قراءة في كتاب ( موت الغرب ) للمؤلف الأمريكي باتريك جيه بوكانان

الكاتب ، سياسى ومفكر أمريكى معروف عمل مستشارا لثلاثة رؤساء أمريكيين ، وهو كاتب لعمود صحفى دائم فى عدد من الصحف الأمريكية ومؤسس لثلاثة من أشهر برامج التلفزيون في أكبر قناتين أمريكيتين ( N B C ) و ( C N N ) .
لديه العديد من المؤلفات منها :
– يوم الحساب
– حالة طارئة
– عندما يصير الصواب خطيئة
– الخيانة العظمى
و أشهر كتابين له هما :
– محق منذ البداية
– جمهورية لا إمبراطورية
وقد كانا من أكثر الكتب مبيعاً في الولايات المتّحدة .
والكتاب الذي نحن بصدده ( موت الغرب ) هو كتاب يحتاج المهتمون بالسياسة والثقافة في العالم ، إلى الإطلاع عليه وقراءته .
و هو يبشر بموت وإنتهاء الغرب .. و ينبه إلى أن الموت الذي يلوح فى أفق الغرب هو فى الواقع موتان :
○ موت أخلاقى بسبب السقوط الأخلاقى الذى ألغى كل القيم التربوية والأسرية والأخلاقية التقليدية .
○ و موت ديموغرافى وبيولوجي ( النقص السكانى بالموت الطبيعى ) .
ويظهر ذلك بوضوح في العائلة و فى السجلات الحكومية التي تشير إلى إضمحلال القوى البشرية فى الغرب ، وفي إصابة ما تبقى منها بشيخوخة لا شفاء منها ، إلا بإستقدام المزيد من المهاجرين الشبان ، أو بالقيام بثورة حضارية مضادة تعيد القيم الدينية والأخلاقية إلى مكانتها التى كانت من قبل .
ويقول الكاتب أن الموت المقبل مريع ومخيف ، لأنه وباء و مرض من صنع أيدينا ومن صناعة أفكارنا ، وليس بسبب خارجى ، مما يجعل هذا الموت أسوأ بكثير من الوباء الأسود الذى قتل ثلث سكان أوروبا في القرن الرابع عشر .
فالوباء الجديد لا يقتل إلا الشباب ، مما يحول الغرب عموما وأوربا بشكل خاص إلى “قارة للعجائز” !!
والقصة ليست مجرد تخمينات أو توقعات أو احتمالات ، إنما هى حقيقة واقعة سوف تصدم القراء بشدة وضوحها ، خاصة عندما تبدأ الأرقام بالحديث !!
فوفقا للإحصاءات الحديثة , هبط (معدل الخصوبة) عند المرأة الأوروبية إلى ( 1 طفل ) لكل إمراة ، علما أن الحاجة تدعو إلى معدل ( 2 طفل ) كحد أدنى ، لتعويض وفيات السكان الموجودين الآن ، دون الحديث عن زيادة عددهم .
و إذا بقيت معدلات الخصوبة الحالية على ما هي عليه , فإن سكان أوربا البالغ عددهم ( 728 ) مليون نسمة بحسب إحصاء عام 2000م ، سيتقلصون إلى( 207 ) ملايين فى نهاية هذا القرن ، إلى أقل من الثلث .
وفى المقابل , ففي الوقت الذي تموت فيه أور با لنقص المواليد , يشهد العالم الثالت : الهند – الصين – دول أمريكا اللاتينية ، إضافة إلى الدول العربية والدول الاسلامية ، إنفجارا سكانيا لم يسبق له مثيل ، بمعدل ( 80 ) مليونا كل عام .
ومع حلول عام ( 2050م ) , سيبلغ مجمل نموهم السكاني ( 4 ) مليارات إضافية من البشر) .
وهكذا , يصبح كابوس الغرب حقيقة ، وتصبح أوربا بكل بساطة ، ملكا لهؤﻻء ، بعد وقت ليس بالبعيد !
و يقول المؤلف أن الأرقام تصبح مخيفة أكثر ، عند تناولها لتشخيص مرض النقص السكانى على مستوى الدول والأمم ، بعد 50 عاما من الآن .
ففى ( ألمانيا ) ، ( سيهبط التعداد السكانى من ( 82 ) مليونا إلى ( 59 ) مليون نسمة ، وسيشكل عدد المسنين ممن تجاوزوا الـ ( 65 ) عاما أكثر من ثلث السكان .
أما ( إيطاليا ) ، فستشهد تقلص عدد سكانها البالغ ( 57 ) مليونا إلى ( 41 ) مليونا ، وستصبح نسبة المسنين ( 40 % ) من التعداد العام للسكان .
وفي ( إسبانيا ) ، ستكون نسبة الهبوط ( 25 ) % .
وستشهد ( روسيا ) تناقص قواها البشرية من ( 147 ) مليونا إلى ( 114 )؛مليون نسمة .
ولا تتخلف ( اليابان ) كثيرا في اللحاق بمسيرة الموت السكانى .. فقد هبط معدل المواليد فى اليابان إلى النصف مقارنة بعام ( 1950 ) .. وينتظر اليابانيون تناقص أعدادهم من ( 127 ) مليون نسمة إلى ( 104 ) ملايين عام 2050م .
أرقام مخيفة لكن السؤال المحير : لماذا توقفت أمم أوربا وشعوبها عن إنجاب الأطفال وبدأت تتقبل فكرة اختفائها عن هذه الأرض بمثل هذه اللامبالاة ؟!
يقول المؤلف : إن الجواب يكمن في النتائج المميتة لهذه الثقافة الجديدة في الغرب ، و في الموت الأخلاقى الذي جرته هذه الثقافة على الغربيين ، و هو الذى صنع موتهم البيولوجى .
فإنهيار القيمة الأساسية الأولى فى المجتمع ( وهي الأسرة ) وإنحسار الأعراف الأخلاقية و الدينية التي كانت في ما مضى ، تشكل سدا فى وجه منع الحمل والإجهاض والعلاقات الجنسية خارج إطار المؤسسة الزوجية ، إضافة إلى تبرير لا بل تشجيع العلاقات الشاذة المنحرفة بين أبناء الجنس الواحد ..
كل هذا دمر ، بشكل تدريجى ، الخلية المركزية للمجتمع وأساس إستمراره ، ألا و هى الأسرة .
وتبدو لغة الأرقام هنا أكثر هولا .. فقد ارتفع الرقم السنوي لعمليات الإجهاض في ( الولايات المتحدة الأمريكية ) من ( 6000 ) ستة آلاف حالة سنويا عام ( 1966 ) إلى ( 600 ألف ) عام ( 1976 ) بعد أن سمح بالإجهاض..
و اعتبرت عملية قتل الأجنة حقا للمرأة يحميه الدستور .
وبعد عشر سنوات , وصل الرقم إلى ( مليون ونصف مليون ) حالة إجهاض فى العام الواحد .
أما نسبة الأطفال غير الشرعيين ، فهى تبلغ اليوم( 25 % ) من العدد الإجمالى للأطفال الأمريكيين ، ويعيش ثلث أطفال أمريكا في منازل دون أحد الأبوين ( إما بدون الأب وهو الغالب وإما بدون الأم ) .
والمؤشر الخطير الآخر :
لقد بلغ عدد حالات الانتحار بين المراهقين الأمريكيين ، ثلاثة أضعاف ما كانت عليه عام 1960 .
أما عدد مدمنى المخدرات ( المدمنين وليس المتعاطين ) بلغ أكثر من ( 6 ) ستة ملايين شخص فى الولايات المتحدة وحدها .
وقد تناقص كثيرا أعداد الشبان والشابات الراغبين في الزواج .
ومن الطبيعى لمجتمع :
▪ يسمح بالحرية الجنسية الكاملة ..
▪ ويتيح المساكنة بين الرجل والمرأة دون أى رابط شرعى أو قانونى فى بيت واحد ..
▪ وخوف الرجل من قانون الأحوال الشخصية الظالم ، حين تأخذ الزوجة نصف ثروته في حالة الطلاق ..
▪ وإضطرار المرأة للقبول بالمساكنة بدون زواج بسبب حاجتها إلى رجل يقف معها ويحميها ، ناهيك عن الحاجة البيولوجية ، أن يصل لهكذا نهاية .
أما قضية الشذوذ الجنسى وقانون الزواج بين أبناء الجنس الواحد ، فحدث ولا حرج ، حيث بلغت حدا لم يكن ممكنا تخيله في السابق .
وكانت ( هيلارى كلنتون ) المتعجرفة أول سيدة أولى فى البيت الأبيض تمشي فى تظاهرة لـ ( مثليين ) لإبداء تعاطفها مع قضيتهم ومطالبهم المشروعة !
وأخيرا ، يخلص المؤلف إلى لقول إن هذه هى إحصاءات مجتمع منحط ، وحضارة تحتضر وتموت ، وأن بلدا مثل هذا ، لا يمكن أن يكون حرا ..
فلا وجود للحرية بدون فضيلة ، ولا وجود للفضيلة بغياب الإيمان .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى