لتوفير الوقود وتجنب الازدحام ..انتشار واسع للدراجات الهوائية في مصر

باتت الدراجات الهوائية خيار الكثير من المصريين لمواجهة ارتفاع أجرة النقل والمواصلات عقب قرار الحكومة قبل أيام رفع أسعار المحروقات للمرة الثانية خلال ثمانية أشهر، إذ تزايدت معدلات الإقبال على “العَجَلات”، كما تسميها أغلبية المصريين.

ارتفاع الأسعار بعد قرار تعويم الجنيه في نوفمبر الماضي ترك أثره على أسعار الدراجات الهوائية هي الأخرى فارتفعت بحوالي الضعف.

قال طاهر مهران، صاحب توكيل إحدى “ماركات” الدراجات بالقاهرة، إنه تلقي طلبات جديدة لشراء دراجات هوائية بنسبة تزيد على الخمسين بالمئة عقب قرار الحكومة برفع سعر الوقود. ولفت إلى أن الكثير من تلك الطلبات جاء من أماكن خارج القاهرة، الأمر الذي يشير إلى أن الظاهرة ليست مقتصرة على العاصمة فقط.

وفصل الصيف، هو الموسم الأفضل لمبيعات الدراجات الهوائية مع حلول إجازات نهاية العام وسفر المصريين إلى شواطئ المحافظات الساحلية، إذ تعتبر الدراجة إحدى وسائل الترفيه في المصايف الشعبية التي تفتقر إلى وجود الألعاب المائية مرتفعة التكلفة.

وأضاف مهران لـ”العرب”، أن الطلبات الجديدة جاء معظمها من الشباب الذين باتوا يفضلون التحرك بالدراجات، ففضلا عن كونها رياضة غير مكلفة فإنها تساعد على التخلص من مشكلة الزحام والتكدس المروري في المترو، وتقليل تكلفة الانتقال بسيارات الأجرة التي باتت الرحلة التي لا تتجاوز ثلاثة كيلومترات تكبد المواطن أكثر من دولار كامل.

وانتشرت حملات على وسائل التواصل الاجتماعي لتشجيع الشباب على تقليد الغرب واستقلال الدراجات لتحسين جميع وظائف الجسم، وتقوية العضلات، والدورة الدموية، وتحسين حالة القلب، إلى جانب المساهمة في تخفيض الوزن في مجتمع يعاني نحو ثلثي سكانه من السمنة بحسب البيانات الرسمية.

أوضح مهران أن أسعار الدراجات زادت بنسب متفاوتة وفقا لنوع التصميم وبلد التصنيع، فكلما كانت الدراجة مهيأة للسباقات كلما كان سعرها أعلى، وأشار إلى أن معدل الزيادة لا يقل عن 100 بالمئة لمعظم الأنواع بسبب ارتفاع ضريبة القيمة المضافة وانخفاض سعر صرف الجنيه أمام الدولار.

تجار الدراجات يتوقعون ارتفاعا جديدا للأسعار بنسب تصل إلى 25 بالمئة، نظرا إلى أن لديهم مخزونا كبيرا من الدراجات حاليا، وسوف تتحرك الأسعار مجددا بمجرد نفاذه ووصول شحنات مستوردة جديدة.

محمد علي، صاحب ورشة صيانة دراجات، أكد أنه لمس زيادة كبيرة في معدلات الاستفسارات عن سعر الدراجات الهوائية، علاوة على إقبال بعض الأسر على تصليح دراجاتهم القديمة المركونة أو استبدالها بأخرى جديدة تمهيدا لاستخدامها.

ولا يوجد حاليا في مصر مصنع حكومي لإنتاج الدراجات بعد إغلاق شركة وسائل النقل الخفيف الحكومية التي كانت تنتج أنماطا من الدراجات الكلاسيكية المتينة، وقد تمت خصخصة هذه الشركة، فتحولت نحو تجميع الدراجات الهوائية والنارية، ومع ذلك مازال موجودا بالسوق البعض من منتجاتها القديمة التي يستخدمها بائعو أسطوانات الغاز وموزعو الألبان على المنازل.

وفقا للمهندس عاطف عبدالحميد، محافظ القاهرة، فإن البعض من المواطنين يقبلون بشدة على ركوب الدراجات منذ أن أطلق الرئيس عبدالفتاح السيسي مبادرة لركوب الدراجات، وترك العديد منهم بالفعل سياراتهم بسبب المبادرة وليس بسبب زيادة أسعار الوقود.

وكان السيسي ظهر ست مرات وهو يستقل دراجته الهوائية للتشجيع على ركوبها لتكون بديلة لوسائل المواصلات التقليدية، وشجع المواطنين على الذهاب إلى أعمالهم باستخدامها لتقليل ما تستورده مصر من الوقود.

وقال سمير الجوخ، صاحب شركة دراجات هوائية، إن الحكومة مسؤولة عن عدم انتشار ثقافة الدراجات بمصر بسبب قرار وزارة التجارة والصناعة بإلزام المصانع المصدّرة لمصر بالتسجيل في سجل يتبع الهيئة العامة للرقابة على الصادرات والواردات، الأمر الذي يصعب تطبيقه حيث لم تسجل أي من الشركات الصينية المصدرة للدراجات اسمها إلى الآن.

ووقّعت محافظة القاهرة بروتوكول تعاون لتفعيل المبادرة مع برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية، بهدف تحسين الخدمات المقدمة لراكبي الدراجات، كما أعلنت إغلاق شارعين بوسط القاهرة وتحويلهما لمنطقة معزولة لا تستخدم فيها السيارات على أن تتبعهما شوارع أخرى، بجانب تخصيص موقعين بمنطقتي وسط القاهرة ومصر الجديدة يشتملان على مساحات لركن الدراجات على شكل أرفف.

ولفت الجوخ، إلى أنه رغم تشجيع الرئيس على ركوب الدراجات إلا أن الثقافة الشعبية لا تزال تحتاج لتأهيل حتى تتواكب مع الأمر، فهناك ممارسات لسائقي السيارات للتضييق على راكبي الدراجات الهوائية، خصوصا إذا كانوا من الفتيات، ويضاف إلى هذا أن ارتفاع أسعار الدراجات يجعلها غير مناسبة لكثير من شرائح وطبقات المجتمع المصري.

وتسعى محالّ تجميع الدراجات الكبيرة إلى دعم ثقافة ركوب الدراجات من خلال تعليم الشباب الصيانة وتوفير قطع الغيار لمختلف الأنواع، وقد استغلت تلك المحال قرار الحكومة المصرية بتحرير الوقود، وكذلك قرار مضاعفة ثمن تذكرة مترو الأنفاق الذي يستخدمه الملايين من المصريين يوميا.

خالد دوريش، صاحب محل لبيع دراجات هوائية، قال إن الوقت حان لعودة الصناعة المحلية للدراجات بمصر بدعم حكومي عبر قروض ميسرة. وأضاف “كنت أملك مصنعا صغيرا لتصنيع الدراجات ومركبات التريسيكل لنقل البضائع، لكن دخول الدراجات النارية الصينية الرخيصة وانتشار التوك توك أجبراني على الإغلاق”.

مصر تستورد احتياجاتها من الدراجات من الخارج خاصة من الصين والهند، فيما يتم استيراد قطع الغيار من سيريلانكا وفيتنام وإندونيسيا، وارتفعت أسعار الأخيرة أيضا مع تطبيق ضريبة القيمة المضافة ورفع الرسوم الجمركية ثم التعويم خلال العام الماضي.

وأضاف، أنه مع ارتفاع أسعار الحديد والخامات لا يمكن وجود صناعة مصرية للدراجات لأن تكلفة صنع الدراجة الهوائية داخل مصر تكاد حاليا تقترب من سعر الدراجة النارية الصينية، مع تفرّد تجار الأخيرة بمنح العاملين في تجارتها تسهيلات للدفع لا يمكن منافستها، الأمر الذي يتطلب دعما من الدولة، خصوصا في منح التمويل.

تتكوّن الدراجة الهوائية من 26 جزءا يتم استيرادها جميعا من الخارج ويتم تجميعها في الورش والمحال التجارية بدءا من الهيكل والأنابيب والدعامات والصمامات. وتسعى مصر أن تلتحق بهولندا التي تعد من أشهر الدول في ركوب الدراجات الهوائية.

وتمثّل الدراجات الهوائية خيارا رابحا لجميع الأطراف في مصر، فبينما تراهن عليها الحكومة لتقليل استهلاك الوقود ومواجهة الزحام المروري، يراها المواطنون وسيلة لمواجهة ارتفاع أسعار تعريفة الركوب، بينما يؤيد التجار كلا الطرفين، فكل ما يعنيهم هو تصريف بضاعتهم بصرف النظر عن سبب شرائها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى