تدويل للتنازلات…وتنازلات يؤسس عليها!

بغض النظر عن المصير الذي ينتظر مشروع القرار العربي المقدم لمجلس الأمن الدولي لتصفية القضية الفلسطينية…أمرر، بعد اجراء المزيد من التعديلات والتبديلات، أو ما دعيت ب”التليينات”، الهادفة لتفريغه من بعض مضامينه التي تبدت في صيغته الأصلية على بؤسها، وهذا ما جرى  وابدى مقدموه انفتاحهم واستعدادهم للمزيد منه. أم هو لم يحصل على اغلبية التسعة اصوات المطلوبة للتصويت عليه، وهذا هو حاله الآن، وبالتالى سقط على اعتاب المجلس ولم يتجاوزها. أو أنه أُوجِّل الى ما بعد نهاية الانتخابات الصهيونية وفقاً للرغبة الأميركية، ولعل الاستجابة لها هى الأغلب. أو أخيراً ارداه الفيتو الأميركي المشرَّع سلفاً في انتظاره، لكنما لايبدو أن اصحابه في حاجة للجوء اليه، إذ من البدء والجهود منصبَّة لاتاحة تفاديهم لذلك…بغض النظر عن مصير هذا القرار، وفي أيٍ واحدة من الحالات التي مر ذكرها، فهو مبدئياً، وفي صيغته الأصل، ناهيك عما لحقها فيما بعد من تشذيب وتليين، قد أقدم على خطوات تنازلية أوسلوية جديدة حظيت بغطاء عربي تسووي كالعادة، وتشجيع جهود أوروبية احتيالية متحمِّسة، ورعاية أميركية إيحائية غير مباشرة…خطوات إذ لايمكن وصفها بغير التنازلية، فإن ما يزيد طينها بلة أنها لسوف تؤسس لأخرى لاحقة، تبدأ من حيث سوف يصعب بعدها على  اصحاب خيار المفاوضات الذي مامن خيار لديهم عداه تجاوزها، وتنتهي بما ستتيحه للصهاينة من بناء عليها، أو استدرار للمزيد من تنازلات المتنازلين انطلاقاً منها واستناداً اليها. واجمالاً كل ما يعني أن هكذا مشروع لهكذا قرار، وحتى لوسقط أو أُسقط، فإنه قد بات من الآن مرجعيةً لأية مفاوضات لاحقة متوقعة، لاسيما وأن اصحابه لم يتوجَّهوا اصلاً للأمم المتحدة إلا طلباً لها وتسهيلاً لعودتهم اليها، أو أملاً في تحسين شروط هذه العودة…ماهى هذه التنازلات؟!

بداية، إنه لمن المتضح والذي لا من لبس فيه أن مشروع القرار المقدم، والذي لايزال القابل للمزيد من التنقيح والتليين والمساومة، قد شكَّل هبوطاً بيِّناً في مستوى مطالب مقدميه المعهودة وانحداراً أكثر في سقفها فاق ما كان عليه سابقاً من انحدار، وصولاً إلى درك ماهو دون ما كانت قد منحتهم إياه ما ظلوا يراهنون عليها ويدعونها ب”الشرعية الدولية”، في اشارة منهم لقرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالقضية، مع تحفظاتنا على عوار عدالتها الشائن. كما لاحاجة للقول بأن هاته المطالب كانت دون ما تنص عليه المواثيق والقوانين والأعراف الدولية الضامنة اصلاً لحق العودة وتقرير المصير واقامة الدولة، ناهيك عن كفلانها المفترض لحق مقاومة المحتل وشرعنتها المفترضة لحق تحرير الشعوب لأرضها المحتلة…أما التنازلات فمن غيض فيضها ما يلي:

تحدث القرار عن تفاوض “يستند” الى حدود الرابع  من يونيو 1967، وليس على اساس خطوطه كما كانوا يرددون سابقاً، وهذا بحد ذاته، إلى جانب كلامه عن تبادل للأراضي، فيه ما قد يفضي، وفي سياق معهود التفاوض بموازينه القائمة وخيمة رعايته إياها، إلى مشاريع ليبرمان الهادفة للتخلص من جزء من فلسطينيي المحتل من فلسطين في العام 1948، وإلى ضم مستعمرات الضفة الى الكيان الصهيوني. وهو إذ تعرَّض للقدس فقد ذكرها كعاصمة لدولتين مع اغفاله متعمداً التحديد هنا، أي متخلياً عن ذكر القدس الشرقية عاصمةً للدولة الفلسطينية كما كانت هى العادة سابقاً، بمعنى أن الأوسلويين قد يقبلون الآن بأن يعطيهم الصهاينة بضعة احياء من اطرافها يريدون التخلص من فلسطينييها، أو من تلك التي تقع في ضواحيها المحاطة بالمستعمرات المشكلة الآن لما باتت تعرف بالقدس الكبرى، ويقولون لهم سموها قدسكم واجعلوها عاصمة لكنتوناتكم! هذا إذا اعطوهم اصلاً شيئاً في معهود مفاوضات لايريدها الصهاينة إلا من اجل المفاوضات…

…كما يمكننا أن نستطرد فنقول، وإنه لتلقائي ومن تحصيل الحاصل تخليهم في مشروع قرارهم هذا عن حق العودة عندما يقرنونه بالمبادرة العربية وحلها “المتفق عليه”، أي الذي يُشترط قبول الصهاينة المستحيل به. ثم أوليس في نص القرار على وجوب التوقف عن ما دعاه “الخطوات الآحادية” من قبل الطرفين ما سوف يحرم الأوسلويين مما درجوا على المراوحة بين التلويح والتهديد به دون الإقدام عليه، وهو التخلي عن التزاماتهم الأمنية اتجاه أمن المحتلين، والانضمام لمحكمة العدل الدولية وسائرالمعاهدات الأممية الأخرى؟! وأخيراً مالذي يلزم الصهاينة بمثل هكذا قرار حتى لومُرر فرضاً؟! ثم لماذا لم يجروء مقدموه على ذكر الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة؟!

لاحاجة للقول، إن هذه التنازلات، قد جرت من وراء ظهر الشعب الفلسطيني، وهى في هذا، كانت تماماً مثلها مثل كافة ما كانت قد سبقتها من تنازلات توالت في مسلسل مدمر تلاحقت حلقاته اعقب الكارثة الأوسلوية وجرت عقابيلة وفقاً لإيقاعاتها، لكنما، وهنا الحق يقال، كانت ارهاصاته قد بدأت مبكرةً فكانت السابقة عليها فالممهدة لها، بل ويمكن القول أنها ترقى إلى البرنامج المرحلي في العام 1974. والأدهى أن مثل هكذا خطوات تتعلق بمصير شعب ووطن وقضية هى بحجم القضية العربية في فلسطين وسمو عدالتها تنفرد باتخاذ قراراتها مجموعة قابعة تحت احتلال، بل حتى تفرَّد باتخاذها فرد تشتكي مجموعته نفسها بأنه لايعود اليها…ناهيك عن معتاد الاهمال الكامل لمواقف قوى هذا الشعب وفصائله، المقاومة منها والمعارضة، والتى، من أسف، قد عجزت في اغلبها عن ماهو الأكثر من الإجماع على شجب مثل هذا التفرد ورفضها لما تضمنه مشروع هذا القرار رهن التليين من تنازلات…لكنها تنازلات سوف تظل غير الملزمة لشعب مقاوم مثل الشعب الفلسطيني…

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى