جَدَلُ الْمُدَافِعِينَ عَنِ الرَّدِ الإيرَانيِّ والْمُعَادِينَ لَهُ

بقلم: توفيق المديني

لا تزال المواقف الشعبية و الدولية العربية والأجنبية متباينة ، بشأن الرَّدِّ الإيراني على الكيان الصهيوني ، إذْ تمَّ إطلاق نحو 350 صاروخاً وطائرة مسيرة من إيران على “إسرائيل”، تم اعتراض معظمها،على خلفية تعرض القسم القنصلي في السفارة الإيرانية بدمشق مطلع نيسان/ أبريل الجاري لعدوان صهيوني ، أسفر عن استشهاد سبعة من جنرالات و مستشاري الحرس الثوري الإيراني.
المدافعون عن الرَّدٍّ الإيراني
يتبنى معظم المدافعين عن الرَّدِ الإيراني استراتيجية المقاومة المسلحة في مواجهة الاحتلال الصهيوني وغطرسة وفاشية حكومته بزعامة نتنياهو ،فَهُمْ المؤمنون بقضية تحرير فلسطين من النهر إلى البحر، وكافة الأراضي العربية الأخرى المحتلة، ويعتقدون جازمين أنَّ مواجهة المشروع الإمبريالي الأمريكي و المشروع الصهيوني،تقتضي من الدول الإقليمية والعربية التي تدعم محور المقاومة أن تبلور بدورها مشروعًا إقليميًا سياسيًا وعسكريًا واقتصادياً وثقافيًا وحضاريًا متصادمًا مع النظام العالمي الليبرالي الأمريكي المتوحش أحادي القطبية وربيبته “إسرائيل”.
يعتقد المدافعون عن الرَّدِ الإيراني أنَّ إيران كسرت الخطوط الحمراء التي كانت مرسومة بينها وبين الكيان الصهيوني ،عبر هجوم إيران بأكثر من 300 صاروخ ومسيرة موجهة ضد دولة الكيان الصهيوني،يوم 13 نيسان/ أبريل الجاري ، الذي كان جريئا أكثر من المتوقع، رغم كونه لم يؤد لمقتل أحد والقليل من الضرر لا يقلل من أهميته،وإن كانت “إسرائيل” تعترف بأنها تكبدت خسائر بنحو مليار دولار.
فهذه هي المرة الأولى التي تضرب فيها إيران دولة “إسرائيل”مباشرة،وهو ما “يؤْذن بأنَّ الصراع الإستراتيجي بين الطرفين بدأ يخرج من نطاق الحرب الخفية غير المباشرة إلى الحرب الصريحة المباشرة” كما ذهب إلى ذلك الكاتب محمد المختار الشنقيطي، الذي يرى بأنَّ ” أي ضربة إيرانية للكيان الصهيوني ـ مهما كانت رمزية ـ مفيدة لأهل غزة، وفيها تخفيف عنهم من أعباء حرب الإبادة الجماعية التي التي تشنها “إسرائيل عليهم” مؤكدا أنَّ “يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 ويوم 13 أبريل/نيسان 2024 سيدخلان التاريخ باعتبارهما يومين فقدتْ فيهما الدولة الصهيونية جزءًا مهمًا من ردعها، لا بسبب حجم الخسائر الإسرائيلية فيهما، بل بسبب هزِّ ثقة الصهاينة بأنفسهم،.. وإحساس شعبهم ـ الملفَّق من أشتات الآفاق ـ بعدم الأمان والاطمئنان في الصميم”
بصرف النظر عن النتائج ، فالحرب الحالية التي اندلعت منذ عملية طوفان الأقصى يوم 7أكتوبر 2023، هي الحرب الأولى التي يخوض فيها الكيان الصهيوني حربًا متعددة الجبهات ضد سبعة كيانات ودول، بما فيها غزة. وهي الحرب الأولى التي تطلق فيها الصواريخ على الكيان الصهيوني من بلدان فصائل محور المقاومة بما فيها غزة وجنوب لبنان والعراق واليمن، وأخيرُا إيران.
هكذا يأتي الرَّد الإيراني في سياق خوض إيران المجابهة مع الكيان الصهيوني و الإمبريالية الأمريكية من مبدأ إبراز أوراق القوة ووسائل الردع المتوفرة لديها لثني الولايات المتحدة عن مخططها الهادف إلى تدمير إيران عبر الحصار الاقتصادي الخانق المفروض عليها وإركاعها، حتى دون عمليات عسكرية واسعة، تتجنبها الولايات المتحدة حتى الأن، حيث لا تملك إيران رفاهية الأنتظار ومشاهدة هذه الاستراتيجية الأمريكية المدمّرة لها مع الوقت.
إيران تهاجم لأول مرَّةِ الكيان الصهيوني بالطائرات المسيرة و الصواريخ،وترى ضرورة إبراز عامل الردع و الثأرلضحايا العدوان الصهيوني على مقر القنصلية في دمشق والتي أودت بحياة ألمع قيادات الحرس الثوري الإيراني ، فهاجمت الكيان الصهيوني بِنِيَّةِ إِلْحَاقِ أضرارٍ جسيمةٍ به، والإضرار بالأمن الشخصي للصهاينة، الذين هرعوا بمئات اللآلاف للإختباء في الملاجىء، بمن فيهم رئيس الحكومة الصهيونية بنيامين نتنياهو وقياداته العسكرية والأمنية.وكان وراء الهجوم الإيراني هدفان وهما إرضاء المتشدِّدين داخل النظام الإيراني،وردع الكيان الصهيوني عن القيام بغارات في المستقبل.
إنَّها الحرب النفسية التي تعرف إيران كيف تديرها في زمن التوترات الإقليمية والدولية الكبيرة،وفي زمنٍ أصبح فيه إقليم الشرق الأوسط خاضعًا لحرب الإبادة الجماعية التي تقودها كل من أمريكا و “إسرائيل” ضد الشعب الفلسطينيى في قطاع غزة. فالقوات البرية الصهيونية تواجه مقاومة فلسطينية عنيدة،لا تبدي أي إمارات استسلام أو اندحار، وذلك على الرغم من حجم الدمار الهائل والمعاناة الشديدة للناس.ومن الواضح أن المزاج في أوساط مقاتلي حماس ازداد تصلباً. فهم يرون أنهم نجوا من الأسوأ، ولم يبق لديهم ما يخسرونه.
في ظل صلابة المقاومة الفلسطينية بقيادة حماس، جاء الرَّد الإيراني في زمن فقد فيه الإيرانيون إحساسهم بالخوف،فدخلت إيران في الحرب ضد الكيان الصهيوني،في العلن. لقد تحطم الآن الردع الصهيوني الذي جعل إيران تبتلع كبرياءها من جديد في كل مرَّة وعدم مهاجمة “إسرائيل” مباشرة.كما كشف الرَّد الإيراني عن فشل الكيان الصهيوني وأمريكا في ردع إيران عن القيام بالهجوم، على الرغم من انخفاض قوة الردع الإيرانية.
يُعَدُّ الرَّد الإيراني رسالةً واضحةً موجهةً للولايات المتحدة وللكيان الصهيوني وللمنطقة العربية.
أرادت إيران التأسيس لسابقة مفادها :ولادة معادلة ردع إقليمية جديدة وضعت فيها قواعد اشتباك جديدة تضمن بها هيبتها ونفوذها في المنطقة، كقوة إقليمية داعمة للمقاومة وقادرة على تنفيذ عمليات عسكرية ذات طبيعة هجومية داخل الكيان الصهيوني ،وأنَّ بِإِمْكَانِهَا ضَرْبِهِ مباشرةً،من دون توسيع رقعة الحرب إقليميًا تحصينًا لمصالحها الاستراتيجية العليا… أرادت إيران أن تُخْبِرَ الكيان الصهيوني والولايات المتحدة أنَّها أصبحتْ قوةً إقليميةً ونوويةً في إقليم الشرق الأوسط، وأنَّها موجودةٌ لتبقى، وأنَّها هي من يتحكم بمضيق هرمز. وأرادتْ إخبار كل واحد من الأنظمة العربية المتحالفة مع الكيان الصهيوني أنَّ الشَيْءَ يمكن أن يحصل لها.
أخيرًا: كشف الرَّد الإيراني ضعف الكيان الصهيوني ، إلى الدرجة التي بدا فيها غير قادرٍ وحده في الدفاع عن نفسه، بل إنَّ الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والأردن ، قاموا بالتصدي للصواريخ و المسيرات التي هاجمت “إسرائيل”،التي انكشف عجزها اليوم، في اختيار كيفية الرَّد على الهجمات الإيرانية، في ظل ورطتها في غزَّة، وعدم تحقيقها أي إنجاز في مقابل مقاومة فلسطينية قوية وتزداد تصلبًا.
نقد الدور الأردني في صدِّ الهجوم الإيراني
هناك الأردن الدولة/ الحاجز التي وقعت اتفاقية وادي عربة للسلام مع الكيان الصهيوني، منذ عام 1994، هذه الدولة تركت لطائرات سلاح الجو الصهيوني ومعدات إلكترونية متطورة بنصب كمين للطائرات بدون طيار الإيرانية في سماء الأردن ،وفي الوقت نفسه خرجت طائرات أردنية من قواعدها لإطلاق النار على الطائرات بدون طيار الإيرانية التي شقتْ طريقها إلى فلسطين المحتلة.وقد أوضح  الأردن حتى قبل الهجوم الإيراني ،ومرور الطائرات الإيرانية في أجواء الأردن، أنَّه لن يسمح للإيرانيين بالعمل في الأراضي الأردنية كما يفعلون في العراق وسوريا ولبنان.
ينتقد المدافعون عن الرَّد الإيراني سياسة الأردن ،لأنَّه سمح بدخول الطائرات الإسرائيلية والأمريكية لصدِّ الهجوم الإيراني، وسمح للطائرات الصهيونية بحرِّية العمل الكاملة في سمائه، فهاجمت الطائرات الإيرانية بدون طيار، كما أعلن الأردن إغلاق مجاله الجوي، وأغلق مطار عمان، بالضبط خلال الساعات التي تمَّ فيها تعليق الرحلات الجوية في الكيان الصهيوني، ولم يكنْ مُفَاجِأً موقف سلاح الجو الأردني الواضحِ الْمُصْطَفِ مع الكيان الصهيوني والإمبريالية الأمريكية والإمبريالية الأوروبية (فرنسا، بريطانيا)، الذين أعدُّوا حزامَ رصدٍ مسبقٍ لمئات الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة وصواريخ كروز التي أطلقتها إيران، ما جعل منظومة الدفاع الجوي الصهيوني -ا لأمريكي- البريطاني – الفرنسي تَتَمَكَّنُ من تركيز جهودها على اعتراضها المسيرات والصواريخ قبل وصولها إلى المواقع العسكرية الصهيونية في فلسطين المحتلة.
فمن خلال هذا التقاسم الوظيفي بين الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا و الكيان الصهيوني، والنظام الأردني والنظام السعودي، والنظام الإماراتي استطاع هذا المعسكر أن يحقق حلم الكيان الصهيوني الاستراتيجي بهندسة الدفاع الإقليمي الشرق أوسطي في مواجهة إيران. وقد تعلل الأردن في تبريره للتصدي للمسيرات الإيرانية ، أنَّه يرفض تعريض سلامة مواطنيه والمناطق السكنية و المأهولة للخطر، وهو يدافع عن سيادة أراضيه،
المعادون للرَّد الإيراني :مدافعون عن الكيان الصهيوني
يرى المعادون للرَّدِ الإيراني ،أنَّه رغم هذا التصعيد الخطير في إقليم الشرق الأوسط ،وبلوغ التوتر إلى حدّ المواجهة العسكرية المباشرة بين الولايات المتحدة وإيران، فلا يعني هذا حتمية اندلاع الحرب الإقليمية .ففي واشنطن لا توجد أجواء حرب واسعة ضد إيران أو غزو برّي، على الرغم أنَّ الولايات المتحدة تجد نفسها للمرَّة الخامسة في ثلاثة عقودٍ أنَّ ركيزة رئيسية من ركائز السياسة الخارجية تنهار في يديها.قرار الإطاحة بالطالبان في أفغانستان 2001، وغزو العراق2003، والإطاحة بمعمر القذافي في ليبيا2011، ومحاولة الإطاحة بالرئيس بشار الأسد (2011-2021)– جميع هذه الكوارث في السياسة الخارجية تتوجها الآن كارثة خامسة، ألا وهي حرب الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، منذ 7أكتوبر 2023و لغاية الآن.
فلا مناخ مشابه لما سبق حرب الخليج 2003، بعد الكابوس الأمريكي من درس العراق وأفغانستان، وبعد هزيمة المخطط الأمريكي –الصهيونيى –التركي-الخليجي في سوريا، حيث الخسائر البشرية الكبيرة والتكلفة الباهظة بتريليونات الدولارات.
رغم أنَّ الولايات المتحدة الأمريكية تمتلك كل البنية التحتية العسكرية من قواعد عسكرية، وبوارج حربية، وصواريخ كروز، ودبابات في منطقة الخليج العربي،فإنّها لن تغامر بشنِّ حربٍ واسعةِ النطاقِ على إيران، ويُرَجَّحُ حين يَتِمُّ تجاوز الخطوط الحمربين إيران و الكيان الصهيوني،أنْ تُوَجِّهَ أمريكا ضربةً محدودة ًانتقاميةً مدروسةً لمواقع إيرانيةٍ حساسةٍ تقضي على مواقع إطلاق صواريخ بالستية متوسطة وبعيدة المدى (أو ضربة استعراضية لمواقع غير حساسة إذا قرر بايدن عدم التصعيد) ودون أضرارٍ كبيرةٍ، مع استمرار استراتيجية الضغط الأمريكي على إيران وإضعافها تدريجياً. وقد تأتي الضربة خارج إيران تجنباً لاستفزازٍ كبيرٍ لإيران (والساحة السورية هي أنسب مكان كونها مفتوحة لكل من يريد ضرب خصومه وأعدائه!) حفظاً لماء الوجه داخلياً وخارجياً بالنسبة للإدارة الأمريكية، ودعماً للكيان الصهيوني الذي لا يتوقف عن توجيه الضربات على مواقع داخل سوريا.
ورغم جميع محاولات الكيان الصهيوني الضغط على واشنطن في ظل إدارة بايدن الحالية لجَرِّهَا إلى حربٍ إقليميةٍ ضدَّ إيران، فإنّ أمريكا تخشى من تداعيات الحرب في حال اندلاعها، لا سيما أنّ إيران تمتلك قوة عسكرية وصاروخية هائلة قادرة أن تطال كل القواعد العسكرية الأمريكية في المنطقة،فضلاً عن أنّ إيران قادرة على تحريك كافة أوراقها في المنطقة من مبدأ “عليّ وعلى أعدائي”. فقد أخبر الرئيس الأمريكي جو بايدن، رئيس الحكومة الصهيونية الفاشية ، بنيامين نتنياهو، أنَّ الولايات المتحدة لن تدعم أي ضربة مباشرة ضد إيران. ويخشى بايدن من توسع الحرب الانتقامية والقصف، واندلاع حرب إقليمية حاول منعها في تشرين الأول/ أكتوبر، وأرسل قادة أوروبا نفس الرسالة إلى نتنياهو.
فإيران تساند فصائل مسلحة في العراق وسورية وأفغانستان، حيث تتمركز قوات أمريكية أيضًا، وكذلك في لبنان واليمن الواقعين قرب الكيان الصهيوني والسعودية، أوثق حليفين لواشنطن في المنطقة. ولدى الجماعات المسلحة مواقع قريبة للغاية من مناطق تمركز القوات الأمريكية ولديها قدرات هائلة في مجال الصواريخ والطائرات المسيرة.وأقوى تلك الجماعات، التي دربتها طهران وجهزتها ومولتها، هي عصائب أهل الحق وكتائب حزب الله وحركة حزب الله النجباء ومنظمة بدرفي العراق، و الحوثيين في اليمن.
وتقول الولايات المتحدة إنَّ إيران وراء مقتل ما لا يقل عن 603 من أفراد القوات المسلحة الأمريكية منذ 2003.ولا يزال نحو 5200 جندي أمريكي في العراق، ويتمركزون في أربع قواعد رئيسية وكذلك في مطار بغداد ومقر التحالف في المنطقة الخضراء.
الخاتمــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة:
لا يمتلك الرئيس الأمريكي جو بايدن استراتيجية تجاه إيران ،ولا أحد في إدارته يؤمن بأنَّ هذه الاستراتيجية موجودةٌ.ولعل الاستراتيجية الوحيدة التي يمكن التحدث عنها هي إبعاد ملف التحدي الإيراني عن مكتبه. فمن وجهة نظر المعادين لإيران، اقتربت هذه الأخيرة من الحصول على القنبلة النووية، وهي تساند بقوة فصائل محور المقاومة خارج حدودها، وكشفت الهجمات المباشرة ضد “إسرائيل” عن تطور برنامج الصواريخ الباليستية لديها وأصبح قويًا.
فقد قضى الرئيس بايدن الفترة الأولى من رئاسته في محاولة لإحياء المعاهدة النووية التي خرج منها دونالد ترامب عام 2018، وفشل. ولدى إيران مخزونها من اليورانيوم بحجم 122 كيلو وبنقاوة 60 في المئة، وتستطيع إنتاج ثلاث قنابل نووية لو قامت بتخصيب مزيد من اليورانيوم للمستوى المطلوب لإنتاج القنبلة. واتسم الإيرانيون بالحذر ووصلوا “عتبة القنبلة النووية” ولكنهم ابتعدوا عن تجاوزها خشية عقوبات عسكرية متعددة أو ضربة عسكرية.
وفي معظم الوقت كان الهدف الأول لبايدن ومساعديه ليس حل المعضلة الإيرانية ، بل إبعاد الملف الإيراني عن مكتب الرئيس، وحسب قول مسؤول أمريكي،فإنَّ : “الاستراتيجية تجاه إيران هي ترك الأمور تغلي على نار هادئة، سواء كانت نووية، أو إقليمية أو أي شيء آخر. وكان هذا هو النهج ولبعض الوقت”. وهناك خلاف بين المستشارين في واشنطن بشأن تعريف الاستراتيجية، حيث استخدمها بعضهم بشكل عام. وعادة ما يتذمر البعض من الحديث عن الوثائق التي تنسب لصناع السياسة باعتبارها استراتيجية وهي ليست استراتيجية في الواقع.ويظل هذا الحديث مجرد فشل في التصدي لتحديات السياسة الخارجية. وفي النهاية فإن لم يكن الهدف حل المشكلة فلا توجد هناك استراتيجية.
وعندما يتحدث صناع السياسة الأمريكية عن “احتواء” و”خفض التوتر” و”ردع” و”إدارة مخاطر” لوصف نهج بايدن من إيران، فإنَّهم يتحدثون عن تكتيكات لا استراتيجيات. ويبدو أن َّالرئيس بايدن لديه اعتقاد كذلك.
تبدو استراتيجية أمريكا في جلب إيران،من موقع العجز واليأس،إلى طاولة المفاوضات،فاشلة، لأنّ إيران مستعدة لمفاوضات من موقع القوة، لامن الضعف، خصوصًا بعد أن راكمت عوامل قوة ونفوذ وردع خلال العقود الماضية في المنطقة، جعلها قوة إقليمية حقيقية.فعند نقطة ما بين حرب باهظة التكلفة وتغيير النظام الإيراني غير المرجح يكمن احتمال ثالث، والذي يتطلب استكشاف بايدن للدبلوماسية.
لقد جابهت الولايات المتحدة ومعها الكيان الصهيوني الهجوم الإيراني من خلال تفعيل خط دفاعي من الرادارات والمقاتلات النفاثة والسفن الحربية وبطاريات الدفاع الجوي من الكيان الصهيوني وأمريكا وستة دول أوروبية وعربية.وكان هذا العرض الهائل للدفاع الجماعي تتويجًا لهدف أمريكي دام عقودًا،وهو ضمان إقامة الكيان الصهيوني علاقات عسكرية أوثق مع الدول العربية المطبعة معه، التي هبَّتْ لمساعدة “إسرائيل” رغم استمرار حرب الإبادة الجماعية على غزة.
بعد سنوات من البدايات الخاطئة والحد الأدنى من التقدم، نقل البنتاغون “إسرائيل” من قيادته الأوروبية إلى القيادة المركزية، التي تشمل بقية دول الشرق الأوسط، وهي خطوة مكّنت من تحقيق تحالف إقليمي بين الكيان الصهيوني والدول العربية الموالية للغرب و المعادية لإيران ،بوصفه تتويجًا لسنواتٍ من الجهود الأمريكية لكسر الحواجز السياسية والفنية التي أحبطت التعاون العسكري بين الكيان الصهيوني والحكومات العربية. وبدلاً من نسخة شرق أوسطية من حلف الناتو، ركزت الولايات المتحدة على التعاون الأقل رسمية في مجال الدفاع الجوي على مستوى المنطقة للتصدي لترسانة طهران المتنامية من الطائرات المسيرة والصواريخ، وهي الأسلحة نفسها التي هدَّدَتْ الكيان الصهيوني مؤخرًا.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى