متى تنبثق من بين صفوفنا ”قوة انقاذ واستنهاض” عربية ؟؟

 

تعبت الامة العربية من نفسها.. خارت قواها وتبددت عزيمتها وتاهت بوصلتها.. فقدت شوقها للحياة وتوقها للعز والفخار والازدهار.. شبعت ذلاً وتضورت يأساً وارتوت من ”نهر الجنون”.. ابتعدت عن حقيقتها واغتربت عن روحها وانفصلت عن تاريخها ووضعت مستقبلها وراء ظهرها.. اعتقلت عقلها واغتالت وعيها ونبذت رشدها واسلمت قيادها لاسفل ابنائها، سواء أكانوا ارهابيين متأسلمين يفتئتون على الدين الحنيف، او كانوا عملاء متصهينين يدورون في فلك واشنطن ولندن وتل ابيب.

سئمت هذه الامة من وجودها.. افترستها ذئاب التوحش والغرائز العدمية.. فشلت في التعامل مع حاضرها ومستجدات عصرها.. باتت عبئاً جغرافياً وديموغرافياً على قارتي آسيا وافريقيا.. قدمت اجساد الآلاف من ابنائها طعاماً لاسماك البحر المتوسط.. غمرت بامواج اللاجئين والنازحين والمؤلفة قلوبهم معظم ارجاء العالم، وحرّفت الكلم عن مواضعه حتى باتت اسوأ امة اخرجت للناس.

كيف ولماذا وصلنا الى هذه الحالة، او وصلت الينا ؟؟ كيف ولماذا هبطنا الى هذا المستوى، او هبط علينا ؟؟ كيف ولماذا وهبنا انفسنا للضياع، او وهبنا الضياع لانفسنا ؟؟ كيف ولماذا هاجرت عقولنا الى الصحراء، او زحفت الصحراء الى عقولنا ؟؟ كيف ولماذا تقدمت كل شعوب الارض، خلال العقدين الاخيرين، فيما كان الجهل والفساد والانحطاط والارهاب من نصيبنا ؟؟

انظروا كيف نهضت الصين والهند وكوريا وماليزيا ودول اوروبا الشرقية وامريكا اللاتينية التي كانت، الى ما قبل ثلث قرن، تعاني شظف الفقر والتخلف والاستبداد والفتن الاهلية.. ثم اسألوا انفسكم كيف ولماذا عرفت هذه الشعوب سبل التقدم ووسائل الترقي والتحديث والانطلاق، بينما عجزت امتنا بسائر دولها وكامل بترولها وثرواتها عن مثل ذلك ؟؟

اكثر من هذا، اسألوا انفسكم بامانة وشرف، كيف ولماذا تقهقرت امتنا وتأخرت حالياً عما كانت عليه قبل وقت قصير وسنوات غير بعيدة.. فاين مصر اليوم من مصر عبدالناصر، واين جزائر اليوم من جزائر بومدين، واين عراق اليوم من عراق صدام حسين، بل اين ليبيا اليوم من ليبيا ”المجنون” القذافي، واين لبنان اليوم المطمور باكوام القمامة من لبنان فؤاد شهاب وسليمان فرنجية ؟؟

ضجرت الاسئلة من هذه الامة، وضاقت بها ذرعاً كل علامات الاستفهام وادوات الاستفسار، واستعصت بين يدي ازمتها كل الاجوبة والتفسيرات والاستخلاصات، وعجزت عن فك الغازها وطلاسم احوالها سائر المعاجم والقواميس والموسوعات، وانطلقت من ركام اطلالها وخرائبها الراهنة اغرب اسراب الحيرة واللوعة والاستهجان والاستنكار.. فكيف ولماذا باشرت هذه الامة، منذ سبعين عاماً، صحوتها الوطنية وانطلاقتها القومية، وتمكنت من انتزاع حريتها واستقلالها بعد هزيمة الدول الاوروبية التي استعمرتها، ثم ما لبثت ان نكصت على عقبيها، واهالت التراب على انجازاتها، ووقعت في حبائل الشد السلفي والعد العكسي، حتى اصبحت ”ملطشة” يتمرجل عليها القريب والبعيد، ”ولعبة امم” تخترقها سائر الاجهزة الاستخبارية الاقليمية والدولية، وساحة مستباحة تفتقد حس المسؤولية العامة، وتتنابز بالدماء والاشلاء، وتتسابق نحو الخراب والدمار، وتستنزف قواها وتصطرع فيما بينها نيابة عن المراكز الاجنبية التي اتخذت من العربان وقوداً لحروبها بالوكالة ومخططاتها السرية والعلنية.

وعليه.. فقائمة النقائص والفواجع والمآسي والبلاوي العربية طويلة جداً، وخطوط الطول والعرض فيها مكشوفة بالكامل، وماثلة للعيان جهاراً نهاراً، ومستمرة في عرض جنائزي يتكرر على مدار الساعة، ولا تحتاج منا، ومن غيرنا، الى المزيد من التعريف والتوصيف والاحصاء والقاء الاضواء.. وانما هي في امس الحاجة الى اجتراح الحلول المناسبة وتوفير المعالجات الملائمة والوسائل الكفيلة باخراج امتنا من مـأزقها، وتخليصها من براثن ازمتها، ووضعها من جديد على سكة اليقظة والنهوض والتحديق في طلعة المستقبل.

مؤكد ان مشكلة، بل معضلة، امتنا العربية بكامل حكامها ومحكوميها، لا تتعلق بما فات من طحن دموي واحتراق ذاتي لاكثر من خمس سنوات، ولا تتصل بما هو قائم الآن من ويلات ومصادمات على خارطة الواقع الراهن، بل ترتبط -اولاً واساساً- بما هو قادم من خزائن الغيب وخوابي المبني للمجهول.. فالمؤشرات شبه الواضحة لا تبشر بالخير ولا تبعث على الاطمئنان، بل لعلها تنذر باوخم العواقب وافدح المآلات والنهايات التي قد تبلغ بهذه الامة حدود التشرذم والاهتراء والانقراض.. فالجنون الجماعي ما زال في ازياد، والمزاج العدمي والانتحاري ما زال في اطراد، والعناد النرجسي الاعمى ما زال سيد الموقف.. فكل فريق من الافرقاء سادر في عناده واعتداده برأيه، واعتقاده انه صاحب الحق والمنطق، وسلطان الحكمة والصواب الذي لا ينطق عن الهوى، ولا يعير ادنى اهتمام لاقوال وقناعات الآخرين.

ولعل السؤال الاجباري الذي يفرض ذاته على الكل العربي هو.. هل يجوز ان يستمر الحال على هذا المنوال ؟؟ هل يحق لهذه الامة العريقة ان تواصل مشوار الانهيار والانتحار ؟؟ الا تكفي خمس سنوات من الفوضى الدامية للاتعاظ واستخلاص العبر والدروس، والتراجع بالتالي عن هذا الضلال المبين ؟؟ اين عقلاء وشرفاء العرب مما يجري – وسيجري- لامتهم من سحق ومحق وابادة؟؟ ولماذا يختبئ المفكرون والمثقفون والمناضلون الحزبيون والنقابيون وقادة الرأي العام خلف اصابعهم، ويتقاعسون عن اداء واجبهم الوطني والقيام بدورهم القومي والاسلامي في استحضار لغة العقل والتعقل، وابجدية الفهم والتفاهم، وفريضة التحاور والتلاقي والتسامح ؟؟

من المحزن والمؤلم ان تفتقر امتنا، في هذا الظرف العصيب، الى القيادات السياسية العظيمة، والقامات الفكرية والطلائعية العالية، ولكن التحديات القاسية كثيراً ما تسرّع في انتاج القيادات المقتدرة والمؤهلة لركوب الاخطار وتذليل الصعاب.. فلا حياة مع اليأس ولا يأس مع الحياة، وليس امام امتنا، في مواجهة ”تحدي الوجود”، الا قبول هذا التحدي المصيري مهما كان عسيراً وثقيلاً، واستنفار كامل قواها وطاقاتها وعزائمها لتحويل الغصة الى فرصة، والفتنة الى صحوة، والعلقم الى بلسم، والربيع الكاذب الى ربيع حقيقي صادق.

وعليه.. فقد بات من اوجب الواجبات واهم الضرورات، انبثاق ”قوة انقاذ واستنهاض” عربية تمثل مختلف النخب والتيارات والاتجاهات، وتصل الليل بالنهار في جولات وندوات وحوارات رسمية وشعبية لدى عموم الديار العربية، بغية اطلاق روح الامل والتفاؤل، واعادة تصويب بوصلة الوعي العام، واطفاء نيران الحرائق الارهابية والاحترابية، ونشر ثقافة الاخاء والتوافق والسلم الاهلي، واجراء سلسلة من المصالحات والتفاهمات والتسويات والتنازلات المتبادلة بين سائر الاقطار والافرقاء.. خصوصاً بعد ان وصلنا جميعاً الى تخوم ”الخيار صفر” وواجهات الجدار المسدود، وحالة انعدام الوزن.

هل هذه كتابة بالتمني ؟؟ هل هي احلام يقظة ؟؟ هل هي حراثة في البحر ؟؟ هل هي شطحات خيالية وطوباوية  مستحيلة ؟؟ ربما، ولكن من قال ان المشاكل المعقدة والمسائل المستعصية لا تتطلب جهوداً جبارة، وعقولاً ابداعية، وخططاً مبتكرة وحلولاً استثنائية قد تبلغ حدود الخيال ؟؟ ومن قال ان الورطة العربية الراهنة قابلة للانتهاء بسهولة وبدون ان تتولى هذه الامة قلع اشواكها بيديها، وليس بايدي الآخرين ؟؟

ثم اين المفر، وما هو البديل ؟؟ أليس استمرار الطحن واستفحال الطوفان واستبقاء المصير العربي على كف عفريت ؟؟ أفيدونا يا اصحاب الرؤوس الحامية.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. رغم ان المقال الخطاب الرائع , تعدى التشخيص للواقع المريض ,للداء ولحالة الاحتضار, موجه للامة كلها, ويجب ان يكون هكذا , ولكني اعتبره موجه اكثر للقوى والنخب الطلائعية الوطنية القومية مباشرة و تحديدا, لكل عربي يحس بعروبته وبأنتمائه ويدرك كما يدرك الآخرين بما فيهم الاعداء ,بانه عربي, عربي كان وعربي سيكون,عربي من الازل الى الابد,أنه دعوة للصلاة الجامعة ,لوقفة تاريخية لا مركزية تقوم بها جماهير المثقفين في كل مكان ,انه نداء وان صدر من ضمير وقلب رجل منا نعرفه ونعرف صدقه , نداء لابد ان نأخذه مأخد الجد , يجب ان نناقشه ونتناقش حوله , فهو صياغة موضوع الساعة, موضوع المصير والوجود, الذي تحس به القلوب وتزدحم بمواضيعه العقول, نحس به جميعا , يجب ان نتدارس الامر وان نضع كل النقاط على الحروف و يجب ان نرد عليه
    ان الدمار والخراب والتخريب , جاء حتما بفعل فاعل , واكثر من فاعل , انه من صنيعة حلف الشر والذي يزداد مع كل يوم يمر قوة واتساعا وامتلاكا للاسباب, وما من احد من امتنا الا يعرفهم, ويعرف مكرهم ودهائهم وكذبهم وميكيافيلتهم وحشيتهم والتطور الذي وصلت اليه امكانياتهم خاصة بعد اتحادهم وقيام تحالفاتهم الاستراتيجية , ومع وجود الاختلال في كل موازين القوة لصالحهم في كل المجالات, المالية والتقنية والعلمية والعسكرية والتطور الاداري واللوجستي والمعلوماتي وقدرتهم على التركيز وانتقاء الاهداف والاحتفاظ بزمام المبادرة في ايديهم, فهم اليوم يحيطون بنا من كل جانب

    وبالمقابل نعيش ومنذ اجيال حالة التشتت والتفرق والتجزئة والتناحر والتخلف والفقر والجهل والتصحر الفكري و فقدان البوصلة , نعيش حالة العجز وفقدان الثقة بأنفسنا بفعل كل ذلك وبفعل الهزائم والانتكاسات وعمليات التشكيك, تضاف اليها اليوم عمليات التشويه للتايخ وللقيم لتجعلنا واجيالنا نفقد الثقة حتى من ماضينا ومن مستقبلنا , في تراثنا وديننا وفي رسالتنا ودورونا ما وخصتنا به السماء وبالنصر , انها المؤامرة والتي يقف ورائها السفهاء والجهلة والمظللين الاخوان وما تفرخ عنهم ومعهم ومن ورائهم القوم التبع (عربان وترك وفرس وغيرهم).

    ان استاذنا يقيم الحجة علينا, علينا جميعا , فلنتفاعل معها وبدون المزيد من الهدر للوقت , انها مسؤلية فردية وجماعية أن وجودنا مهدد فعلا ويجب ان نعرف جيدا كيف سنرد ان امتنا هي الاقوى , قوية رغم ضعفها ان ارواح الاجداد لا زالت حاضرة فينا ومعنا و فوقنا والحق في ايدينا وحجتنا وقوية والله معنا وناصرنا , ولدينا من الرجال الراشيدين وان لم يمتلكوا فضائيات ومنابر
    فلنتوكل ونبداء ونستمر في تغيير ما بانفسنا ابتداء من مقاطعة كل اوكار الخيانة والتشويش و التشكيك التي ورائها الامراء المأمورين وعملائهم من السفهاء الساعون لتحويل الدين الى احزاب كل عناصر الاختراق والجوسسة ومن المرتزقة

    تحية وشكر وتقدير للاستاذ فهد حفظه الله ,

زر الذهاب إلى الأعلى