المعارضة السياسية ليست للصراع بل لخدمة الوطن

بقلم : د. زيد احمد المحيسن

الانظمة الشمولية في العالم تحمل فناءها في داخلها, لهذا لا نبالغ اذا قلنا ان معظم الانظمة والاحزاب السياسية الشمولية في بلادنا العربية كانت سببا مباشرا في جلب المصائب والمأسي لنا, فالاقصاء والسجن والاغتيالات والقتل في المهجر والتهجير القسري مصير كل من يحاول ان يقول – لا – لسياستها حتى ولو في المجال الرياضي والترفيهي, وحتى لو كان هذا الشخص من اخلص الناس قولا وفعلا لهذه الانظمة.

لهذا فالانظمة الشمولية لا تؤمن بالرأي الاخر ولا بالتعددية ولا بتداول السلمي للسلطة, فهي تريد حكم البلاد والعباد – من المهد الى اللحد – بالقوة لا بالمنطق, ولكن هذه الانظمة التي ثبت مع الايام مدى هشاشتها وخوائها اثناء موجة الربيع العربي, ماعادت تستطيع التدليس والعيش في ظل التحولات المحلية والدولية, وفي ظل الانفتاح الفكري العالمي, وفي ظل التطور التكنولوجي ووسائل الاتصال والتواصل الالكتروني والاجتماعي الاممي على ثورة المفاهيم الحديثة, وربط المنح والمساعدات والقروض الخارجية بصون حقوق المرأة والطفل والانسان, وبحرية التعبير وحرية الصحافة والاعلام العابر للقارات والاوطان والمنظمات الحقوقية المحلية والدولية حتى اصبحت بعض منظمات المجتمع المدني تعطل برامج المساعدات لبعض الدول نتيجة لممارسات خاطئة ضد الانسان.

ان وجود ثقافة المعارضة الوطنية في اطار الدولة هو اثراء للمشهد السياسي الوطني والعالمي وهو قوة للانظمة التي تثق في قدرتها على ادارة شؤون الدولة .. فوجود المعارضة مظهر صحي لدى الانظمة الديمقراطية, بل هو ضرورة اساسية لاستكمال العملية السياسية التي لا تكتمل دون وجود قطب المعارضة من اجل تحريك الفعل السياسي.. فقد علمتنا الحياة بان مادة الحياة لا تكتمل الا بالثنائية المختلفة : الرجل والمرأة – السالب والموجب – الزائد والناقص – الليل والنهار , فاذا كان الكون المشهود لا يسير الا بالثنائية فلماذا يعطل بعض البشر سنة هذا الوجود !؟ لماذا نحن البشر نعطلها ونعمل عل قمعها واستئصالها جذريا من الوجود !؟ اليس هذا هو الخسران المبين ؟

لقد رسخت الانظمة الشمولية في بلادنا العربية ثقافة الاحادية في كل شىء, لهذا تكرست في داخل مجتمعاتنا نزعة الروح الانفصالية – القبلية والعرقية والدينية والطائفية والمذهبية, فاصبحنا اسوأ امة اخرجت للناس, حيث  نعيش في ذيل القافة وعلى فتات الغرب من الغذاء والدواء والصناعة.. شعوب تعرف كيف تستهلك كل شىء ولا تساعد في عملية الانتاج.. شعوب عالة على المشهد الحضاري والانساني.

لقد انهكت الثقافة الشمولية البلاد والعباد, لهذا علينا الان- افراد وجماعات- مباشرة النضال السلمي تجاه بناء الثقافة التعددية في اطار وحدة الاوطان.. على مدارسنا وجامعاتنا ومساجدنا وكنائسنا العمل سريعا لتعزيز ثقافة المعارضة واحترام الراي الاخر من خلال الحوار وبغرض بناء ثقافة جديدة تؤمن بالعمل والانتاج والابتكار والابداع, كما تؤمن بالراي الاخر المعارض كجزء اصيل في حياتنا اليومية وليس عمل طارىء على الفعل السياسي نهج الديمقراطية والاعتدال لبلورة صورة جديدة للنظام السياسي العربي يخرج من بين صلب المعاناة والنضال السلمي الى الحياة اكثر قوة واكثر نضوج, ولنكبر اربع تكبيرات على الانظمة الشمولية وثقافتها واصحابها بعد اليوم, ولنرفع شعار ان المعارضة ضرورة كقيمة سياسية ديمقراطية لاجل تقويم واداء عمل الحكومات فيما اذا اخفقت, لهذا فالمعارضة ليست من اجل اذكاء الصراع, بل هي تنافس لخدمة الصالح العام.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى