فشل ”انتفاضة” ذنيبات في تغيير موازين القوى داخل المعسكر الاخواني

انطفأت سريعاً ”انتفاضة” الشيخ عبدالمجيد ذنيبات على قيادة جماعة الاخوان المسلمين، وفقدت بريقها الاعلامي وقوة اندفاعها، وباتت تراوح مكانها وتغيب تدريجياً عن المشهد السياسي والاهتمام العام، خصوصاً وانها لم تسفر عن نتائج زلزالية مؤثرة، بل عن جمعية حزبية صغيرة ومحدودة العدد وقريبة الشبه بالكثير من الاحزاب السياسية والمنظمات الاجتماعية المرخصة رسمياً دون ان تمتلك قاعدة شعبية تُذكر.
وبالمقابل صمدت الجماعة الام بقيادة مراقبها العام الدكتور همام سعيد، فقد امتصت الصدمة الاولى، وتغلبت على الارتباك الذي اصابها بادئ الامر، ونجحت في الحفاظ على معظم مكونات الجسم الاخواني، وباشرت اكبر حملة تواصل وتفاعل على الصعيدين الرسمي والشعبي.. الداخلي والخارجي، ضمن عملية تكيف واسعة ورهان على المتغيرات السياسية ومستجدات الايام، تبعاً لتجارب انشقاقية كثيرة سبق ان تعرضت الجماعة لها واستخلصت من دروسها الكثير من المواعظ والعبر.
فشل انتفاضة ذنيبات في تحقيق اهدافها الانقلابية والانشقاقية، وصمود جماعة همام وتماسكها وسرعة استعادتها لزمام المبادرة، لم يأت عرضاً ومن قبيل الصدفة، بل تقف خلفه عدة اسباب ونشاطات واتصالات سرية وعلنية.. اخوانية وغير اخوانية.. محلية وعربية واقليمية تضافرت جميعها لترجيح كفة الجماعة الام (جماعة همام) على كفة الجمعية المرخصة التي ولدت بعملية قيصرية وبرعاية امنية وحكومية.
اول هذه الاسباب، عجز ذنيبات ومجموعته عن اختراق صفوف الجماعة الام، واستقطاب نصيب وافر من القواعد والكوادر والعناصر الاخوانية، فقد ظلت الاغلبية الغالبة من الكيان الاخواني على ولائها لقيادة همام ومكتبه التنفيذي الذي يهيمن عليه جناح الصقور، ولم يغادر الصف الاخواني غير ثلاثين او اربعين شخصاً معروفين بولائهم المسبق للشيخ ذنيبات، واختلافهم المزمن مع همام سعيد وجناح الصقور.
ثاني هذه الاسباب، رفض ”مجموعة زمزم” بقيادة ارحيل الغرايبة الاندماج في جمعية ذنيبات المرخصة، واتخاذهم قراراً جماعياً بالتحول الى حزب سياسي مستقل، رغم انهم كانوا من اشد المؤازرين لانتفاضة ذنيبات، والمتحمسين للانقلاب على قيادة همام وتقويض وحدة الجماعة، وتبديل برامجها واهتماماتها واولوياتها.
فقد اكد الغرابية عبر برنامج ”اخبار وحوار” الذي بثته الاذاعة والتلفزيون الاسبوع الماضي، ان وجوده مع الاخوان المسلمين (جمعية ذنيبات) هو شكلي فقط، وذلك الى حين انتهاء مشاورات تحويل مبادرة زمزم الى حزب سياسي.
ثالث هذه الاسباب، تنافس ”المرجعيات” والجهات الرسمية الداعمة لجمعية ذنيبات وجماعة زمزم، فبينما تراهن دوائر القصر الملكي على الشيخ ذنيبات، وتعتبره الجواد الرابح الذي يستحق كل الدعم والمساندة، تراهن الجهات الامنية والحكومية على جماعة زمزم، وتعتبرها الاحق بالدعم والمؤازرة من جمعية ذنيبات، بوصفها الاكثر حداثة وكفاءةً وتناولاً للقضايا الوطنية العامة.
رابع هذه الاسباب يتعلق بجهود ونشاطات الدكتور همام سعيد الذي شمر عن ساعد الجد، واستنفر من فوره ”العصبية الاخوانية” لدى عموم الجماعة، واثار مخاوفها من ”المؤامرة” الكبرى التي تحاك ضدها بليل وبالتواطؤ مع بعض ”الخوارج”، لقصم ظهر الجماعة وتشتيت شملها، كما قام بجهد مماثل في الخارج، حيث زار اسطنبول، ونجح في نيل دعم وتأييد قيادة التنظيم الدولي الاخواني المتواجدة هناك، وسحب البساط من تحت اقدام ذنيبات وجمعيته ومناصريه.
خامس هذه الاسباب – ولعله اهمها – عودة المياه الى مجاريها المعتادة تاريخياً بين السعودية وجماعة الاخوان الاردنية، حيث علمت ”المجد” ان همام سعيد قد زار جدة مؤخراً، تلبية لدعوة رسمية من وزير الاوقاف السعودي الشيخ صالح عبدالعزيز آل الشيخ، وبناء على وساطة قطرية لدى رجال العهد السعودي الجديد الذين اكدوا للدكتور همام رغبتهم في استعادة علاقاتهم المعهودة، وفتح صفحة جديدة مع عموم جماعات الاخوان المسلمين، بعد رحيل الملك عبدالله الذي كان قد اخذ على عاتقه وحده مهمة العداء للاخوان اكراماً لحلفائه من حكام مصر ودولة الامارات وسلطة رام الله.
الى عمان عاد همام مزهواً بهذه المساندة السعودية المادية والمعنوية الوازنة، وموقناً ان صراعه مع الافرقاء المشاغبين قد انحسم لصالح جماعته، ومراهناً على ان الضغوط الحكومية والامنية الاردنية عليه وعلى معسكره سوف تنحسر تدريجياً، نظراً لتأثر الاردن التقليدي بالمواقف والتوجهات السعودية، وحرصه الدائم على استرضائها وعدم التناقض مع سياساتها وتحالفاتها.
وفي اول اجتماع للمكتب التنفيذي الاخواني برئاسته، طلب همام الغاء حالة الطوارئ التي اتخذتها جماعته عقب انشقاق ذنيبات، والعودة بالتالي الى العمل وفق الاجندة العادية ومواقيتها المحددة سلفاً، حيث تقرر ان تجري خلال شهر كانون الاول المقبل انتخابات الشُعب الاخوانية، توطئة لاختيار مجلس شورى جديد للجماعة خلال شهر كانون الثاني من العام المقبل، وهو الشهر الذي سوف تنتهي فيه محكومية زكي بني ارشيد، نائب المراقب العام بالسجن لمدة عام ونصف العام.
معروف ان مجلس الشورى الجديد سوف ينتخب، خلال شهر اذار من العام القادم، مراقباً عاماً جديداً للجماعة، خلفاً للدكتور همام الذي ستنتهي ولايته آنذاك، ولا تجيز له اللوائح التنظيمية الاخوانية الترشح مرة اخرى، وقد بات في حكم المقرر ان يفوز بني ارشيد بهذا الموقع القيادي دون منافسة، وربما بالتزكية.
احد حكماء الجماعة وقادتها التاريخيين اعرب – بحضور ”المجد” – عن قناعته بان انتفاضة ذنيبات التي فشلت في شق صفوف الجماعة او الاستيلاء عليها، قد نجحت بالمقابل في ”تعرية” الجماعة الام وفضح ارتباطاتها الخارجية على حساب ولائها الداخلي والتزامها الوطني.
وقال ان قيادة همام مخطئة وواهمة جداً، اذا اعتقدت ان من شأن الاسناد الخارجي (السعودي- القطري- التركي) لها ان يعزز مواقعها ويضاعف اسهمها لدى النظام الاردني.. فالعكس هو الصحيح نظراً لان النظام يرى في هذه المساندة الخارجية للجماعة تدخلاً في صلب شؤون البلاد الداخلية، ومحاولة مرفوضة لتشكيل طابور خامس اخواني داخل البيت الاردني.
وقد نصح هذا الحكيم الاخواني المتقاعد لجماعة همام المشاركة في الانتخابات النيابية المقبلة في حال اجرائها وفق مشروع القانون الانتخابي الجديد، ليس لغرض التهدئة مع الدوائر الحاكمة فقط، بل ايضاً بقصد اشهار واظهار وزنها التنظيمي ونفوذها الشعبي وحصادها النيابي الوفير، قياساً بالنتائج المتواضعة التي يمكن ان تحصدها جمعية ذنيبات وجماعة زمزم لدى مشاركتهما في تلك الانتخابات.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. الحرية لرمز الحرية الشيخ القائد المجاهد زكي بني ارشيد. الله اكبر على كل الظالمين

زر الذهاب إلى الأعلى