واشنطن لا تهتم بمشاعر العرب والمسلمين

بعد مضي ما يقارب الثلاثة أشهر على إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب القدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إليها، ألحق قراره الأول بقرار تحدّ مهين آخر نصّ على الإسراع في نقل السفارة، وتعمّد أن  يتزامن النقل مع احتفالات اسرائيل بمرور سبعين عاما على تأسيسها، ضاربا بقراره هذا عرض الحائط رغبات قادة العرب والمسلمين بتأخير النقل، ومتحديّا مشاعر  1800 مليون مسلم يشكّلون 27 % من سكان الكرة الأرضية.

ترامب  يزداد غطرسة واستخفافا بنا كعرب ومسلمين، ويوجّه لنا الإهانة تلو الأخرى لأن ردود الفعل الرسميّة العربيّة والاسلاميّة على قراره بتهويد القدس كانت انهزاميّة مخزية، والشعوب العربيّة والاسلاميّة فشلت في الضغط على الإدارة الأمريكية لإلغاء القرار لأن حكوماتها إما منعتها من التظاهر والاحتجاج، أو سمحت لها أن تتظاهر تحت حراسة مشدّدة  للتضليل وامتصاص الغضب الشعبي.

الدول العربية التي نجحت في عقد مؤتمر ترامب في الرياض بحضور ممثلين عن 55 دولة عربية واسلامية، أخفقت في عقد قمّة عربية لحماية القدس من التهويد، ولم تجرؤ دولة عربيّة واحدة حتّى على الاحتجاج رسميّا على الموقف الأمريكي، واكتفت كالعادة بتصريحات الاستنكار والشجب الكاذبة لكسب الوقت والاستمرار في تخدير الشعوب وتضليلها وابقائها مغيّبة.

الدول العربية الأن تتكوّن من مجموعتين : مجموعة تدفع لأمريكا، ومجموعة تقبض منها وكلاهما تخدمان المصالح الأمريكية والصهيونية، ولا تهتمان بمصالح ومصير الشعوب العربية. الدول التي تدفع هي دول الخليج التي أنفقت مئات المليارات من الدولات ثمنا لأسلحة لا قيمة لها ولن تستخدم ضدّ اسرائيل، والدول التي تقبض هي تلك الدول المنبطحة للإرادة الأمريكيّة مقابل المساعدات الاقتصاديّة التي تتلقّاها من واشنطن ثمنا لخيانتها وتآمرها على القضيّة الفلسطينيّة والوطن العربي.

وإمعانا في إهانة أمّتنا فإن إدارة ترامب زادت دعمها العسكري ومساعداتها المالية لبعض الدول العربية التي لها علاقات علنيّة وسريّة مع اسرائيل وتحرس حدودها وتحميها من المقاومة والشعوب العربية، وخفّضت مساعداتها  للأمم المتحدة، ومنظمة غوث اللاجئين الفلسطينيين، وهدّدت بإلغاء المساعدات للسلطة الوطنية الفلسطينية كجزء من جهودها للضغط على الفلسطينيين وتصفية قضيّتهم.

أمريكا وإسرائيل  تشنّان حربا منسّقة ضدّ الفلسطينيين لإرغامهم على الاستسلام والقبول بحلّ سلمي يبقي الاحتلال الإسرائيلي كما هو، ويفتح أبواب العالمين العربي والاسلامي للتغلغل الإسرائيلي؛ هل سينجحان في تحقيق ذلك ؟ من الصعوبة بمكان الإجابة على هذا السؤال، لكن النجاح ممكن ما دامت الشعوب العربيّة مغيبّة وممنوعة من التصدي لإسرائيل، وما دامت الدول العربية خاضعة للهيمنة الأمريكية !

ردود الفعل الشعبيّة العربيّة والاسلاميّة الهزيلة على تهويد القدس شجّعت الإدارة الأمريكية على الإسراع بنقل السفارة؛ أمريكا تعلم أن الشعوب العربيّة مقيّدة ومحبطة ولا تستطيع الردّ على الغطرسة الأمريكية والدليل على ذلك هو ما قاله ترامب عندما اتّخذ قراره  الأوّل” الغضب العربي والاسلامي سيستمر لبضعة ايام ثم يتراجع ” وما قالته السيدة نكي هيلي ممثلة أمريكا في الأمم المتحدة ” إن الكونجرس صوّت بحماس على اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفارتنا إلى القدس ” وأضافت أن عددا من الوزراء ” كافحوا وهم خائفون أن تطبق السماء على الأرض إذا صدر إعلان من هذا النوع ( الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ) ” وتابعت ” السماء ما زالت كما هي.”

لا يحق لنا كعرب ومسلمين أن نلوم ترامب وإدارته على انتهاجهم هذه السياسة المعادية المهينة لنا؛ لقد أضعفنا أوطاننا ومزّقناها بأيدينا، واستسلمنا لإرادة أعدائنا، وقبلنا الذلّ والهوان، وفقدنا مصداقيتنا فاصبح العالم لا يحسب لنا حسابا، ولا يهتم بجعجعتنا في وسائل الإعلام لأنه يدرك أنها ” جعجعة بدون طحن ” الهدف منها تضليل الشعوب وتخديرها.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى