الذبح عاقبه وخيم.. دولة داعش الارهابية تلفظ آخر انفاسها النجسة

لم يتبق في النهاية من “دولة الخلافة” التي أعلنها تنظيم داعش الارهابي سوى قرية صغيرة في شرق سوريا، مليئة بالخيام الغارقة في الذعر بين غارات القنابل الأمريكية، وحصار ما تبقى من مقاتلي التنظيم في مساحة صغيرة للغاية.

وروى شهود تفاصيل الأيام الأخيرة في آخر معقل للتنظيم في سوريا، حيث عاثت الفوضى، وفرت العائلات، واضطر المقاتلون إلى ادخار الطعام، بينما وجه بعض المقاتلين أسلحتهم على بعضهم البعض، بحسب ما ذكره تقرير لصحيفة “واشنطن بوست”، نشرته، أمس الاول الإثنين.

ذعر وجوع

وحالياً يحاصر التحالف الدولي وحلفائه من قوات “سوريا الديمقراطية” المربع الأخير من مناطق “تنظيم الدولة”، ويستعدون لشن الهجوم الأخير على قرية “باغوز” الواقعة على الضفة الشرقية لنهر الفرات، عند الحدود السورية مع العراق.

ووصف أُناس تمكنوا من الفرار، محاولات يائسة للنجاة في الأيام الأخيرة لـ”دولة الخلافة”، وقالت “واشنطن بوست” إنها أجرت 12 مقابلة مع خارجين من مناطق التنظيم، عند نقطة تفتيش نُصبت خارج قرية “باغوز”، وعند مخيم الحول للنازحين.

وروى الذين فروا نهاية “الخلافة المزعومة” بتفاصيل دقيقة ومروعة غالباً، حيث بدت زوجات وأطفال مقاتلي التنظيم مرتبكين ومتعبين، وبالنسبة للنساء الإيزيديات وعائلاتهن، فقد كانوا في حالة من الصدمة، وقالت إحداهن إنها “خرجت من الجحيم”.

ووصف الخارجون كيف أنهم تراجعوا في الأسابيع الأخيرة من المدينة إلى البلدة، ومن ثم إلى القرى الريفية، مع استمرار القنابل بالسقوط، وتقلص مساحات سيطرة “تنظيم الدولة”، وفي النهاية وصلوا إلى قرى السوسة، والشعفة، قرب “باغوز”، فيما قالت عدة نساء إنهن لم يعدن يفرغن حقائبهن.

وقالت امرأة من مدينة حلب، والتي قدمت اسمها على أنه أم محمد: “كنا نتنقل مراراً وتكراراً”.

ونضبت المواد الأساسية في جيب “تنظيم الدولة” المُحاصر، كما حلّقت الأسعار، واعتاش المواطنون على ما تبقى من طعام، مضيفين الأعشاب لدعم مواد أخرى حينما تكون متوفرة، واضطروا إلى طهي الأعشاب وحدها حينما لم تتوافر لديهم غيرها.

بالموازاة مع ذلك، تهز الغارات الجوية الأرض، مع إعلان الجيش الأمريكي عن استهداف 179 غارة جوية في سوريا لمقاتلي التنظيم، خلال فترة الأسبوعين الأخيرين والتي انتهت في التاسع من شباط.

ونقلت الصحيفة الأمريكية عن أحد السكان قوله، إن إطلاق النيران كان يستمر من الفجر وحتى الغسق، وأصاب ذلك الناس بذعر شديد، منعهم من إسعاف الجرحى، لذا توفي العديد منهم في العراء وبقيت جثثهم هناك لأيام عدة.

ترك للسلاح

وقال صداح، الفتى الإيزيدي البالغ من العمر 15 عاماً، والذي اختطف من قبل التنظيم عام 2014: “كان القادة ينسحبون أكثر ويقولون لنا أن نبقى حيث كنا وأن نستمر بإطلاق النار”، وأُجبر صداح من قبل التنظيم للوقوف والدفاع عن “باغوز”.

وأضاف: “كان بعضهم يصاب بالذعر. بإمكانك سماعهم وهم يقولون إن الأمر قد انتهى. ولكن كان هنالك رجال آخرون يصيحون بينهم قائلين (هذا للأبد، للأبد)”.

وهذه الهزيمة للتنظيم، جاءت بعدما سيطرة على مساحات في سوريا والعراق، غطت منطقة بحجم بريطانيا، وقاد التنظيم أبو بكر البغدادي المتواري عن الأنظار حالياً، وعُرف التنظيم بوحشية أفعاله، من الذبح إلى استعباد الآلاف من الإيزيديين، فضلاً عن الإبادة الجماعية التي نفذها التنظيم، كما وصفتها الأمم المتحدة.

وحتى الأسبوع الفائت، كان هنالك مسار مُغبر واحد، يقود خارج مناطق “تنظيم داعش”، وخاض فيه مئات المقاتلين والمدنيين تجاه قوات “سوريا الديمقراطية” المدعومة من قبل الجيش الأمريكي والتي يمثل المقاتلون الأكراد جزءاً أساسياً فيها، ومن ثم تم إرسال الخارجين بعيداً، إما لمخيمات اللجوء أو إلى السجون.

وبينما ينهار التنظيم، اعتبر أشد مقاتليه الفرار كـ”خيانة”. ولكن مع اقتراب المعركة النهائية، اختار الباقون النجاة، تاركين أسلحتهم ومتسللين بين المدنيين، أو مستخدمين وسطاء للاستسلام.

واختفت المواد الغذائية بالنسبة للعائلات التي لا تملك صلات لتأمينها، وفي نقطة تفتيش لقوات “سوريا الديمقراطية”، بدا على العديد من الأطفال الرضع علامات سوء التغذية.

وقالت امرأة من ترينيدات (دولة في جنوب البحر الكاريبي) سافرت إلى سوريا مع زوجها عام 2014، إن صديقة لها جاعت لدرجة أنها دخلت إلى منزل مهجور بحثاً عن الطعام، ولكن مقاتلين من التنظيم كانوا قد زرعوا الألغام في المنطقة، في محاولة لمنع المدنيين من الرحيل، وداست على لغم حينما دخلت المنزل، فنزفت حتى الموت على العشب.

واستأثر مقاتلو التنظيم بالطعام بعيداً عن المدنيين، بحسب ما قالته السيدة أم محمد، وأضافت: “كانوا يأخذونه، ويدخرونه، كانوا فاسدين لم يهتموا بشأن المدنيين. أرادوا فقط الاستمرار بمعركتهم”.

دروع بشرية

وقالت “واشنطن بوست” إن مجموعة من المقاتلين المشتبه بهم، الذين سلموا أنفسهم لقوات “سوريا الديمقراطية”، بدوا بصحة جيدة مقارنة مع السكان الآخرين الذين تركوا “باغوز”.

ومع تقلص منطقة التنظيم إلى “باغوز”، تزاحم العشرات في غرف البيوت المتبقية في القرية، أو تم أخذ البيوت من قبل المقاتلين كمواقع دفاعية، وحينما قرر التنظيم أن المباني قد امتلأت، حان وقت الخيم.

قالت ابتسام طه، البالغة من العمر 16 عاماً من مدينة الفلوجة العراقية، إنها وأخوتها أقاموا خيمتهم تحت جنح الظلام، بعد أن أمر المقاتلون العائلات القيام بذلك، وأضافت: “قالوا إنه لم يعد هنالك متسع في البيوت”، وأشارت الفتاة إلى أن عائلتها قضت أربعة ليالٍ والقنابل تقصف قربهم، “كانت فقط تسقط وتسقط. لم تكن تهدأ”. حسبما قالت.

واتهمت قوات “سوريا الديمقراطية” مقاتلي التنظيم باستخدام المدنيين كدروع بشرية، في محاولة أخيرة لعرقلة الهجوم.

وفي هذا السياق، قال إيزيديان وامرأة سورية شهدوا  على قتال مباشر بين مقاتلي التنظيم الأسبوع الفائت، إن المقاتلين على الجبهات الأمامية يصابون بالذعر، وتحدثوا عن أنه في إحدى المرات، رفع مقاتل تونسي مسدسه على مقاتل سوري وأطلق عليه النار من مسافة قريبة. وفي حادثة أخرى، اندلع قتال بين مقاتلين عراقيين، مع صراخ عدة منهم بأن قائدهم سيء بعمله.

“ننتظر وحسب”

مع اقتراب النهاية، قال الفارون من “باغوز”، ومقاتلو قوات “سوريا الديمقراطية”، إن المهربين كانوا يجنون أرباحاً كبيرة، حيث دارت الشائعات بإن عدة آلاف من الدولارات يمكن أن توصل المرء إلى العراق أو إلى منطقة سيطرة النظام، ودفعت العائلات مئات عن كل شخص للمرور من القناصين والوصول إلى طريق الاستسلام، ومن لم يكن لديهم المال انتظروا عوضاً عن ذلك لتوقف القصف.

“وأخيراً خرجنا”، قالت لينا محمد محمود، البالغة 17 عاماً من مدينة الرقة التي كانت من قبل عاصمة للتنظيم في سوريا، واستغرقت الرحلة عدة ساعات في الليل، ولكنهم ساروا وساروا، إلى أن رأوا نقطة استقبال قوات “سوريا الديمقراطية” مع شروق الشمس.

حينما تمت مقابلتها في مخيم الحول للنازحين، بعد ثلاثة أيام على مغادرتها لمعقل التنظيم، كانت المراهقة تقوم بالاعتناء بأطفالها الأربعة الذين كلهم تحت سن الخامسة، وكلهم إما يسعلون أو يبكون.

وقالت: “لا أعلم ما الذي علي فعله الآن، قالوا لنا إن الخلافة تنتهي على الأرض، ولكنهم قالوا لنا إنها ستستمر بطريقة ما. والآن، كلنا ننتظر وحسب”.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى