعطلون الحل السياسي، فهؤلاء لا مصلحة لهم باستدامة الحرب وإستمرار آلة التدمير والقتل، بل تتجلى مصالحهم في إجتثاث الإرهاب واستعادة سورية عافيتها وإعادة بناء ما دمره أعداء سورية والمنطقة ، وفي منع تمدد الإرهاب إلى دولهم.

لا أفق ولا مصلحة للتحالف الأمريكي في وقف الحرب الإرهابية على سورية او العراق أو اليمن أو ليبيا أو الصومال، بل له كل المصلحة في اشعالها في الجزائر ولبنان والأردن وفلسطين والسودان وتونس والمغرب وتونس، وحتى في بلدان صديقة لها وجزءاً من تمويل وتسليح وتدريب وتجنيد وتمرير الإرهابيين .. ودعمهم إعلاميا وسياسياً.

بهذا المعنى لا افق لتنفيذ أو نجاح الإتفاق الروسي الأمريكي، لأن للأمريكان ومن يليهم أهدافاً مبيتة ضد جوهره المعلن والظاهر، ولأن لا مصلحة حقيقية لهم في إحلال السلام في سورية وغيرها ، ولأنهم يريدون تشويه وجه روسيا إزاء حلفائها وإظهارها بمظهر المتخلي والمخادع والمخدوع، ولأن بعض تابعي واشنطن يتوفرون على قدر عال من السفاهة والغباء ، رغم أن كل المؤشرات تشي بأن مصلحتهم في التوقف عن اللعب بالنار والإنتحارات الطوعية، وأن واشنطن لن توفرهم.

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى