طوال١٠سنوات.. جاسوسة روسية تنشط في قلب السفارة الأميركية بموسكو

في قلب الصراع بين الدول العظمى وتحديدا بين روسيا والولايات المتحدة الأميركية، اتهمت واشنطن مرة أخرى موسكو بتوظيف عملائها من الجواسيس لتهديد الأمن القومي الأميركي في سفارتها بموسكو.

ومع تصاعد حرب الجوسسة بين الطرفين يبدو الصراع بينهما قد ابتعد عن منطق استخدام الأسلحة الكلاسيكية أو التهديد بالصواريخ النووية ليحل محله تنافس من نوع آخر، يعتمد بالدرجة الأولى على الجوسسة التي لا تقتصر على توظيف أشخاص بل أيضا على البرمجيات أو ما يعرف بالذكاء الاصطناعي، سواء كانت تستخدم لمهاجمة أنظمة الكمبيوتر أو أهداف في العالم الحقيقي.

ولإتقان هذه الحرب، سعت كل من روسيا والولايات المتحدة إلى تطوير وبناء أسلحة تقوم على العنصر البشري أو على التكنولوجيا المتقدمة باستخدام البرمجيات والنظم الإلكترونية، كالطائرات من دون طيار والمركبات ذاتية القيادة والأمن الإلكتروني وكلها تصبّ في مصطلح الجوسسة.

بعد الجدل الذي رافق توقيف السلطات الأميركية للعميلة الروسية ماريا بوتينا في واشنطن والمتهمة بالجوسسة لفائدة الحكومة الروسية وبتهديد الأمن القومي الأميركي، كشفت صحيفة الغارديان البريطانية مؤخرا عن وجود امرأة يشتبه أنها جاسوسة روسية، عملت داخل السفارة الأميركية في موسكو على مدى أكثر من عقد.

وحسب الصحيفة، فان هيئة “الخدمة السرية” في الولايات المتحدة تعاقدت مع العميلة المزعومة وكانت تتوفر لديها إمكانية الوصول إلى برمجيات الهيئة مما سمح لها بالاطلاع على وثائق سرية للغاية بما في ذلك جداول مواعيد الرئيس الأميركي ونائبه.

وأثير الاشتباه حول المرأة للمرة الأولى عام 2016 خلال حملة أمنية قام بها اثنان من محقّقي وزارة الخارجية اللذين وجدا أنها تلتقي بشكل منتظم مع أعضاء من وكالة الأمن الرئيسية في روسية (أف.إس.بي).

تستر أميركي

حملة أمنية أجرتها وزارة الخارجية الأميركية في عام 2016 كشفت عن وجود جاسوسة تعمل لفائدة الحكومة الروسية بسفارتها في موسكو وهو ما استوجب طردها وتسريح 1750 موظفا بالسفارة.

لم تقم هيئة الخدمة السرية بإجراء تحقيق مكثف، وتم فصل المرأة في وقت لاحق قبل أن يتم استبعاد 750 موظفا أميركيا من بين 1200 فرد في موسكو في تموز 2017.

وقال مصدر استخباراتي لصحيفة الغارديان “تحاول الاستخبارات إخفاء ذلك الخرق بفصلها”.

وأضاف “لقد حدث الضرر بالفعل لكن الإدارة العليا للخدمة السرية لم تجر أي تحقيق داخلي لتقييم الضرر أو للتحقق مما إذا كانت العميلة قامت بتجنيد أي موظفين آخرين لتزويدها بمزيد من المعلومات”.

وتابع “فقط تحقيق مكثف من مصدر خارجي يمكن أن يحدد الضرر الذي سببته”.

وعندما سألتها الغارديان، لم تنكر هيئة الخدمة السرية أن المرأة قد تم تصنيفها على أنها عميلة روسية محتملة.

ورغم أن الإدارة الأميركية تشتبه في العميلة المحتلمة منذ عام 2016، إلاّ أنّها كشفت عن قصتها بشكل أعمق ووجهت لها اتهامات بالجوسسة لصالح الحكومة الروسية، تزامنا مع اتهام رئيس الاستخبارات الوطنية الأميركية دان كوتس موسكو بمحاولة التدخّل في انتخابات الكونغرس النصفية المقرّر إجراؤها في نوفمبر المقبل.

وأكّد كوتس نهاية الأسبوع في مؤتمر صحافي بالبيت الأبيض مع كبار مسؤولي أجهزة الأمن الأميركية أن وكالات الاستخبارات تعمل على حماية الانتخابات من الجوسسة الروسية أو من هجمات إلكترونية محتملة.

وفي تفاصيل أخرى عن العميلة الروسية المحتملة بسفارة الولايات المتحدة الأميركية بموسكو، نقلت شبكة “سي.إن.إن” عن مسؤول في الإدارة قوله إنّ المرأة تم توظيفها من قبل الجهاز السري “سيكرت سيرفس” (وكالة مسؤولة عن مهمَّات الحماية والتحقيقات على الأراضي الأميركية وفي الخارج) من دون أن تُثير الشكوك حتى عام 2016.

وأكد نفس المصدر أن السلطات الأميركية اكتشفت أنّ المرأة أجرت محادثات منتظمة غير مصرَّح بها مع أجهزة الاستخبارات الروسيَّة خلال عمليّة تفتيش روتينية.

وقال مسؤول كبير في الإدارة الأميركية لـ”سي.إن.إن”، إن المرأة “لم يكن لديها إمكانيَّة الوصول إلى معلومات سرية للغاية”، قبل أن يستدرك ويقول “لكنها تمكنّت من تزويدهم بمعلومات أكثر مما ينبغي”.

يذكر أنه قد تمّت إقالة المرأة خلال الصيف الماضي، بعد أن سحبت وزارة الخارجية الأميركية تصريحها الأمني.

وفي سياق متصل بفضائح الجوسسة الروسية على الولايات المتحدة الأميركية، كانت شركة فيسبوك أعلنت الأسبوع الماضي أنها أغلقت أكثر من 50 صفحة وحساباً وهمياً متورطة في ما يبدو أنه محاولة “منسقة” للتأثير على الرأي العام، في قضايا سياسية، قبل انتخابات منتصف الولاية، التي ستجري في الولايات المتحدة في نوفمبر، إلا أنها لم تتمكن من تحديد المصدر.

علاقات متوترة بين موسكو وواشنطن

قالت الشركة إنها لم تتمكن من ربط تلك الحسابات على أكبر شبكة تواصل اجتماعي في العالم، وموقعها لتبادل الصور “إنستغرام”، وبين جهات روسية ويقول مسؤولون أميركيون إنها استخدمت الموقع لنشر معلومات كاذبة قبل انتخابات الرئاسة الأميركية 2016.

إلا أن الشركة قالت إن “بعض النشاطات تتشابه” مع نشاطات وكالة أبحاث الإنترنت الروسية، التي مقرّها سانت بطرسبرغ، والتي أدارت العديد من حسابات فيسبوك الكاذبة، التي استخدمت للتأثير على التصويت في 2016.

وكان المحقق الأميركي روبرت مولر المسؤول عن التحقيقات في التدخّل الروسي في الانتخابات الأميركية، كشف قبل أسابيع قليلة، عن دور لروسيا في هذه الانتخابات.

ورغم التقارب غير المسبوق بين إدارتي موسكو وواشنطن عقب قمة هلسنكي بين الرئيسين بوتين وترامب، إلا أن العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا متوتّرة للغاية، خاصة منذ حملة الانتخابات الرئاسية في عام 2016، واتّهام المخابرات الأميركية لموسكو بالتدخّل فيها.

وبدأت قضية العميلة الروسية منذ عام 2016، حين كان محققو جهاز الخدمة السرية يجرون عملية تدقيق أمنية روتينية لموظفي السفارة وضعت السيدة الروسية في موضع الاشتباه، إذ رُصد إجراؤها لقاءات دورية مع ممثلي وكالة أمنية روسية.

وما يثير اهتمام الأميركيين أنه رغم اكتشاف الفضيحة، وفقا للمصدر أنه لم يسع الجهاز الاستخباراتي إلى إجراء تحقيق أو طرد الموظفة فورا، بل طردها بصمت بعد عدة أشهر مع تسريح 750 موظفا في السفارة الأميركية غطاءً لذلك.

يشار إلى أن جهاز الخدمة السرية، هو هيكل تابع لوزارة الأمن الداخلي في الولايات المتحدة، ويتولى مهام عدة منها تأمين حماية الرئيس الأميركي وحماية مصالح البلاد في الخارج، وله أكثر من 150 مكتبا حول العالم.

وتكتسي قصة الجاسوسة الروسية المحتملة أهمية، بسبب موقعها في السفارة الذي أتاح لها الاطلاع على معلومات حساسة للغاية مثل متابعة شبكة إنترنت (شبكة اتصال مصغرة تقتصر على أعضاء مجموعة ما، مثل الخارجية الأميركية)، والاطلاع على جدول أعمال الرئيس الأميركي ونائبه، إضافة إلى البريد الإلكتروني الخاص بوزارة الخارجية.

هنا، كشفت الغارديان في إطار عرضها لمعلومات مفصّلة عن الجاسوسة الروسية أنها علمت باسم الجاسوسة ووظيفتها، لكنها لم تنشرها، مؤكدة أنها حاولت مرارا الاتصال بها لكن دون جدوى.

ورغم فداحة الأمر، إلا أن إدارة جهاز الخدمة السرية لم تجر تحقيقا بشأن الأضرار التي ألحقها وجود الجاسوسة المفترضة بمصالح الولايات المتحدة، طبقا لما نقلت الصحيفة البريطانية عن المصدر الاستخباري.

وردّت وزارة الخارجية الأميركية بأنها لا تعلق على “الادعاءات المتعلقة بشؤون الاستخبارات والموظفين”، مؤكدة أنها لا تملك معلومات مؤكّدة بشأن تورّط العميلة الروسية في الحادث المزعوم.

وعلى عكس تصريحات الخارجية الأميركية أكّد جهاز الخدمة السري، أن الموظفين الأجانب العاملين في السفارات الأميركية قد يتعرضون لمحاولات تجنيد من قبل الاستخبارات الأجنبية.

وشدّد على أنه لضمان تقليل الخسائر المحتملة بشأن ذلك، فإن مهمة هؤلاء تقتصر على الترجمة التحريرية والشفوية والتوجيه الثقافي والاتصال والدعم الإداري، إلا أن ذلك لا يبدو أنه حدث في واقعة الجاسوسة الروسية.

ويعتبر مراقبون أميركيون أنه من المتوقع أن يخلق الأمر أضرارا بسمعة الوكالة الأمنية الأميركية، إذ يشكّل اختراقا كبيرا في مكان تعد مسؤولة عن حمايته.

وما زاد في تصاعد الجدل بشان هذه القضية الجديدة هو رد وزارة الخارجية الأميركية لوكالة الأنباء الفرنسية، حيث رفضت التعليق على المسألة مكتفية بالقول إنها أحاطت علما بالمعلومات ونظرت إليها عن كثب.

وبحسب الغارديان فإن مكتب الأمن الإقليمي التابع لوزارة الخارجية كان أطلق إنذارًا في يناير 2017، وأعلم ما لا يقل عن تسعة من كبار من مسؤولي الخدمة السرية.

وأكدت أنه في الوقت الذي كان فيه مكتب التحقيقات الفيدرالي ووكالة المخابرات المركزية يجريان تحقيقات منفصلة في القضية، فشلت الخدمة السرية في قيادة هذه الجهود ولم تطلق تحقيقًا واسع النطاق من تلقاء نفسها.

وتطرح أسئلة حاليا عن أسباب توظيف المرأة، وهي مواطنة روسية، من قبل الخدمة السرية في المقام الأول وأي نوع من عمليات التدقيق تم إجراؤه.

وبحسب المصدر الاستخباراتي فإن أنشطتها في سرقة المعلومات ومشاركتها يمكن أن تلقي المزيد من الضوء على الطريقة التي تمكّن بها الروس من اختراق مكتب الانتخابات الرئاسية لعام 2016 في اللجنة الوطنية الديمقراطية.

كل هذه الاتّهامات الأميركية بتوظيف موسكو لعميلة روسية في قلب السفارة الأميركية، ردّت عليها المتحدثة الرسمية باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا قائلة موسكو استقبلت بكل أسف تصريحات وزارة الخارجية الأميركية حول التأثير الروسي على مزاج الأميركيين من خلال شبكات التواصل الاجتماعي أو باستعمال جواسيس يدخل في خانة هستيريا تدخّل موسكو المزعوم في الانتخابات الأميركية، وهو ما يقوّض العلاقات الروسية الأميركية ويعرّض النظام السياسي الأميركي للسخرية.

وأضافت بأن الولايات المتحدة تتهم روسيا بالتدخّل في شؤونها وبزرع عملاء دون أن تقدّم أي دليل، قائلة “من جانبنا، نعتقد أنه من الأفضل دائما أن يتمسك الدبلوماسيون بالأخلاقيات الدبلوماسية ويدركون إلى ماذا ممكن أن تؤدي كلماتهم”.

في سياق متصّل اتضح وفق تقرير نشرته “سي.إن.إن” الأميركية أن السيدة المتهمة بالعمالة لفائدة الإدارة الروسية كانت موظفة من قبل وزارة الخارجية الروسية ولكن وفق الاتفاق تعمل مع جهاز الخدمة السرية في إطار عملها بالسفارة الأميركية في موسكو.

وأكدت أنه من الناحية العملية فإن وزارة الخارجية الروسية هي الهيكل الوحيد المخوّل بتوظيف موظفين من الخارج، فيما تقوم الوكالات الأميركية الأخرى بتشغيلهم فعليّا.

تواصل الاختراقات الروسية

كان مكتب الأمن الإقليمي السفارة الأميركية في موسكو كما يقول المصدر أبلغ بالشبهات وتم الاستغناء عن خدمات العميلة المحتملة في الصيف الماضي بعد أن ”تم القبض عليها في الجرم المشهود”.

وأكد مسؤول أميركي للشبكة الإعلامية الأميركية أن الروس تلاعبوا بالسيدة لكشف شأنها، قائلا “كنا نرى العميلة ولذلك سعينا إلى إعطائها معلومات محددة والتي شهدنا كيف كانت تنقلها إلى مدرائها”.

ورغم أن الجاسوسة المحتملة تستطيع الولوج إلى أنظمة السفارة إلا أن هذا وفق نفس المصدر لا يهدد الأمن القومي الأميركي”، إذ أن الجاسوسة المشتبهة لم تكن لديها إتاحة للدخول إلى الملفات عالية التشفير والسرية.

من جانبه أكد جهاز الخدمة السرية الأميركي المسؤول عن حماية الطواقم الدبلوماسية أن “العميلة لم تكن في أي وقت من الأوقات في موقع يسمح لها بالحصول على أسرار قومية أمنية”.

لكنه أوضح أن “الأمر يستعصي في روسيا، التي تعتبر الندّ المركزي للولايات المتحدة على الساحة الدولية”.

وكشف الجهاز أنه “كجزء من مهامهم وواجباتهم فإن مقدمي الخدمات الأجانب في موسكو، عليهم مساعدة ملحقينا في السفارة بالتداول والتواصل مع الحكومة الروسية، يشمل جهاز الأمن الفيدرالي الروسي (أف.أس.بي)، ووزارة الداخلية الروسية، ووزارة الخدمات الأمنية الروسية الفيدرالية لأجل دفع المصالح الخاصة بجهاز الخدمة السرية الأميركية”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى