يا مصر قومي وشدّي الحيل !!

”يا مصر قومي وشدي الحيل”.. اهزوجة عذبة وحميمة طالما تغنى بها فنان الشعب المصري الشيخ امام ورددتها من خلفه الجماهير العريضة، ولم يطف في خاطري افضل وابلغ منها لاستهلال هذا المقال المفعم بحب ”ام الدنيا” والحرص عليها، والدعاء الى الباري عز وجل ان ينصرها على العابثين بامنها، والمتآمرين على ترابها الوطني ودورها العربي وجيشها المغوار الذي لم يتبق في المشرق العربي غيره.
يا مصر قومي وشدي الحيل.. فانت الآن في عين العاصفة، وعلى رأس قائمة الدول المستهدفة التي تجتمع عليها، وتسعى لاصطيادها كل جماعات التكفير والتدمير الداعشية والاخوانية والصهيونية، لانها تعتبرها ”الصيد الثمين” او ”الجائزة الكبرى” التي يتجاوز مشروع تخريبها وابعاده وتأثيراته وارتداداته كل مشاريع التخريب الحاصلة والمتواصلة في العراق وسوريا وليبيا واليمن.
حين يغيب العقل ويسود الجهل وترى الناس سكارى وما هم بسكارى، نحتاج – بكل اسف- الى اعادة تأكيد المؤكد، وتعريف المعروف، وقراءة المقروء، واستحضار البديهيات والموروثات والمسلمات الجغرافية والتاريخية التي طالما حفظناها عن ظهر قلب، وابرزها قصيدة ”شاعر النيل” حافظ ابراهيم الذي هتك حجب الغيب واستار المستقبل حين اعلن قبل نحو قرن على لسان مصر..
أنا إن قدّر الالهُ مماتيْ                 لن ترى الشرقَ يرفعُ الرأسَ بعدي
نعم.. فمصر – على فقرها- هي درة العرب ودرعهم وسيفهم البتار.. هي قوتهم وقدوتهم وقائدتهم وقاعدتهم الراسخة المكينة.. هي ”نون الوقاية” التي تدرأ عنهم وتصون عرضهم وتحرس ارضهم وتحفظ كرامتهم، ولكن العجيب المفجع ان الاعداء والغرباء يعرفون قدر مصر، ويحسبون حسابها ويدركون حجم اهميتها وعبقريتها، باكثر مما يفعل الاشقاء في الدم والدين من امثال آل ثاني وآل عثمان وفلول الاخوان.
منذ بواكير ثورة 23 يوليو – وربما قبل ذلك – ادرك جمال عبدالناصر ان مصر دولة دور وحادية ركب وعربة قيادة ورافعة قومية كبرى.. ادرك ان اهميتها تنبع من دورها، وان قوتها ونهضتها منوطتان بقوة ونهضة امتها، وان امنها القومي لا يتحقق ضمن حدودها بل يمتد الى اقاصي بلاد الشام.. وبالمقابل ادرك القوميون العرب الاصلاء ان امتهم في غياب مصر محض جسم هلامي بلا عمود فقري، وارخبيل قبائل وكيانات مفتعلة ومفككة وتستقوي على بعضها بكسرى وقيصر.
من هنا يتعين على خارطة الطريق المصرية للقضاء على الجماعات الارهابية والاخوانية، ان تبدأ من الدائرة العربية، وربما قبل الدائرتين الداخلية والدولية.. فلولا التهاون العربي مع داعش واخواتها في العراق قبل عقد من الزمان، لما تمددت فيما بعد الى سوريا ولبنان والسعودية والكويت، ثم قفزت الى ليبيا وسيناء وقطاع غزة.. ولولا الرعاية والتمويل والتدليل السعودي والخليجي والاردني والسوداني لجماعة الاخوان المسلمين منذ عشرات السنين، لما تمردت وتنمردت وعضت الايدي التي احسنت لها، وحولت جمهورها، بعد سقوط حكمها في ارض الكنانة، الى حقول الغام وبراميل بارود لا تستهدف اسقاط نظام الرئيس السيسي، كما تدعي، بل اسقاط الدولة المصرية برمتها.
يعرف ابسط مفكر او مدقق استراتيجي ان البيت المصري المدقع والمكدود منذ ايام حسني مبارك، والمتهالك والمتداعي البنيان بتٌّأثير دوامة اربع سنوات صاخبات، لن يتحمل اية هزات ارضية وارتدادات اضافية، ولن يستطيع الصمود والتماسك والحفاظ على وحدته الجغرافية والديموغرافية، فيما لو سقط نظام الحكم القائم، ليس لما يتمتع به هذا النظام من خصائص ومميزات ايجابية فحسب، بل ايضاً لان الازمات السياسية، والمعضلات الاقتصادية والمعاشية، والاحتقانات النفسية والاجتماعية، والاختلافات الشعبية والنخبوية، مرشحة جميعها للتفاقم والانفجار والانحدار بالبلاد والعباد نحو الفوضى والانفلات والاطاحة بمركزية الدولة.
مصر اليوم تجتاز مرحلة حرجة وبالغة الصعوبة، وتمر بحالة دقيقة وحساسة تراوح بين معارج الامل ومهاوي الفشل، وتجاهد على مدار الساعة للمقاربة – مجرد مقاربة – بين ضخامة التحديات وضآلة الامكانيات، وتتعرض في عهدها الجديد لمنظومة كاملة من الضغوط والكمائن والاختراقات والمؤامرات السياسية والعسكرية والامنية وحتى المائية التي من شأنها تسعير التجاذبات الداخلية، ومضاعفة الاعباء الحكومية، واضعاف القوات المسلحة والاجهزة الامنية، وضرب الدولة في صميم هيبتها وسلطتها، والحاقها بركب الدول العربية المنهارة والفاشلة والعاجزة عن تدبر امرها وصون سيادتها وحماية شعبها.
قبل بضعة ايام، ولدى اعلانه حالة الطوارئ في بلاده، تحلى الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي باعلى درجات الصدق والشجاعة السياسية والمسؤولية الوطنية، حين اعترف على الملأ بان الدولة التونسية معرضة للانهيار في حال تكرار امثال عملية سوسة الارهابية، ثم ما لبث ان طلب عون العالم ودعمه لان تونس عاجزة بمفردها عن دحر الارهاب الذي يتهددها.. غير انه لم يوسع بيكار ”شجاعة الاعتراف” ليتطرق الى دور حركة الغنوشي ورئاسة المرزوقي في اطلاق غول الارهاب التونسي منذ اربع سنوات وتصديره، عبر اخوان اردوغان، الى الساحتين السورية والعراقية، دون الاخذ بالحسبان خطر امتدادات وتداعيات هذا الغول المتوحش والمتعدد الرؤوس على الساحة التونسية ذاتها.
في امتحان – او محنة – الربيع المزعوم، رسب النظام العربي في كل المواد والمقررات، واخفق في كل الاجوبة عن اسئلة المواجهة والتحدي الميداني، وبرهن انه محض نظام كرتوني هش وسريع العطب رغم شراسة انيابه وذئابه الامنية، كما اثبت ان ”دولته القُطرية” التي طالما تغنى ببأسها ورسوخها، ليست سوى هياكل وخرائب ومسقفات فارغة ومجوفة وقائمة على ركائز من الوهم، ومنفصلة تماماً عن الشعب، وفاقدة للمناعة الوطنية والجدارة الاخلاقية وباقي مستلزمات الصمود والثبات والاستمرارية.
شطحنا واسرفنا في الاستطراد، غير اننا في عود على بدء، نتوجه للقيادة المصرية برجاء استعادة دور مصر التاريخي في جمع الصف العربي، واحياء الامن القومي الجماعي، واجراء اوسع حملة مصالحات وتنازلات متبادلة داخل البيت العربي.. فليس من المعقول او المقبول ان يتمكن الدواعش والاخوان وباقي العصابات التكفيرية من تجميع كل الاشرار، واستقطاب مختلف جماعات الذبح والارهاب في العالم، بينما تعجز مصر وبقية الاقطار العربية عن جمع الكلمة وتوحيد الصف وتحديد الهدف واعادة بناء التضامن العربي والعمل القومي المشترك، ولو بحكم الضرورة ومن قبيل الدفاع عن المصير، والتصدي لطاعون الارهاب الداهم الذي لم تشهد له الديار العربية مثيلاً منذ الغزوات الهمجية الصليبية والتتارية والمغولية.
أليس الرئيس المصري اولى من الرئيس الروسي بالدعوة والعمل للمصالحة بين سوريا والسعودية، وفتح صفحة جديدة من صفحات التعاون بينهما ولو على صعيد الاجندة الامنية فقط ؟؟ أليست مصر اولى من الصين وايران وروسيا وفنزويلا في دعم صمود سوريا، ومؤازرة جيشها – الجيش الاول وفق تسمية عبدالناصر- الذي يضع دمه على كفه منذ سنين، ويدافع عن امن مصر والعرب من خلال دفاعه عن بلاده ؟؟
وعليه.. لا سبيل لاستئصال هذا الطاعون الداعشي الذي يتفشى يومياً بين ظهراني الوطن العربي باسره، الا عبر الجهود الجماعية، وغرف العمليات العسكرية والاستخبارية العربية المشتركة، وتنسيق المواقف وتبادل المعلومات مع دول العالم التي تحارب الارهاب وتدرك انه لم يعد يهدد الشرق الاوسط وحده بل يستهدف القارات الخمس.. ذلك لانه كائن شيطاني يتعشق الدم، ويهوى النحر والانتحار، ويمارس القتل وليس القتال، ويرتكب المجازر وليس المعارك، ويقترف الاعمال الوحشية وليس العمليات العسكرية، ويتصف بشراسة الكلاب المسعورة وليس شجاعة الاسود الهصورة.
وفي الختام تعظيم سلام للجيش الذي انجب جمال عبدالناصر.. وتحية حارة للشيخ امام واهزوجته ”يا مصر قومي وشدي الحيل”، والله الموفق.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. مسرور انا جدا اليوم لعروجي على جامعة المجد الالكترونية الا انني لا استغني عن نسختي الورقية منها لاني ادمنت رائحة حبرها القومي شديد الاريج والشذا كعميدها وقائدها وفهد عروبتنا الاستاذ فهد الريماوي .
    انا لا اجاملك ولكن اللي بالرجال ينعد يا سيد الرجال بزمن الرويبضات وهم كثر يا سيدي .

زر الذهاب إلى الأعلى