تذكير بالبديهيات الوطنية كي لا تأخذ العمالة شكل المعارضة

 

اول خصائص المواطن ان يكون وطنياً، وابسط واجبات الوطني ان يقدم مصلحة الوطن العامة على مصلحته الخاصة، واهم الفوارق بين الوطني واللا وطني، ان الاول يضحي بدمه وروحه لاجل وطنه، فيما يضحي الثاني بوطنه لاجل ذاته وانانياته.

هذه البديهية يعرفها العالم اجمع، ويحفظها التاريخ في اقدم صفحاته، ويرضعها الاطفال مع حليب امهاتهم، ويتعلمها التلاميذ في الصفوف الابتدائية.. غير اننا نستحضرها، ليس لتعريف المعروف وتوصيف الموصوف، بل لتذكير الفارس الثوري الجيفاري، رياض حجاب وزعران وفده المفاوض ببعض القواعد الوطنية، والمسلمات النضالية، والمستلزمات الاخلاقية التي لطالما خرقوها وانتهكوا حرماتها وداسوها بالاقدام.

عار على اي مواطن، صغيراً كان او كبيراً، معارضاً كان او موالياً، ان يرتضي لنفسه التصادم مع وطنه، والانسلاخ عن ارومته، والتفريط برحم امه، والمتاجرة بعذابات شعبه، والتلاعب الانتهازي بالمواقف والمبادئ والشعارات وحتى بالوان الراية الوطنية الموروثة.

عار على اي مواطن ان يتآمر على دولته مهما اختلف مع نظامها، وان يوالي اعداءها مهما اعترض على حكامها، وان يسهم في تقويض شرعيتها مهما اهتزت اركانها ومؤسساتها، وان يعيث فيها خراباً ودماراً مهما ناله، على يديها، من ظلم وحرمان.. فالدولة فوق الجميع، وهي مُلك للحاكم والمحكوم على حد سواء، باعتبارها الضمان وصمام الامان وخيمة المواطنة لجميع ابنائها مهما تعددت مذاهبهم ومشاربهم ومنابتهم.

ففي ردهات مؤتمر ”جنيف 3” الذي انهار قبل ان يبدأ، هالني هذا الحجم الاسطوري من عداء ”وفد الرياض” وكراهيته للدولة السورية وليس لنظامها فقط، وهذا النوع الاستفزازي من التصريحات العنترية التي ارهقت لغة الضاد وحروف الابجدية، وهذا المستوى المجنون من التوهم بالانتصار والاقتدار، كما لو ان جحافلهم تدق ابواب القصر الجمهوري بدمشق، وبما لم نشهد مثيلاً له حتى لدى الوفود الاسرائيلية ايام مفاوضاتها مع عرب الهزيمة في كامب ديفد واوسلو ووادي عربة.

لم يكن وفد رياض حجاب، القادم من رياض آل سعود الشغوفة جداً بالحرية والديموقراطية، وفداً سورياً معارضاً يتوخى التباحث- او حتى التفاوض- مع حكومة بلده بهدف التوصل الى حل توافقي يخرج البلاد والعباد من اتون ازمة طاحنة.. بل كان قطيعاً من الذئاب المسعورة البعيدة كل البعد عن المعاني والمعايير السياسية، والمشغولة كل الوقت بالعواء والهجاء والنهش في كيان الدولة السورية وجيشها المغوار ومؤسساتها السيادية.

وجوه كالحة تنطق بالحقد، وألسنة عاهرة تقطر بالسم، ونفوس قذرة تطفح بالمكر والغدر، وانفاس نجسة تنفث رائحة نتنة وعفنة، ودموع كاذبة اين منها دموع التماسيح، وحركات مسرحية تقوم على ”توزيع الادوار” بين ممثلين خائبين ومكشوفين يتحركون وفقاً لتعليمات المخرج السعودي الوزير عادل الجبير، الخليفة المؤتمن على تراث فولتير.

صدقوني ان هذا الطراز من المعارضات الحمقاء والرعناء يدين نفسه بنفسه، ويدفع الناس الى احتقاره، ويقدم – دون ان يقصد- افضل خدمة لخصمه، ويشكل اوضح دليل وبرهان على فجاجته وحصافة غريمه، ويثبت – بالملموس- انفصاله عن الواقع، وانقطاعه عما يجري في الميدان، وانصرافه لمراكمة الفشل ومعاقرة الاوهام والتخاريف والهلوسات واحلام اليقظة.

صدقوني ان النظام السوري محظوظ بوجود مثل هذه المعارضة المأجورة والملفقة، فقد اقترفت من الموبقات، وهي لا تزال خارج الحكم، ما تجاوز كل اخطاء النظام وخطاياه لاكثر من اربعين عاماً، وقد اقنعت، بفعل فسادها وعنادها، الكثير من منتقدي النظام ومناوئيه بالعدول عن مواقفهم المناهضة له والعودة سريعاً الى احضانه، وقد اختارت، بحكم عمالتها وهمالتها، الجانب الخسيس من الحلفاء الامريكان والاوروبيين والاتراك والسعوديين الذين وظفوها لتحقيق مآربهم التخريبية، فيما اختار النظام الجانب الامين من الحلفاء الروس والايرانيين والصينيين الذين هبوا لمؤازرته بالمال والسلاح والرجال دون قيد او شرط.

ليس في تاريخ رياض حجاب، او مسيلمة الكذاب، وقطيع الذئاب والاوغاد التابع له، ما يشير الى ان انشقاقهم عن الحكم، وخروجهم على الدولة السورية، قد جرى لاسباب وطنية ومبدئية واخلاقية، ولاجل محاربة الفساد ونشر اريج الحرية والديموقراطية، بل لعل العكس هو الصحيح على طول الخط، فقد جرى على خلفية انتهازية وارتزاقية حقيرة، حيث باع هؤلاء الخوارج ارواحهم للشيطان الخليجي بدولارات جمة، ثم سارعوا بالقفز من سفينة الرئيس الاسد لاعتقادهم انها آيلة حتماً للغرق.

وهكذا، ومنذ البداية احرق هذا القطيع السفن، ووضع العقدة في المنشار، وصعد الى اعالي الشجرة، واخرج نفسه من دائرة التفاهم مع النظام، واختار ان يلعب دور مخلب القط، او ”حصان طروادة” لحساب اعداء الدولة السورية.. وما اشتراكه في مؤتمرات جنيف الثلاثة، الا لغرض التأزيم والتخريب والمزايدة والمباعدة، وليس التهدئة والتحاور والتشاور لاستنباط الحلول التوافقية، والقواسم الوطنية المشتركة التي من شأنها اخراج البلاد والعباد من ربقة هذه الازمة الطاحنة.

ورغم ان دولاً استعمارية كثيرة معروفة بمقتها للنظام السوري وتربصها به وتآمرها عليه، قد غيرت من مواقفها واعادت ترتيب اولوياتها، وباتت تعتبره ”اهون الشرين” والاقل خطراً وضرراً على سوريا والامن العالمي من الدواعش والعصابات الارهابية التي اجرمت في حق البشر والشجر والحجر.. الا ان المارقين من اتباع الثوري الجيفاري رياض حجاب ظلوا سادرين في غيهم، وممعنين في ضلالهم، ومستمرين في محاربة هذا النظام وادراجه على رأس قائمة الاعداء الالداء الذين لا سبيل للمصالحة، او حتى المهادنة معهم.

طيب، ما دام هؤلاء الاوباش يضعون العصي في دواليب جنيف، ويستكبرون على الحلول السياسية والتفاهمية، ويستثمرون لعبة المعارضة لمكاسب ومآرب تجارية، ويرفضون استمرار الرئيس الاسد في موقعه الدستوري، فلا داعي بعد اليوم لهذه الجنيف واخواتها، وليحتكم جميع الافرقاء الى ساحات الوغى وميادين القتال.. فالسيف اصدق انباء من حوار الطرشان، وما على قطيع رياض السنجاب الا ان ينفر، بالتحالف مع فيالق المارشال مونتغمري العسيري، لملاقاة الجيش العربي السوري وحلفائه في بطاح حلب وجبال اللاذقية وسهول حوران.

وسواء لدواعي العطف او من قبيل الضعف، فقد صبرت الدولة السورية طويلاً على هؤلاء العملاء، ووفرت لهم غير فرصة للتوبة والتكفير عن ذنوبهم وعيوبهم وعمالاتهم، ولكن لا حياة لمن تنادي، فهم ليسوا اسياد قرارهم بل مجرد اصداء واتباع اذلاء لاسيادهم واولياء امورهم.. ولقد آن الاوان لتضعهم الدولة السورية حيث وضعوا انفسهم في خانة الخيانة والغدر، وتحاكمهم بوصفهم ”طابوراً خامسا” وقطيعاً من الجواسيس الخارجين على القانون.

بعد اليوم، لا لزوم لمحادثات او مفاوضات مباشرة وغير مباشرة بين الدولة السورية المظفرة وبين اصحاب الدكاكين الذين انتحلوا صفة المعارضين.. وانما اللازم والواجب والضروري هو التحاور المبني للمعلوم بين سائر مكونات الشعب السوري، بما في ذلك قوى واحزاب المعارضة الوطنية القابلة بالعمل تحت مظلة الدولة، وذلك بهدف التداول العام حول افضل السبل واسرع الوسائل لاعادة اللحمة الوطنية، وتحقيق اوسع مصالحة سياسية واجتماعية من شأنها توحيد وتحشيد وتحفيز كل الطاقات والكفاءات الشعبية والرسمية، لتجاوز عذابات الفتنة الكبرى، وبناء سوريا المدنية والديموقراطية الجديدة.. ولا عزاء للعملاء !!

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. كلا لا نصدق شيئا مما تفضلت به لانك تنطلق من موروثات خمسينيات القرن الماضي التي اكل عليها الدهر وشرب,العالم كله تغير وانتم مكانك قف!!!

زر الذهاب إلى الأعلى