جريدة المجد الناصرية ومعجزة الاستمرار

منذ العدد الأول لانطلاقة هذه الصحيفة المكافحة التي صدرت في مثل هذا اليوم من عام 1994م ، وحتى هذا العدد الذي بين أيدينا الآن، والمجد تواصل عطاءها ورسالتها القومية الوحدوية التنويرية، وكشفها لحقائق ما يحدث في وطننا العربي الكبير، مستندة لفكر ورؤية الزعيم الجامع لأمته الداعي لوحدتها الجغرافية والسياسية جمال عبد الناصر .
ولأن الطريق للأهداف النبيلة وقيم الأمة العربية وثوابتها ليس طريقا مزروعا بالورود ومعطراً بالياسمين بل هو طريق المخاطر والصعوبات والآلام فقد عانت ”المجد” وما تزال تعاني حتى اليوم.
ولأن الموضوع والقضية أكبر من الأشخاص مهما كانت زعامتهم ومكانتهم فقد تبنت إمبراطوريات استعمارية لتقسيم الأمة وزرعت لقيط اسرائيل في جسد الامة منذ أواخر أربعينيات القرن الماضي ليكون رأس حربتها لنهب موارد الأمة وخيراتها، لذلك كانت حربهم على الكلمة الحرة في غاية القسوة، والهدف من ذلك أن يبقى شعبنا يئن تحت أسياط الجهل والتخلف وحدود سايكس بيكو التي تحرسها أنظمة ريموتية اختارت أن تكون وكيلا للاستعمار متآمرة على وطنها وأمتها، وكانت تجربة الزعيم جمال عبد الناصر الثورية هي بداية لمخاض طويل لهذه الأمة سنرى، ولو بعد حين، نهاية لذلك الظلام وطريقاً للأمل وعودة لوقائع وحقائق التاريخ وهو ما أكدت عليه جريدة المجد صوت الأمة منذ انطلاقها المبارك قبل 22 عاما .
لقد كانت الحرب قذرة والمؤامرات كبيرة على جمال عبد الناصر الذي فتح ولأول مرة منذ زوال الاحتلال العثماني نوافذ للنور في وسط هذا الظلام الدامس في تجربته الثورية التي لم تتجاوز عامها الــ18، ولكنها ورغم توقفها تركت من الآثار الطيبة بكل انتصاراتها وهزائمها ونجاحاتها وإخفاقاتها تراثاً لا ينكره إلا جاحد.
لقد تعددت المدارس التي رفعت شعار الناصرية منها احزاب اتجهت الى المتاجرة بها، واخرى، ومنها احزاب وصحف آمنت أن تجربة الزعيم جمال عبد الناصر هي ملك للتاريخ تصدقها الممارسات على أرض الواقع وليس مجرد شعارات من أبراج عاجية لا علاقة للكثير منها بعالم الواقع.
ومن بين هذه الجامعات الفكرية العظيمة كان ميلاد جريدة المجد الأردنية العروبية الناصرية التي نحتفل اليوم بعيدها الــ22، وهذه الصحيفة أو البيان السياسي المهم لم تصدر من فراغ وإنما جاءت ردا على حالة الانكسار والانهزام والتشويه والتزوير للتجربة الناصرية الرائدة، خاصة ان هذا التشويه لم يأت من فراغ، فقد بدأ مبكراً وبعد رحيل الرمز جمال عبد الناصر، وانقلاب 15 مايو/ أيار الذي جاء متزامنا مع ذكرى النكبة العربية الكبرى بفلسطين، ولم يكن ذلك من صنع الصدف، فقد وصل التشويه لذروته بعد حرب تشرين أكتوبر المغدورة وبدء ما أسموه زورا بمرحلة السلام الذي بدأت محطته الأولى بزيارة الخائن أنور السادات لفلسطين، وصولا لصفقات كامب ديفيد وملحقاتها في أوسلو التي كانت آخرها وادي عربة .
في هذه الظروف الصعبة ومع اشتداد الهجمة على ثوابت الأمة ولدت جريدة المجد التي تشرفت بحمل الراية الناصرية لتكون ردا على هذا الواقع وتصحيحا للتشويه الذي تعرضت له ذاكرة الأمة ، ومن المفارقات ان المجد ولدت كفكرة وحلم في رأس القطب الناصري الكبير فهد الريماوي ، فهي ليست مؤسسة حزبية أو حتى تياراً ولكنها صرخة عروبية صادقة وصل صداها لكثير من اقطار وطننا العربي، ولا سيما سوريا التاريخية المتضرر الأكبر من سايكس بيكو ونتائجها الكارثية ، وتحولت الفكرة والصرخة التي أطلقها الريماوي لكلمة مقروءة تركت أثراً كبيرا على الساحة العربية والأردنية بشكل خاص ، وللأسف أن القوة السياسية ولا سيما صاحبة الاتجاه القومي العروبي لم تؤازر وتدعم هذه الجريدة، ولم تختلف بذلك عن باقي القوى السياسية والنقابية، فاستمرت جريدة المجد الصرخة الناصرية التي أطلقها ”أبا المظفر” وساعده في ذلك كوكبة من خيرة فرسان الكلمة الصادقة استمروا بدعم المجد بآرائهم وأفكارهم المستنيرة ولكن منهم من تقاعد مبكراً بإرادته وله أعذاره وظروفه، ومنهم من اختار البعد عن وجع الرأس كما تعلل البعض ، ومنهم أيضا من استمر ولا يزال مع السنين حتى أصبحت ”المجد” وكأنها عائلة ناصرية كبيرها ”أبا المظفر” الذي استمر في قيادة مركب المجد وسط أمواج وانواء من الأحقاد والضغائن والحرب النفسية، فكيف استطاع هذا المركب المتواضع أن يتحدى الأمواج العاتية كل تلك السنين ولم يرهب ربانه السجن والمنع والمطاردة والدوام الطويل في المحاكم والمحاربة الاقتصادية غير المباشرة.
ان استمرار جريدة المجد في الصدور كان بحد ذاته معجزة وقصة نجاح وكفاح وإرادة إنسانية فولاذية تحكى وتروى لكل المتشدقين بظروف الواقع وحقائقه ، حيث أثبت استمرار صدور ”المجد” أن الإرادة الصادقة تصنع ما يسميه البعض مستحيلا، وأن تأثير الكلمة يفوق ما تفعله البندقية التي قد تقتل فردا أو جماعة ولكن الكلمة الحرة في صحيفة كالمجد تكون بداية لصحوة امة ونهوضها، وأن ـتأثير الكلمة لا يختلف عن تأثير من يقاومون في خنادق الصمود والمواجهة .
لذلك كانت جريدة المجد الناصرية – ونأمل ان تبقى- صوت المقاومة العربية الحرة في فلسطين، قضيتنا الأولى والعراق ،ليبيا وسوريا وكل قضايا الأمة، وكان لها الفضل حيث استطاعت مع قلة من الصحافة العربية الجادة أن تعري المتشدقين بالثورات المشبوهة والمدعومة من وراء الحدود في سوريا وليبيا وغيرهما، وقد اثبت صوت المجد في مطلع الأزمات التي أسموها ربيعا عربيا- وهو إعرابي مشبوه وكأنه يأتي من خارج السياق في تلك المرحلة- أنه صوت العقل في عصر الجنون، وصوت الحكمة في ظل التهور، وصوت جمال عبد الناصر القومي في عصر الارجوزات المذهبية الطائفية والإقليمية من أشباه الرجال.
نبارك لأنفسنا ولجريدتنا المجد الغراء وقرائها في وطننا العربي الكبير ولفارسها ” أبا المظفر” وأسرة تحريرها بشكل خاص، وكتابها الذين أصبحوا مع الأيام وتعاقب السنين أسرتنا الكبيرة الذين نعرفهم بكتاباتهم الشيقة ومنهم مع حفظ الألقاب إسماعيل أبو البندورة، وإنصاف قلعجي، وأكرم عبيد، وعبد اللطيف مهنا، ونوال عباسي، وزياد عودة، وساطع الزغول وتحليلاته التي تأتي دائما على الوجع، ومحمد شريف الجيوسي، وغيرهم من الأقلام النظيفة.
ان استمرار المجد ووجودها طيلة الــ22 عاما هو بحد ذاته معجزة وقصة كفاح ونجاح ودليل على أن شعبنا العربي تواق للإعلام الجاد والفكر القومي المفقود.. فكل عام والمجد وأسرتها وكتابها وقراؤها والأمة كلها بألف خير.
دمتم ودامت المجد راية ناصرية شامخة وخفاقة في آفاق العروبة !!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى