في وداع ”المجد”..

”المجد” هي الصحيفة القومية العربية الناصرية الوحيدة في الاردن، وقد سعدنا بصحبتها اكثر من عشرين عاماً.
ولكن المؤسف ان ”المجد” العربية كانت في السابق توزع في سوريا ولبنان والعراق، وكان يأتيها من ذلك دخل يمكنها من الاستمرار، ولكنها حُرمت من هذا الدخل بسبب الاوضاع المعروفة في سوريا والعراق.
غير ان المناضل فهد الريماوي استمر في تحمل العبء اكثر من عامين وحتى لم يبق امامه من مناص سوى اغلاق الجريدة.
لقد حاول نفر من القوميين العرب بمختلف اتجاهاتهم المساعدة في ذلك، ولكن التبرعات التي قدموها لم تكف غير شهرين او ثلاثة.
وهكذا بات الاخ فهد مرغماً على اغلاق هذه الجريدة القومية الوحيدة في الاردن، بعد ان لم يجد اي خيار آخر.
انني بمنتهٌّى الاسى والاسف اكتب هذا المقال في وداع ”المجد” وكأنني اودع المجد نفسه بكل ما يعنيه من فخر واعتزاز ورفعة، فقد كانت هذه الجريدة الملاذ الوحيد الجريء الذي يقول الحق، ويعلن الحقيقة دون خوف او ضعف، لانه يؤمن بان المصلحة العليا للوطن والمحافظة على المثل العليا، والمبادئ القومية العربية، اثمن من اي انتشار واهم من اي دخل مادي.
ولكن الاوضاع العربية المأساوية والتشتت العربي والهوان الذي تمر به المنطقة العربية، بوجود انظمة مهترئة خاضعة للضغوط الصهيونية والغربية كافة، كانت سبباً رئيسياً في تردي امور امتنا العربية التي قاست الامرين من جراء هذه الاحوال.
انني وانا اكتب هذه الكلمة الحزينة في وداع ”المجد” وهي احب مطبوعة الى قلبي وقلوب الالوف من القوميين والمناضلين والنقابيين والشخصيات الوطنية في كل سائر ارجاء الوطن العربي، ارجو ان يكون في توقف ”المجد” الغراء عن الصدور درساً لّهؤلاء القوميين والوطنيين في ضرورة جمع صفوفهم وتوحيد مواقفهم، لعلهم بذلك -على الاقل- يستطيعون المحافظة على وجودهم في الساحة السياسية والوطنية.
كان القوميون في السابق يتمتعون بوجود وازن ومٌّؤثر في النقابات المهنية والعمالية، ولهم احزاب ذات ثقل شعبي وانتخابي ولكن هذا الوجود لم يبق منه سوى بقايا لا تسمن ولا تغني من جوع، وقد خرجوا من معظم النقابات المهنية والعمالية ولم يبق لهم فيها سوى تمثيل محدود، في حين انكفأت الاحزاب القومية على نفسها ، ولم يبق لها نشاط يذكر على الساحة السياسية.
في وقت مضى كان للبعثيين والقوميين والمناضلين اكثرية واضحة في مجلس نواب سنة 1956، وبعده مجلس نواب سنة 1989، ولكن لم يبق لهم في مجالس النواب التالية سوى اعداد محدودة لا تكفي لاعطاء اي وزن لاصواتهم.
ان التزوير المستمر، بعد انتخابات سنة 1989 وحتى 2016، قد جاء بمجالس نيابية تضم اكثرية ساحقة من الضباط المتقاعدين وشيوخ العشائر والمخاتير ورجال الاعمال، وبذلك فقد مجلس النواب دوره في ارساء حياة ديمقراطية فعلية في الاردن.
وفي الاخير.. اود ان اقول في وداع ”المجد”، يا حقل الاوفياء، ويا رجاء المناضلين، ويا سند المواطنين، ويا عاشقة فلسطين، ويا راية الاردنيين والقوميين والعرب في كل مكان، لان احتجبت عن الصدور، فان مبادئك وعطاءك وذكراك، ستبقى في قلوب هؤلاء جميعاً نبراساً ينير الطريق ويسعد القلوب، ويعطي الاجيال القادمة مثالاً للنضال الصحفي العربي الملتزم بالوحدة والحرية والديمقراطية.
وستبقى ”المجد” مناراً للصحفيين والمناضلين بما قامت به من جهد، وما أرسته من قواعد النضال وقول الحق في جميع الظروف، فرغم انها تعرضت للضغط والتوقيف عن الصدور عدة مرات، الا انها ظلت صامدة وصابرة لا تلين لها قناة، ولا تغير لها موقف، شأنها شأن جبال العرب وتاريخ العرب وامجاد العرب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى