التطبيع العربي مع دمشق يشكّل تهديداً لاستراتيجية الولايات المتحدة في سوريا، ومؤشراً على تراجع نفوذها بالمنطقة

 

سلط موقع “جيوبوليتيكال فيوتشرز” الضوء على ما وصفه بـ “مأزق واشنطن في سوريا”، بعد اجتماع وزراء خارجية سوريا والسعودية ومصر والأردن في الأردن، الأسبوع الماضي، لمناقشة سبل التطبيع مع الحكومة السورية قبل قمة جامعة الدول العربية التي طال انتظارها في 19 مايو/أيار الجاري.

وأورد موقع المركز تحليلا للباحثة، كارولين دي روز ذكر أن الاجتماع المفاجئ تضمن مناقشة مكافحة الإرهاب، والوصول إلى المساعدات الإنسانية وأمن الحدود، مع عدد قليل من الاتفاقات حول اللاجئين وسياسة مكافحة المخدرات.

وكان الاجتماع علامة واضحة على أن اللاعبين الإقليميين جادون في التطبيع مع سوريا، ولم يكن من قبيل المصادفة إعادة قبول سوريا في جامعة الدول العربية بعد أيام فقط.

وهنا تشير كارولين إلى أن العديد من الجهات الفاعلة في الشرق الأوسط ترى أن الضغط على زر إعادة الضبط مع سوريا يمثل مبادرة مرحب بها، ويمكن أن تقلب صفحة الحرب الأهلية التي استمرت 12 عامًا في البلاد.

لكن بالنسبة للولايات المتحدة، يمكن أن تكون المبادرات للتطبيع مع نظام بشار الأسد نهاية حملة عزله التي استمرت لسنوات وتهديدًا لاستراتيجياتها الأوسع ضد إيران.

حماية المصالح

وأجبر اندلاع الحرب الأهلية في سوريا الولايات المتحدة على الدفع باتجاه طرق للحفاظ على مصالحها في المنطقة، خاصة بحلول عام 2018، أي بعد 7 سنوات من الحرب، إذ بدأت تظهر صورة أوضح للمشهد السوري، بعد ظهور تنظيم الدولة وتهديد الميليشيات العرقية والدينية بتفكيك البلاد.

لكن الدعم العسكري الروسي (وخاصة القوة الجوية) والحرس الثوري الإيراني منح نظام بشار الأسد اليد العليا، إذ تسيطر حكومته الآن على حوالي 70% من الأراضي السورية.

واعترفت الولايات المتحدة وشركاؤها بهذا الواقع، لذا أطلقوا استراتيجية لعزل حكومة الأسد، وفرض تجميد الأصول عليها، إضافة إلى حظر سفر ممثليها، وغيرها من الإجراءات العقابية على المسؤولين الحكوميين.

واستُكمل ذلك بوجود عسكري أمريكي مستمر، وإن كان صغيرًا، في الشمال الشرقي الغني بالنفط، حيث تم نشر القوات مع القوات الكردية لمواجهة نشاط تنظيم الدولة.

وترى كارولين أن وجود القوات الأمريكية كان له فائدة إضافية تتمثل في التحوط ضد تقدم الجيش السوري، حيث سعى إلى تعزيز السيطرة الإقليمية على هذه المنطقة المربحة للغاية، مشيرة إلى أن واشنطن كانت “تلعب اللعبة طويلة المدى” ببساطة.

وبذلك يمكن للأسد استعادة كل الأراضي التي يريدها، لكن الإجراءات الاقتصادية ستقيد سلوكه في نهاية المطاف، حسب المنظور الأمريكي.

استراتيجية إقليمية

لكن هذه الحملة كانت مجرد جزء واحد من استراتيجية أكبر لمواجهة إيران في بلاد الشام، إذ تستخدم إيران، المحاطة بجبال زاجروس، الجماعات الشيعية، التي تعمل بالوكالة، لتنفيذ ما تريده، ما يخلق قوسًا من النفوذ يمتد على طول الطريق إلى البحر الأبيض المتوسط.

وهنا تلفت كارولين إلى أن تقويض السلطة في أماكن مثل العراق ولبنان واليمن وسوريا يمنح إيران ميزة تنافسية ضد المنافسين الإقليميين مثل السعودية وإسرائيل، وبذلك تتحدى بشكل مباشر المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط.

وكان وجود إيران في سوريا أحد أكبر التحديات التي تواجه جهود الولايات المتحدة لتقويض نفوذها، فهو لا يمنح طهران حق الوصول إلى البحر الأبيض المتوسط فحسب، بل يمنح إيران أيضًا قربًا من إسرائيل ومرتفعات الجولان.

ومكّن الوجود العسكري الأمريكي في شمال شرق سوريا واشنطن من مراقبة النشاط الإيراني وتعاون الحرس الثوري الإيراني مع سوريا والقوات الروسية والرد على هجمات الميليشيات الموالية لإيران.

وفي غضون ذلك، فتح الزلزال الهائل الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا في وقت سابق من هذا العام الباب أمام جهود التطبيع.

وبين عشية وضحاها تقريبًا، أرسلت دول الخليج، مثل السعودية والإمارات، مساعدات إنسانية مباشرة عبر المناطق والمنظمات التي تسيطر عليها الدولة السورية.

تطبيع رغم الضغوط

وبعد سنوات من عدم التواصل، تحدث مسؤولون رفيعو المستوى ورجال دولة من الأردن ومصر إلى المسؤولين في دمشق للتعبير عن تعازيهم ومناقشة التنسيق المحتمل. وخرج الأسد نفسه من مخبئه ليشرع في جولة إقليمية.

وليس من قبيل المصادفة أنه بينما جربت الدول التطبيع مع المسؤولين في دمشق، فعلت الولايات المتحدة العكس، ووضعت إجراءات جديدة لمعاقبة مسؤولي النظام، حسبما ترى كارولين، مشيرة إلى أن “الضرورات الجيوسياسية للمنطقة فاقت الضغط الذي تمارسه واشنطن وغذت الزخم لمزيد من التطبيع”.

واختتمت كارولين تحليلها بأن الولايات المتحدة ليست مستعدة بأي حال من الأحوال لإجراء تعديلات في العلاقة مع سوريا، لكنها تدرك دفع الشرق الأوسط الحتمي تقريبًا نحو التقارب مع نظام الأسد، لذا فمن المرجح أن تغير المسار في مرحلة ما، ما يشجع شركاءها في الشرق الأوسط على جني كل ما في وسعهم من محادثات التطبيع للحفاظ على مصالحهم السياسية والأمنية في سوريا، ومنها منع التوسع الإيراني، ومنع ظهور تنظيم الدولة مجددا، وتقليل فرصة نشوب صراع إقليمي واسع النطاق.

المصدر – جيوبوليتيكال فيوتشرز

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى