نستبشر برئاسة السيسي ونستذكر درس صدام حسين ونحذر من العسل السعودي !!

من حقنا – وربما من واجبنا – ان نحض انفسنا على التفاؤل، ونحرضها على الفرح والاستبشار، ونحثها على التزود بمناظير ونظارات وردية، لاستطلاع وتشوف معالم الغد العربي القادم في ركاب المتغيرات المصرية الاخيرة، التي يأمل الكثيرون منا ان تشكل رافعة للاوضاع العربية المتردية، وجامعة للشتات القومي البائس، ورادعة للاعداء المتكالبين على امتنا من كل حدب وصوب.
من حقنا الاعتقاد ان وجود المشير عبد الفتاح السيسي في سدة الرئاسة المصرية، بموجب اغلبية انتخابية وشعبية كاسحة، لا يشكل فرصة مواتية لاستنهاض مصر وحدها فقط بل لاستنهاض الامة العربية ايضاً، وان السيسي نفسه لن يتطور ويتجوهر ويتعاظم شأنه من خلال تلبيته للتطلعات والوقائع والمتطلبات المصرية فحسب، بل عبر استجابته للاماني والهموم والاهتمامات العربية ايضاً.
بديهي ان ما يحدث في مصر سوف ينعكس، بحكم موقعها الجغرافي ودورها التاريخي، على امتها العربية سلباً وايجاباً.. ولكن البديهي ايضاً ان ما يحدث في الوطن العربي لا بد ان ينعكس على مصر بدرجة كبيرة، ليس فقط لاعتبارات عروبية، بل تبعاً لنظرية ”الاواني المستطرقة” ايضاً، ولعل ثورة 25 يناير التي استنسخها المصريون من ثورة الياسمين التونسية، خير برهان واقرب دليل.
لقد اخطأ انور السادات خطأ استراتيجياً جسيماً حين توهم ان ”العرب جرب”، وتمرد على قواعد المشروع القومي الناصري وشروطه وحيثياته، وحاول اخراج مصر من عروبتها والحاقها بالمحور الامريكي – الاوروبي – الصهيوني.. فكان ان خسرت مصر بمثل ما خسر العرب، وفقدت من وزنها وقيمتها واهميتها بقدر ما فقدوا، وتكبدت من الويلات والازمات والانكسارات السياسية والاقتصادية والامنية بحجم ما تحملوا ومستوى ما تكبدوا.
فعلياً، لم يدرك السادات ان عبد الناصر ذاته كان صناعة مصرية بقدر ما هو صناعة عربية، وان قوته وهيبته وزعامته قد جاءت ثمرة لتفاعل ابداعي خلاق بين ما هو وطني مصري وقومي عربي، وان مصر قد شكلت نقطة الارتكاز وحجر الزاوية فقط في المشروع النهضوي الوحدوي الناصري الذي تم ترسيمه وتصميمه على مقاس الوطن العربي بأسره.. وليس من شك ان السادات الذي مات مقتولاً لم يخسر وزنه الوطني داخل مصر، الا بعد ان خسر وزنه النوعي والاعتباري في العالم العربي.
ليس المهم ان تكون خلفية السيسي مدنية او عسكرية، او تكون منطلقاته ايمانية او علمانية، بل المهم انه قد ادرك ما لم يدركه السادات ومن بعده حسني مبارك ومرسي العياط.. فقد ادرك ان مصر لن تحلق مجدداً في آفاق النهوض والانطلاق الا بجناحين : مصري وعربي، وانها لن تقوى على استعادة ذاتها القيادية، واسترجاع قوتها السياسية والعسكرية والاقتصادية الا عبر تلازم وتداخل المسارين الوطني والقومي.
من حق الرئيس السيسي ان يعطي الاولوية والافضلية لمعالجة القضايا والتحديات الداخلية، وان ينشغل اولاً واساساً باجتراح المخارج والحلول للازمات والهموم المعاشية التي يكابدها ملايين المصريين الكادحين.. غير انه سوف يكتشف بملموس التجربة ان البُعد العربي حاضر وموجود في صلب اغلب القضايا والمسائل الداخلية المصرية، وان التعاون والتكامل والتنسيق المصري مع باقي مكونات الجسم العربي يشكل اقصر الطرق للخروج بمصر والعرب كافة من المحن والمصاعب والازمات التي تأخذ حالياً بخناق الجميع، ويصعب على اي قطر عربي ان يتمكن من قهرها والتغلب عليها بمفرده مهما اوتي من القوة والثروة.
قبل عام واحد، لم يكن الكثير من العرب يعرف السيسي ويعول عليه، ولم يكن الكثير من المصريين واثقاً من قدرته على تخليص مصر من ربقة الحكم الاخواني البغيض.. غير ان الرجل سرعان ما اثبت جدارة عالية، وحصد شعبية كاسحة، وتبوأ ذروة المجد، حين استجاب بحزم وامتثل دون تردد لرغبة غالبية المصريين في وضع حد لحماقات مرسي العياط، واخونة الدولة المصرية، وتفاقم الفتنة الطائفية، وتدهور الوضع الامني وتصاعد نذر ومؤشرات الحرب الاهلية.
وقياساً على ما كان يمكننا التنبٌّؤ بما سيكون من امر هذا الرجل المقدام الذي يبدو انه يعرف تماماً ما يريد، ويعني بالضبط ما يقول، ويستعد لتجشم اكبر الصعاب وتحمل اعتى المسؤوليات، ويراهن على وطنية الشعب المصري وجاهزيته للعمل والعطاء، ويوسع دائرة بيكاره العربي لتشمل ما بين المحيط والخليج، ويطمح في خلافة جمال عبدالناصر واستنساخ زعامته ودخول التاريخ المصري من اوسع ابوابه.
وعليه.. ولان الذكرى تنفع المؤمنين، والنصيحة تنير دروب المثابرين، فلعل اول وأهم ما نرجوه ونتمناه لهذا الرئيس الفدائي الذي استعاد هالات الكاريزما العربية بعد طول غياب واحتجاب، ان يتوفق بفضل الله في مساعيه، وان يدقق بروية وامعان في خياراته، وان يحدق بالبصر والبصيرة في بواطن الامور وخباياها قبل ظواهرها وعلانياتها، وان يفرق – بخبرة رجل استخبارات محنك – بين اعداء الداء ينتحلون سمات الاصدقاء وصفات الاشقاء، وبين اصدقاء حميمين واشقاء حقيقيين نجحت حملات الشيطنة والتشويه في وضعهم على لائحة الخصوم، وادراجهم ضمن قائمة الاعداء.
كم من زعماء العالم وعظماء التاريخ وقعوا، غير مرة، في ربقة الخطأ، وتنكبوا جادة الصواب، وتورطوا فيما لم تُحمد عقباه، لا لعيب فيهم، او لضعف في خبرتهم وكفاءتهم وقوة تفكيرهم، بل لان هناك من قلب لهم الوقائع، وحجب عنهم الحقائق، واوغر منهم الصدور، ومارس عليهم التضليل والخداع، وزين لهم ابتلاع السم بوصفه عسلاً، واجتناب الخير بوصفه شراً، وتقريب العدو باعتباره صديقاً، ومجافاة الصديق باعتباره عدواً.
من هنا يتعين علينا، ونحن نناشد الرئيس السيسي سرعة الاهتمام بالشأن العربي، ان نحذره من تناول العسل السعودي المسموم وتقبل الغزل الخليجي الكاذب، وان نذكره بدرس الرئيس الشهيد صدام حسين الذي اكلوه لحماً ورموه عظماً.. اغدقوا عليه المدائح والاموال حتى ورطوه واستنزفوا قواته في حرب طاحنة مع ايران ثم ما لبثوا ان تحالفوا عليه مع الامريكان الذين انطلقت جحافلهم وطائراتهم لدك العراق من حفر الباطن، وها هم اليوم يعكسون اللعبة ويستنزفون ايران في العراق بمخالب داعشية.
”ومن الحب ما قتل”.. هكذا قالت العرب قديماً عن الحب الحقيقي، فما بالك بالحب السعودي المزيف والموظف لزج الرئيس السيسي وبلاده في سعير عداوة ضارية مع ايران، وحثه على اقتراف ما سبق للرئيس الامريكي اوباما ان رفض اقترافه وتحمل تبعاته، بل بادر للقيام بعكسه حين دخلت واشنطن وباقي العواصم الاوروبية في حوار سياسي مطول مع طهران بخصوص منشآتها النووية وقضايا اخرى.
لسنا مغرمين بايران، ولسنا غافلين عن احتلالها للاحواز والجزر الاماراتية الثلاث.. غير اننا نستطيع بحكم الجوار التاريخي والرابط الاسلامي حل نزاعنا الحدودي معها بالحوار وليس اطلاق النار.. على العكس من الوضع العربي التناحري مع العدو الاسرائيلي، الذي يراد لنا استبداله بايران، والاستقواء به عليها، بالرغم من انه عدو وجودي توراتي استراتيجي لا يفهم غير لغة القوة، ولا سبيل لدحره وحسم الصراع الفلسطيني والعربي معه عبر التفاوض والحوار وباقي مفردات الحلول السلمية والسياسية.
مشكلة القيادة السعودية انها عدوانية ولكنها ضعيفة ومتخلفة، فنوازع الشر لديها اكبر واكثر من عناصر قوتها وسطوتها، ولهذا فهي دائبة البحث عمن تشتريهم او تستأجرهم لينوبوا عنها في تنفيذ مآربها الشريرة ومخططاتها الدموية والتخريبية.. حدث ذلك مع باكستان والعراق والاخوان المسلمين وتنظيم القاعدة والملكيين في اليمن، وحتى مع امريكا بوش الاب والابن، ومن قبلها امريكا جونسون التي دعاها الملك فيصل بن عبد العزيز لتأليب اسرائيل على مهاجمة مصر عبد الناصر عام 1967.
وكما لا يجوز الجمع بين الصيف والشتاء على سطح واحد، او بين القداسة والنجاسة في ذات المكان، فانه لا يجوز ولا يمكن الجمع بين الهوية الناصرية والصداقة السعودية في آن واحد.. فالناصرية مشعل رقي وضياء وعطاء وكفاح وانفتاح، بينما ”السعدنة الوهابية” كهف تخلف وتنبلة وتبعية وانحطاط وانغلاق.. وقد حاول جمال عبدالناصر في بدايات عهده نسج علاقة ودية واخوية مع حكام السعودية، ولكنه اكتشف في ضوء التجربة المرة، انهم غادرون ماكرون ناكرون للجميل، وناكثون بالعهود، وطعانون في الظهر، ومتضلعون في صناعة المكائد والمصائد والالغام والخوازيق.
وبعد..
نعوذ بالله من المتعجلين الذين يريدون من الرئيس السيسي ان يقول للشيء كن فيكون.. ومن المتربصين الذين يتأهبون لتصيد ما قد يصدر عنه من اخطاء وهفوات.. ومن الخاملين المتواكلين الذين يريدون له ان يقاتل وحده بينما هم قاعدون.. ومن اليائسين المتشككين والمراهنين- بل المتلهفين – على عجزه وفشل مساعيه ومراميه في انقاذ البلاد وانهاض العباد وانعاش الروح المعنوية.
ومع بالغ تحفظنا واعتراضنا على تعهداته باحترام معاهدة كامب ديفيد المشؤومة.. الا اننا نبارك لهذا القائد الواعد رئاسته لجمهورية مصر العربية، ونستبشر بعهده خيراً، ونعلق عليه اوسع الآمال، ونتوسم ان يضع نفسه فوق الخلافات العربية، ونناشده الاسراع في رفع شعار ”الاصلاح والمصالحة”، ليس على الصعيد المصري وحده، بل على المستوى العربي بأسره.. والله الموفق.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. حرام عليك يا رجل والله اني كنت من المعجبين بأرائك وكتاباتك وكنت اوضب على قراءة المجد في كل عدد منها بس موقفك من المدعو السيسي غير كل افكاري عنك والله يا استاذ فهد مافي دولة حكمها العسكر وشافت الخير والله مرسي ومبارك افضل من المدعو سيسي الف مرة

زر الذهاب إلى الأعلى