الحكم والاخوان.. توافق الضرورات التي تبيح المحظورات !!

عمداً او عفواً.. بالقصد او بالصدفة.. بدافع الاختيار او الاضطرار، رجعت حليمة الى عادتها القديمة، والتقى الشامي مرة اخرى مع المغربي- كما تقول الامثال الشعبية- وانبعث مجدداً ذلك التحالف القديم والمشؤوم بين مؤسسة الحكم وجماعة الاخوان اللتين توافقتا، بالاشارة او العبارة، على ”تسخين” الانتخابات النيابية المقبلة، ورفع وتيرة الاهتمام الشعبي بها، وتشجيع الانخراط العام في معمعانها.. ترشيحاً وترويجاً وانتخاباً.

فجأة، اختفت الخلافات الحادة التي انداحت بين الحكومة والجماعة على مساحة السنوات الخمسة الماضية، وهدأت الزوبعة الاعلامية المتعددة المراحل التي شنتها الحكومة لشيطنة الجماعة وتمزيق صفوفها، وتوارت عن مقدمة المشهد السياسي جماعة الذنيبات المرخصة، ومجموعة الغرايبة المزمزمة، وشلة الحكماء المتقاعدة، وباقي الكيانات المصنوعة.. في حين برزت على سطح الاحداث الراهنة حالة واضحة من التوافق والتفاهم، وحتى التناغم، حول الانتخابات بين الحكومة والجماعة – الام اللتين لم تجدا بداً، آخر الامر، من الوقوف في خندق واحد، والتحدث بلغة واحدة، والانهماك في خوض معركة مشتركة.

حتى من موقع الخصومة والتدابر والتنافر، لم تستطع مؤسسة الحكم الاستغناء عن الجماعة- الام، كما لم تستطع الثانية الاستغناء عن الاولى، فكل منهما تشكل حاجة ضرورية وحالة لزومية للاخرى، وهناك حبل سُري متين ومستديم ومشغول بدهاء انجليزي قديم يربط بينهما، ويحافظ على ”شعرة معاوية”، ويحول دوماً دون وصول الاوضاع بينهما الى حد ”كسر العظم”.. وكم سمعنا عن ضغوط مصرية وسعودية واماراتية مورست على الاردن لحمله على ادراج الجماعة على قائمة الارهاب، ولكن دون جدوى وبغير ما استجابة.. فالثابت تاريخياً ان الجماعة ذخر استراتيجي للحكم الملكي، مهما اختلفت التكتيكات وتباينت الاولويات.

صحيح ان الجماعة لن تخوض الانتخابات باسمها الصريح، بل عبر ذراعها السياسي المتمثل في حزب جبهة العمل الاسلامي المرخص.. وصحيح ان الحكومة قد تتدخل للحيلولة دون استئثار الجماعة باكثر من حصتها المقررة من الكعكة النيابية.. وصحيح ان الشراذم والشظايا المنشقة عن الجماعة قد تحظى ببعض ”جوائز الترضية” والمقاعد النيابية.. ولكن الصحيح اولاً واساساً ان العملية الانتخابية التي ما زالت هزيلة وفاترة، لن تقوى وتشتد الا من خلال التشارك والتساند بين الحكومة الحائرة والمتوترة، وبين الحليف القديم والنصير المطواع والمحارب المجرب الذي طالما استهان بالارادة الشعبية وتصادم مع القوى الوطنية والقومية والحضارية، ارضاءً للرغبات الرسمية من جهة، وتحقيقاً للمكاسب الذاتية والانانية من جهة اخرى.. وها هو الدكتور خالد الكلالدة، ممثل الرسمية الحكومية لا يجد من يتساوق مع جهده، وينسجم مع خطابه، اكثر من الشيخ زكي بني ارشيد، ممثل الجماعة الاخوانية الذي لن يقتصر دوره على استنفار عديد جماعته فقط، بل استفزاز جمهور المؤسسة العشائرية التي طالما اعتبرت نفسها المعادل الموضوعي والمنافس التقليدي للاخوان المسلمين.

باختصار، لقد انطلق كل طرف ليغني على ليلاه، فالجماعة المحاصرة وجدت في هذه الانتخابات ضالتها المفقودة، ووسيلتها المثلى والملائمة جداً، ليس لفك اطواق العزلة والشيطنة والتهميش فحسب، بل لاستعادة الشرعية من  خلال الدخول في عمق السلطة التشريعية ايضاً.. في حين وجدت الحكومة المأزومة والشديدة الشبه ”ببالع المنجل”، انها رهينة ورطة عميقة لن يخرجها منها، او حتى يخفف من غلوائها واعبائها، غير الجماعة الاخوانية والمؤسسة العشائرية.. والا فسوف تتكرر في بلادنا مهزلة الانتخابات البرلمانية المصرية الاخيرة التي جرت خلسة في غياب الشعب وكانت اضحوكة العالم.

في حدود علمنا، لم يطالب اي حزب او منظمة او جماعة اهلية بمقاطعة الانتخابات العتيدة، ولم يبادر احد لوضع العصي في دواليب الماكينة الاعلامية الحكومية المنهمكة ليلاً ونهاراً في الدعاية والترويج لهذه الانتخابات.. ولكن الواضح تماماً ان الرأي الوطني العام ليس مبالياً، وان المزاج الشعبي السائد ليس انتخابياً، بل هما اقرب الى العزوف عن المشاركة في هذا المهرجان الكرنفالي والاحتفالي الذي لن يتمخض، في نهاية المطاف، الا عن مجلس نيابي مقموع الارادة، ومنزوع الدسم، وممنوع من الصرف وحرية التصرف، ومتمرس بالتمثيل ”على” الشعب وليس تمثيله والترافع عن حقوقه.

ويا لغرابة المشهد وطرافة المفارقة وسخرية الاقدار.. فلاول مرة في تاريخ الاردن تنقلب المواقف وتتبدل الادوار وتتضارب قواعد الاشتباك، حيث تستميت الحكومة وملحقاتها لتزخيم الانتخابات واجرائها في موعدها، بينما يخلد الشعب، الذي طالما طالب باستئناف الحياة البرلمانية، للسكينة واللامبالاة، وينصرف بكامل الهدوء والاسترخاء لممارسة اعماله الروتينية المعتادة.. ربما لاعتقاده ان كل هذه الدربكة الاستعراضية لا تأتي احتراماً للتطلعات الشعبية واستكمالاً لاجندة الاصلاحات السياسية، بل تأتي على سبيل الاستحقاق الخارجي الهادف لاسترضاء الدول المانحة والقوى المهيمنة، ونيل بركاتها ومساعداتها ودعواتها الصالحات.

وعليه، ورغم تغيير قانون الصوت الواحد السيئ الذكر، وتغني هيئة الانتخابات المستقلة بحرية التصويت وطهارة صناديق الاقتراع، ومشاركة جماعات الاخوان المسلمين في هذا الموسم الانتخابي بعد طول قطيعة وانقطاع، الا ان صيغة المجلس النيابي القادم لن تختلف كثيراً عن صورة المجلس السابق الذي دخل ”موسوعة غينس” للارقام القياسية في آثام التنازل والتخاذل والصلاة في محراب الطاعة للدوائر الامنية والحكومية.. ذلك لان المهم- فيما يخص السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية – ليس طريقة صنعها او وسيلة انتاجها، بل حقيقة دورها، ومدى سلطتها وصلاحيتها ومسؤوليتها في صنع قرارها المستقل، كيما تشعر بانها ”سيدة قرارها” وليست ”صوتاً لسيدها”.

لن نأتي بجديد، او نخوض في الافق البعيد، حين نؤكد ان احتكار صنع القرار، ووقفه على طغمة محددة ومتفردة، وحجبه عن المشاركة الشعبية والتداول العام، هو السبب الاساس والمقدمة الحتمية لخراب الدول، واضطراب الاحوال، وتفشي وباء التباعد والتحاقد وسوء الفهم بين الحاكم والمحكوم.. ولو تمعنا جيداً في دواعي ودوافع ومسببات الربيع- بل الحريق- العربي الراهن، لوجدنا انها مندرجة تحت ثلاثة عناوين مركزية، هي الفساد والاستبداد والابتعاد.. ابتعاد اهل الحكم عن سواد الشعب.

لم تعد البرلمانات والحكومات في بلادنا سيدة قرارها، او صاحبة ولاية دستورية، او حتى شريكة في صنع السياسات والتوجهات الاستراتيجية، بل اضحت مجرد عناوين بلا مضامين، وهياكل بلا ادوار، وملاحق تابعة لمراكز القوى المتنفذة في الداخل، وتحالفاتها الاقليمية والدولية في الخارج.. ولا عزاء للقاعدة الشعبية العريضة وتفصيلاتها الوطنية والقومية والتقدمية التي غالباً ما ستدير ظهرها ”للزفة الانتخابية” الوشيكة والموكولة بمجملها لاطراف تحالف ”الضرورات التي تبيح المحظورات” المنعقد ضمنياً بين سدنة الحكم ودهاقنة الاخوان، ناهيك عن زبائن ”البزنس الانتخابي” المنعقد عملياً بين رجال المال الاسود ومقاولي الاصوات المجوقلة.

سيان بعد ذلك إن حضرت هذه الانتخابات في موعدها المقرر، او كانت قد تأجلت الى اشعار آخر، ففي خضم ”المعادلات الصفرية” يتساوى التأجيل والتعجيل، ويتعادل الوجود والعدم، ويتماثل الخطأ والخطيئة.. وسامحونا.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. السياسة لا دين لها ولا اخلاق انها مصالح فقط لا غير ولا ادري ان كانت الرحمة تجوز لندعو لميكافلي – بالرحمة والمغفرة -مهندس الحكم في كافة بلدان العالم ام لا

زر الذهاب إلى الأعلى