الانتخابات النيابية .. نحو خطاب للنوايا!!
بقلم: اسماعيل أبو البندورة
كيف يمكن لانتخابات واعدة تعلق عليها آمال الاصلاح والتغيير المنشود أن تجري في ظل فراغ سياسي شعبي وإفقار معنوي وثقافة سياسية فقيرة ومتواضعة وبيئة أخلاقية غير مواتية واهتياج قبائلي يريد استملاك المجال السياسي أو تقاسمه مع آخرين على نفس النهج بطريقة زبائنية مصلحية ؟
والحقيقة أننا أصبحنا نسأل ونأسى في آن واحد ، نسأل بحكم الواجب والالتزام الوطني والاخلاقي ، ونأسى إذ نقف أمام الحائط المغلق واليأس المبهض وتلك من مفارقات ما جرى ويجري في بلدنا ومن غرائب ما يجري في معظم أرجاء وطننا العربي الأمر الذي يعيدنا ويضعنا في كل الحالات أمام عقدة ووصمة الاستعصاء والاستثناء العربي المحرجة التي تضعنا دائما في مدارات الشذوذ السياسي والنأي عن التحضر والتكون الديموقراطي ، وتخرجنا من التاريخ والعصر.
ونقول بأن علينا في لحظة الارتباك والانشداه والسلبية السائدة أن ” نصلي على النبي” ونجترح أفكارأ مغايرة تخرجنا من هذا الانسداد والوحشة والوسواس القهري الذي يتلبسنا إذ لا مفر أمامنا إلا التفاؤل والاجتهاد والابتكار ، ولا بد لكل الأطراف الفاعلة في المجتمع وأصحاب القرار من إعلان نوايا استنهاضية حقيقية بالمبادرة إلى الإفراج والافصاح عن إرادة سياسية واضحة مرتبطة بإرادة شعبية ناهضة ومؤهلة للتغيير بأننا نسعى فعلا إلى الاصلاح والتغيير وإقامة دولة المؤسسات وتخليق ثقة حقيقية في أوساط الناس بأننا نسير نحو التشارك والمشاركة وأن الصناديق الانتخابية ليست وحدها المعيار الوحيد لتوليد ديموقراطية حقيقية وأن الديموقراطية تتطلب تغييرا في صناديق العقول قبل صناديق الاقتراع لكي تصبح ديموقراطية بوجود ديموقراطيين ومجتمع يحتضنها ويدافع عنها في كل الأحوال والحالات .
ولابد في التمهيد لخطاب النوايا أو العقد الجديد المتخيل والمفترض الذي بموجبه يتفاهم الناس مع الدوله وتنحكم وتتحدد العلاقة بينهما في البحث عن مسببات عدم الثقة وقراءة الماضي السلطوي نقديا وفي فضاء يرنو الى التغيير لكي يصار إلى تجنب كل ما كان يعرقل إقامة الثقة والسعي إلى توليد وتخليق الثقة على أسس من الحقيقة والعدالة والنزاهة والمكاشفة والمصارحة حتى يتجدد العقد بين الطرفين على أسس راسخة وواضحة ولكي تتفاعل الجهات المختلفة لبناء وطن في طور التكون الديموقراطي العصري وإيجاد تناغم وقبول وتشارك في صياغة مفردات الحياة السياسية والاجتماعية .
إن أخلاقية التعامل في هذا المجال تقتضي إبداع ذاتيات أخلاقية وقوانين تحكم الممارسات المختلفة للسلوك السياسي للدولة وللمواطنين وعلينا أن لا نعجب من طرح الإطار والمرجع الاخلاقي للقوانين والممارسات إذ على قاعدتها تأسست الحالة النموذجية للدولة العربية الاسلامية واستطاعت من خلالها أن ترتب عقل الحاكمين والمحكومين على أسس من احترام الذات والآخر وتضع قواعد التعامل وأن تحول دون الفساد والإفساد والمنزلقات الأخرى .
ولابد في كل الأحوال من بيئة أخلاقية تتحرك فيها الممارسات وتحول دون استفحال المعوقات والانحرافات واستشراء دور المال السياسي الأسود على سبيل المثال الذي يفسد المواطن ويعرقل نمو وعي اجتماعي حقيقي ويدمر المؤسسات التي يناط بها الاصلاح والتغيير وقد لا يكفي الوعظ في هذا المجال للحؤول دون هذه الممارسات إذ لابد من تأسيس وإشاعة ثقافة إمتناع واستنهاض حالة ضمير جمعي مناهض يأبى الانحدار السياسي والمجتمعي ويتصدى لجماعات الفساد والإفساد بكل الأشكال والطرق إضافة إلى الرادع القانوني الذي يضبط ويعاقب على مثل هذا النوع من الانحرافات.
أحاديث الدواوين المختلفة تتركز في معظمها على هذا النوع من الملاحظات والتخوفات والملابسات فيتخلق لدى الناس اليأس والسلبية والعزوف، والأجوبة التي تطرح على الملاحظات والتساؤلات تكاد لا تقنع ولا تلبي ما يدور في الأنفس والعقول، ويكتشف الملاحظ بأسى أحياناً وهو يرانا وقد غدونا مجتمعا رملياً يتكون من ذرات منفصلة متباعدة وذوات مفككة لا يربطها رابط ولا ينتظمها ضابط ، أو يرانا كائنات انتخابية تسمي الأمور والانتخابات لعبة أو همروجة وعرساً وممارسة شكلانية بلا أفق وبلا معنى وماهية تنتهي دائما بالكلام المبعثر الطائش والمهارشات والكنافة الإغوائية التي تجعل الهرس يتقدم ويطغى على الدرس.. ولا حول ولا قوة إلا بالله.