عمل بنصيحة بيل جيتس.. لماذا حول ساويرس نصف ثروته إلى ذهب؟

نشرت بالأمس صحيفة «بلومبرج» الأمريكية خبرًا يفيد أن رجل الأعمال المصري الشهير نجيب ساويرس حول نصف ثروته إلى ذهب، وبرر ساويرس هذه الخطوة بأن سعر أونصة الذهب سوف تزداد إلى 1800 دولار مقابل سعرها الحالي 1300 دولار، وتابع ساويرس أن الشرق الأوسط ليس في حالة مستقرة، مشيرًا لاحتمالية توقع أزمة اقتصادية في المنطقة قريبًا؛ لذلك رأى أن يأخذ الطريق الآمن،  وأن يحافظ على قيمة ثروته بتحويل نصفها إلى ذهب.

ولكن هل هناك أزمة اقتصادية قادمة؟ هل الاتجاه للذهب فقط لأنه أفضل أداة للحفاظ على الثروة وقت الأزمات؟ هذه الأسئلة سوف نجيب عليها عزيزي القارئ في هذا التقرير.

بيل جيتس يتوقع أزمة عالمية قادمة

في آذار الماضي تحدث «بيل جيتس»، رجل الأعمال الشهير أثناء حوار على الإنترنت عن احتمالية حدوث أزمة اقتصادية عالمية قادمة كالتي حدثت في عام 2008، وقال جيتس: «إنه من الصعب الحديث عن أن أزمة اقتصادية عالمية قادمة، ولكنها حتمية». وكانت الأزمة الاقتصادية التي هزت العالم في 2008 قد بدأت في الولايات المتحدة الأمريكية، وكان من أهم ظواهرها انهيار بنك «ليمان براذرز»، الذي كان يملك أصولًا بقيمة 600 مليار دولار أمريكي؛ مما دفع آثار الأزمة الاقتصادية الأمريكية إلى الانتشار في الاقتصاد العالمي؛ حتى أفقدته 45% من قيمته، وظهرت ملامح تلك الأزمة بالتأكيد على اقتصاد دول الشرق الأوسط، ويشير الخبراء إلى أن الناتج المحلي لدول الشرق الأوسط في عام 2008 انخفض إلى 3.1%، بعد أن كان 6%.

قبل شهر واحد من تصريح بيل جيتس، نشرت صحيفة «فايننشال تايمز» تقريرًا عن الأزمة الاقتصادية المرتقبة، ويرجع التقرير حدوث الأزمة المرتقبة إلى عدة أسباب: أولها السياسة النقدية العالمية المحاصرة بالتضخم الاقتصادي الذي ينتج عن زيادة أسعار المنتجات؛ بسبب انخفاض قيمة العملات. وأيضًا فخ الديون ومعدلاتها المتزايدة، والتي كانت أحد أهم أسباب اندلاع الركود الاقتصادي الكبير في 2008.

ومن ناحية أخرى فإن المؤسسات المالية كالبنوك تعاني كثيرًا من سوء توزيع المصادر المالية. هذا إلى جانب أن تلك المؤسسات لا يوجد لديها آليات قوية للتعامل مع  المخاطر الاقتصادية. وخير مثال: ما حدث مع بنك «ليمان براذرز».

دائمًا ما يرتبط شراء الذهب بحدوث الأزمات الاقتصادية؛ فقد شهدت البنوك والمؤسسات المالية ظاهرة تحويل الكثير من رجال الأعمال ما يقرب من 30-40% من أموالهم إلى ذهب خوفًا من انخفاض القيمة النقدية للأموال السائلة التي يمتلكونها بسبب انخفاض سعر الدولار.

في عام 2016 عندما انتهى استفتاء خروج بريطانيا بـ«نعم»، هرع الكثير من البريطانيين نحو شراء الذهب بمعدلات غير مسبوقة، وحول الكثير منهم 40-50% إلى ذهب، بعد أن كانت النسبة المعتادة تتراوح بين 4-7% فقط، وقبل أن تنتهي عطلة نهاية أسبوع الاستفتاء، شهد سوق الذهب في بريطانيا مبيعات وصلت قيمتها إلى 4 مليون جنيه إسترليني، وهي سبعة أضعاف قيمة مبيعات الذهب المعتادة في بريطانيا، ولم تكن هذه المرة الأولى التي يتجه فيها البريطانيون لشراء هذه الكمية الكبيرة من الذهب، بل شهد سوق الذهب في بريطانيا ارتفاع مبيعات الذهب بشكل استثنائي أثناء الأزمة الاقتصادية العالمية عام 2008، والأزمة التي تعرض لها الاقتصاد الأوروبي بين 2012-2013.

وليس في بريطانيا وحسب؛ لأن كثيرًا من دول العالم تتجه إلى ادخار الذهب خشية من انخفاض القيمة النقدية لعملاتها في حالة حدوث أزمات اقتصادية، فعلى سبيل المثال: بسبب الكثير من حوادث التضخم الاقتصادي التي ضربت الاقتصاد الألماني، دائمًا  ما تعتمد ألمانيا على تدعيم مخزونها الاحتياطي من الذهب، فهي تمتلك ثاني أكبر احتياطي ذهب في العالم بـ3,373.6 طن بعد الولايات المتحدة الأمريكية، التي تحتل المركز الأول في احتياطي الذهب بـ8,133.5، وثقافة تحويل المدخرات إلى ذهب ليست فقط مرتبطة بالحكومة في ألمانيا، بل بالمواطنين أيضًا؛ فنجد أن المواطنين الألمان يشترون 100 طن ذهب سنويًا. وفي عام 2015 فقط اشترى المواطنون الألمان ذهبًا بقيمة 4.6 مليار دولار.

ومثل رجال الأعمال الناجحين، يملك نجيب ساويرس رؤية اقتصادية، ويمكنه توقع حدوث التغيرات الاقتصادية، خصوصُا التي ترتبط بالتغيرات السياسية، ونستدل على ذلك من خلال إنشاء ساويرس لبنك في بلجيكا العام الماضي؛ بعد أن حدثت أزمة بين ساويرس وبين طارق عامر محافظ البنك المركزي منذ عامين على خلاف عرقلة الأخير صفقة استحواذ نجيب ساويرس على بنك «سي آي كابيتال».

وأيضًا في عام 2015 عندما باع ساويرس شركة «موبينيل» لشركة «أورانج» في مقابل حصوله على نسبة في شركة أورانج العالمية؛ لتأتي الحكومة المصرية بعد ثلاثة أعوام لتطلق شبكة «we»، وتضع الكثير من العراقيل أمام الشركات الأخرى؛ حتى تنمو وتكبر الشركة الحكومية في محاولة فسرها البعض بالسيطرة على مجال شبكات الاتصالات في مصر.

منذ عام 2010 وحتى عام 2017 تحاول البنوك المركزية على مستوى العالم مضاعفة احتياطها من الذهب؛ وذلك لعدة أسباب: أولها تحقيق الـ«Diversification» أو ما يعرف في لغتنا العربية باسم (توظيف الأموال)، وهو إستراتيجية  لتقليل المخاطر تستخدمها البنوك المركزية حول العالم، وخلالها يتم تنويع المدخرات البنكية التي تُوظف في اتجاهات مختلفة، ففي حالة ضعف أحد المدخرات، تحافظ البقية على القيمة الاقتصادية للبنك. ولأنه دائمًا توجد علاقة  عكسية بين سعر الدولار وسعر الذهب؛ فكلما انخفض سعر الدولار، ازداد سعر الذهب، تعمل البنوك المركزية على زيادة الذهب بالتحديد؛ لتجنب خطر هبوط سعر الدولار الذي يتأثر دائمًا بالأحداث السياسية المتقلبة في العالم، وبالتحديد في الولايات المتحدة.

شراء الذهب أداة الصين وروسيا  لمحاربة الدولار

بعد أن نجحت الصين في إدراج عملتها «اليوان» ضمن  سلة العملات الرئيسة في صندوق النقد الدولي في كانون الأول عام 2015، اتبعت الصين حملة لمواجهة الدولار، وكانت أول بوادر هذه الحملة هو إعلان الصين إبرام صفقات الواردات من النفط بالذهب أو باليوان، وتستورد  الصين – المعروفة بالقوة الصناعية – ما يقرب من 75 مليون برميل نفط يوميًا، وتعد بذلك المستورد الأول للنفط في العالم. وهذه الخطوة  تأتي في صالح الكثير من الدول المصدرة للنفط، والتي وقعت عليها الولايات المتحدة عقوبات اقتصادية، مثل روسيا، وإيران؛ لأن إبرام الصين صفقاتها الآجلة من النفط سوف يقلل من قيمة الدولار، العملة العالمية الأولى في عملية بيع وشراء النفط.

وستأتي خسارة الدولار في صالح العملة الصينية «اليوان» التي سوف تزداد قيمتها بسبب استهلاك الصين الكبير من النفط. ومنذ عام 2008 تسعى الصين لزيادة مخزونها من الذهب الذي وصل إلى  1658 طن في عام 2017، لاسيما وهي أصبحت المنتج الأول 2016 للذهب في العالم، وبين عامي 2008-2016 ازداد احتياطي الذهب الصيني من 1.37% إلى 2.2%، أي زادت قيمة الذهب في الاحتياطي الصيني من حوالي 40 مليار إلى 70 مليار دولار أمريكي في ثماني سنوات فقط.

خلال عام 2017 وصلت قيمة شراء البنك المركزي الروسي للذهب نحو 38% من مجمل قيمة شراء البنوك المركزية للذهب في العالم كله، وترفع روسيا احتياطها من الذهب بمعدل 100 طن سنويًا منذ عام 2014، وذلك بعد أن فرضت الكثير من الدول، وخاصة الولايات المتحدة، عقوبات اقتصادية على روسيا؛ مما دفعها إلى العزوف عن شراء العملات الأجنبية، وبالتحديد الدولار، والاتجاه إلى شراء الذهب بدلًا عنه.

والآن عزيزي القارئ، هل تعتقد أن نجيب ساويرس يحمي نفسه من أزمة اقتصادية قادمة؟ أم يحصن نفسه من انتصار الصين المحتمل على الدولار؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى