تحرير شمال غرب سورية من الإرهاب وأولى العواصف من معرة النعمان

بعد أن أحكم الجيش العربي السوري وحلفاؤه الحصار على مدينة معرة النعمان خلال الأسبوع الماضي، من خلال التقدم على الطريق الدولي “أم 5 حلب دمشق” الواصل بين المعرة وسراقب، والتقدم على الطريق الواصل بين المعرة وأريحا، وكذلك الطريق الواصل بين المعرة وكفرنبل.
تمكن الجيش العربي السوري من تحرير مدينة معرة النعمان بالكامل، ومن طَرْدِ فلول التنظيمات الإرهابية السورية المسلحة، “هيئة تحرير الشام”(جبهة النصرة ) و أخواتها ، فجر يوم الأربعاء29كانون الثاني/يناير 2020، التي أخلت كامل مواقعها في مدينة النعمان بمحافظة أدلب شمال غربي سورية، بعد ساعات من اشتباكات عنيفة على أطراف المدينة.
الجيش العربي السوري واستراتيجية التحرير
ويُعَدُّ تحرير مدينة معرة النعمان التي سيطرت عليها فصائل المعارضة السورية المسلحة منذ تشرين الأول / أكتوبر عام 2012، تحولاً استراتيجيًا مهمًا في معارك تحرير كامل الشمال الغربي لسورية الذي لا تزال تتمركز فيه بقايا الجماعات الإرهابية المدعومة من تركيا والولايات المتحدة الأمريكية.
فمعرة النعمان تُعَدُّ، كبرى مدن محافظة إدلب من جهة الجنوب، وتتمتع بأهمية استراتيجية ، بالنظر لموقعها الحيوي على الطريق الدولي (حلب – دمشق) المشار إليه بالطريق “أم 5”.فالسيطرة على معرة النعمان من ناحية ميدانية، يفسح في المجال لقوات الجيش العربي السوري و حلفائه الاستمرار في الهجوم نحو السيطرة على مدن سراقب من جهة الشمال، وأريحا من الشمال الغربي، ومن ثم الانطلاق نحو مدينة جسر الشغور، بالإضافة إلى أنَّ المعرة ستكون بوابة لتوغل الجيش السوري في قرى جبل الزاوية، حيث يُعَدُّ هذا الأخير مع مدينتي أريحا وسراقب، آخر معاقل الجماعات الإرهابية المسلحة في ريفَي إدلب الجنوبي والجنوبي الشرقي، وفي حال التقدم نحو أريحا الواقعة على الطريق الدولي “أم 4 حلب اللاذقية” يكون الطريق مفتوحاً أمام الجيش السوري للدخول إلى مدينة إدلب.
من وجهة نظر المحللين الاستراتيجيين في إقليم الشرق الأوسط،بعد تحرير مدينة معرة النعمان ، ستكون المحطة المقبلة للجيش العربي السوري وحلفائه تحرير مدينة سراقب شمالاً،التي تتميز بأنها تقع على تقاطع “أم4″ و”أم5″،والتي ستلقى مصيرًا مشابهًا لمصير مدينة معرة النعمان، إذ يتقدم الجيش السوري باتجاهها بعدما سيطر على قرى بابيلا، والدانة، ومعصران، والصوامع، وبات على تخوم بلدة خان السبل التي تعد المحطة قبل الأخيرة باتجاه سراقب في عمق محافظة إدلب والريف الأوسط منها، والعقدة الرئيسية لتقاطع الطريقين الدوليين (الحسكة – حلب – اللاذقية) المشار إليه بطريق الـ”أم 4″ وطريق (دمشق – حلب) المشار إليه بطريق الـ”أم 5” الذي يَمْتَدُ لمسافة 105 كم من النقطة التي يدخل فيها من حلب إلى إدلب حتى مورك في أقصى الجنوب، ويقع الآن 65 كم من هذا الطريق أصبح بسيطرة الجيش العربي السوري.
وفضلاً عن ذلك، ستكون مدينة أريحا، غربي إدلب، والواقعة على طريق (حلب – اللاذقية)، الهدف المقبل للجيش العربي السوري و حلفائه بعد السيطرة على معرة النعمان وقرية الدانة التي تقع شمالها إلى الغرب قليلاً، ولا سيما في حال تقدمت القوات الحكومية السورية نحو قرى حنتوتين وبينين، غرب معرة النعمان، بعد السيطرة عليها، ما سيجعل الطريق مفتوحاً باتجاه أريحا، بانتظار حجم المقاومة التي ستبديها الجماعات الإرهابية في القرى والبلدات على طريق معرة النعمان – أريحا.
وتُعَدُّ مدينة جسر الشغور،التي تُعَدُّ أيضًا بوابة اللاذقية على الطريق السريع “أم4″،الهدف الاستراتيجي الآخر للجيش العربي السوري في الفترة المقبلة.وإذَا تَمَكَّنَ الجيش العربي السوري من السيطرة على “أم4″و “أم5″، فإنَّهُ سيكون على أبواب مدينة إدلب.عِلْمًا أنَّ كامل الطريق السريع “أم4” يَمْتَدُ من دمشق حتى الحدود العراقية، كما أنه أيضا أصبح الحدَّ الفاصل بين قوات “نبع السلام” شمال شرق سورية، وقوات الدولة الوطنية السورية .و لن يكتفي الجيش العربي السوري بالسيطرة على الطريق السريع “أم4″، بل سيواصل المضي قدمًا في استراتيجية التحرير حتى يطرد كل جيوب الإرهابيين من مدينة إدلب، و يعيدها إلى سيادة الدولة الوطنية السورية.
ورغم أنَّ معرة النعمان وريفها تُعَدُّ جُزْءًا من “منطقة خفض التصعيد الرابعة” المتفق عليها بين روسيا وتركيا وإيران ضمن مباحثات مسار أستانا، والتي تم تثبيتها في لقاء سوتشي في أيلول/ سبتمبر 2018 بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان، وتضم كامل محافظة إدلب وأجزاءً من أرياف حلب الغربي والجنوبي، واللاذقية الشرقي، وحماه الشمالي، فإنّ نظام أردوغان رفض تطبيق تلك الاتفاقيات، لا سيما في الشق المتعلق بفتح الطريقين الدوليين (حلب واللاذقية) و(حماه وحلب) اللذين يمران في محافظة إدلب ،ويعتبران شريان الحياة الاقتصاية في سورية، و كذلك ونزع الأسلحة الثقيلة من دبابات وصواريخ ومدافع هاون التي بحوزة الجماعات الإرهابية، وعلى رأسها “هيئة تحرير الشام”(جبهة النصرة سابقا).
وهذا ما جعل الجيش العربي السوري وحلفائه يشنون هجومًا استراتيجيًا نحو ريف حماة في معارك بدأت في نيسان/ إبريل من العام الماضي، وسيطروا على الكثير من المدن والبلدات، أهمها قلعة المضيق وكفرنبودة، وواصلوا التقدم نحو ريف إدلب الجنوبي، وسيطروا على العديد من القرى والمدن، أهمها خان شيخون والهبيط، قبل إيقاف المعارك في آب/ أغسطس من العام 2019، إلا أن قوات الجيش العربي السوري وحلفاءها استأنفوا المعارك في تشرين الأول/ أكتوبر من العام الماضي، من محاور جنوبي شرق إدلب وسيطروا على حوالي 50 قرية وبلدة، أهمها مدينة معرة النعمان.
شجاعة أردوغان اليائسة في الدفاع عن الإرهابيين
بعد تحرير معرة النعمان، وهزيمة الجماعات الإرهابية المدعومة من تركيا و أمريكا ،وقطر، أقرّالسلطان العثماني الجديد رجب طيب أردوغان بعجزه عن مواصلة دعم التنظيمات الإرهابية في سورية، يوم الأربعاء الماضي ، جاء ذلك خلال لقاء جمع أردوغان مع عدد من الصحافيين على متن طائرة الرئاسة التركية، أثناء عودته من جولة أفريقية اختتمها في السنغال، وفق ما ذكرته وكالة “الأناضول”،إذْقال أردوغان: “لم يتبق شيء اسمه مسار أستانة. علينا نحن تركيا وروسيا وإيران، إحياؤه مجددا، والنظر في ما يمكن أن نفعله”.
وأضاف قائلا: “في حال التزمت روسيا باتفاقي سوتشي وأستانة، فإنَّ تركيا ستواصل الالتزام بهما. روسيا لم تلتزم حتى الآن بالاتفاقين”.وقال الرئيس التركي إنَّ “المسؤولين الأتراك يواصلون التشاور مع نظرائهم الروس حول الأوضاع في إدلب، ونقول للروس أوقفوا هذه الهجمات، وإلا فإنَّ صبرنا بدأ ينفد، وسنقوم بما يلزم”.
وردًّا على ادعاءات موسكو حول مكافحتها الإرهاب في إدلب، قال أردوغان: “من هم الإرهابيون، هل تسمّون الذين يدافعون عن أراضيهم وديارهم إرهابيين، هؤلاء مقاومون، ولو سألتهم عن الأربعة ملايين سوري الموجودين حاليا في تركيا، لقالوا إن هؤلاء أيضا إرهابيون”.
ويشار إلى أن تركيا تنشر عدة نقاط مراقبة في إدلب ومحيطها بناء على التفاهمات الموقعة مع الدول الضامنة لمسار أستانة.
من هي القوى الحليفة للجيش العربي السوري ؟
في سورية تتصارع جبهتان ، الأولى وتتكون من الجماعات الإرهابية المتعددة الجنسيات التي تشكل الجيل الرابع من الإرهابيين، والذين يخوضون الحرب بالوكالة عن الدول الغربية و الإقليمية الداعمة لهم ،لتنفيذ المخطط الأمريكي- الصهيوني-التركي-القطري و الخليجي من أجل تقسيم الدولة الوطنية السورية إلى دويلات صغيرة قائمة على أساس طائفي ومذهبي وعرقي.
أما الجبهة الثانية، فتتكون من الجيش العربي السوري الذي يخوض حربًا تحريرية لكل المناطق و المدن التي وقعت تحت سيطرة التنظيمات الإرهابية المسلحة ، ويعتمد بشكلٍ رئيسٍ على القوات الخاصة وقوات الفرقة الرابعة، والقوات التابعة لها مثل “قوات النمر” و”قوات النخبة”، التي تتبع للقوات الخاصة، ويقودها الجنرال المعروف سهيل الحسن.
وتتكون القوى الحليفة للجيش السوري، من القوات الروسية التي تشارك في العمليات الحربية من خلال الغارات الجوية والقصف الصاروخي بعيد المدى من القواعد الروسية، إضافة لمشاركة ضباط خبراء ومقاتلين من الجيش الروسي في هذه الحرب، و المنضوين في قوات “الفيلق الخامس” المدعوم من روسيا، والذي بات يضم في صفوفه عدداً كبيراً من مقاتلي فصائل المعارضة السابقين ممن أجروا “تسوية ومصالحة”، وقوات “الدفاع الوطني” المنقسمة بين الدعم الإيراني والروسي والدعم المحلي من قبل موالين للدولة الوطنية السورية.
ويُضاف إلى جانب تلك القوى “لواء القدس الفلسطيني” الذي يضم المجندون الفلسطينيون ، ومعظمهم من سكان مخيم مدينة حلب، وهم ضمن الجيش العربي السوري .
أما عن القوى العربية غير السورية، فيأتي على رأسها قوات “حزب الله” اللبناني، ثم القوات العراقية ، وعلى رأسها “حركة النجباء” و”فاطميون” و”لواء بدر” و”عصائب أهل الحق” و”كتائب أهل الحق” و”حركة الابدال” و”كتائب الإمام علي” و”قوات المرتضى” و”لواء البعث” و”زينبيون”، حيث تتلقى هذه القوى الدعم من إيران ،وتتركز بشكل أكبر في محاور ريف حلب الجنوبي والغربي والشمالي الغربي، وخاصة في محاور خان طومان وخلصة والزربة والعيس والراشدين والبحوث العملية وحلب الجديدة، بينما يتركز عمل الجيش العربي السوري بشكل أكبر في محاور ريف إدلب الجنوبي والشرقي.
سورية في مواجهة تحديات الإرهاب
جَدَّدَ مندوب سورية الدائم لدى الأمم المتحدة الدكتور بشار الجعفري التأكيد على أنَّ إعادة الأمن والاستقرار بشكل كامل إلى سورية تتطلب معالجة التحديات الإرهابية الأساسية القائمة مشيرا إلى أن بعض الدول تحاول عرقلة عمليات الجيش العربي السوري ضد الإرهاب في إدلب وحلب بهدف رفع معنويات الإرهابيين.
وأوضح الجعفري خلال جلسة لمجلس الأمن يوم الخميس 30كانون الثاني/يناير 2020حول الوضع السياسي في سورية أن تنظيم “جبهة النصرة” الإرهابي ذراع تنظيم القاعدة في سورية والكيانات الإرهابية المرتبطة بهما والتي تضم في صفوفها عشرات آلاف الإرهابيين الأجانب وتسيطر على معظم محافظة إدلب وتواصل اعتداءاتها على المناطق المجاورة وعلى مواقع الجيش العربي السوري لافتا إلى أن سورية اختارت الحلول السياسية لمعالجة الوضع القائم ومنحتها الوقت اللازم كما تعاملت دوما بجدية مع جميع مبادرات “التهدئة” بما في ذلك تفاهمات أستانا وسوتشي والتزمت بها حرصا منها على حياة مواطنيها السوريين ولقطع دابر المتاجرين بآلامهم ودمائهم على كامل مساحة المشهد السوري.
وبين الجعفري أن بعض الدول تواصل الاستثمار بالإرهاب في سورية بهدف إطالة أمد الأزمة فيها وتسعى لتعديل الإرهابيين “وراثيا” ومن ثم الترويج لهم على أنهم ” معارضة مسلحة معتدلة” ومن ثم جعلهم في المستقبل القريب بالتواطؤ مع النظام التركي “معارضة ليبية مسلحة معتدلة ومعدلة وراثياً أيضاً” ومن ثم سيصبح من يبقى حياً من هؤلاء جزءا من “المعارضة المعتدلة” لدول ثالثة ورابعة لأن مشغليهم أدمنوا الاستثمار في الإرهاب وهو ما يتم أيضا في دول افريقية أخرى مثل مالي ونيجيريا ودول الساحل وغيرها كما أدمنوا سياسات نشر الخراب وتدمير الأوطان ومن ثم التذمر والشكوى من موجات المهاجرين واللاجئين الذين أرغموهم مكرهين على مغادرة أوطانهم.
ولفت الجعفري إلى أنه بعد مرور تسع سنوات على الأزمة في سورية تناوب خلالها أربعة مبعوثين خاصين للأمين العام حاول كل منهم إيجاد حل للأزمة إلا أنهم لم يوفقوا في مهمتهم بسبب تغليب بعض أعضاء مجلس الأمن وخارجه قانون القوة على قوة القانون لتحقيق أجنداتهم الخاصة متجاهلين أحكام الميثاق ومبادئ القانون الدولي وعلاقات حسن الجوار وذلك على حساب استقرار سورية ودورها الإقليمي ودماء أبنائها.
وبين الجعفري أن إعلان الإدارة الأمريكية أمس بنود ما تسمى “صفقة القرن” هو عمل أحادي الجانب وعدوان ضد الأمم المتحدة نفسها واستخفاف لا نظير له بقراراتها ذات الصلة بالقضية الفلسطينية ومحاولة بائسة من واشنطن لرسم مخطط استعماري جديد لمنطقتنا وتكرار الجريمة التي ارتكبتها بريطانيا قبل ما يزيد على مئة عام والمتمثلة بوعد بلفور المشؤوم وذلك خدمة للاحتلال الإسرائيلي ومخططاته العدوانية التوسعية على حساب الحقوق والمصالح العربية في انتهاك فاضح للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة وقراراتها المرجعية التي أكدت كلها على ضرورة إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية المحتلة بما فيها الجولان السوري المحتل والانسحاب منها حتى خط الرابع من حزيران 1967 ووقف الاستيطان واعتباره عملاً غير مشروع متسائلا: كيف يمكن والحال ذلك أن تؤتمن السياسة الأمريكية على أي ملف في مجلس الأمن أو أن تؤتمن على صون السلم والأمن الدوليين.
أمَّا مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا، فقد أكَّدَ على ضرورة مكافحة التنظيمات الإرهابية في إدلب التي تواصل احتجاز المدنيين وتستخدمهم دروعًا بشرية وتستمر في الاعتداء على المناطق المجاورة ومواقع الجيش السوري.
وقال نيبينزيا خلال جلسة لمجلس الأمنليلة الخميس الماضي :” إن إرهابيي “هيئة تحرير الشام”ومن يدعمونهم ينتهكون اتفاق منطقة خفض التصعيد ويهاجمون الجيش السوري ومطار حميميم وهذه المسائل لا يمكن أن تفلت من العقاب”، مشيرا إلى أن “روسيا تدعم التدابير التي يقوم بها الجيش السوري للتخلص من مصادر الاستفزاز هذه وكذلك لديها قلق إزاء تحرك الإرهابيين من إدلب إلى مناطق أخرى من سورية وإلى دول أخرى من العالم مثل افغانستان وليبيا”.
وجدد نيبنيزيا موقف روسيا الثابت بأن الجولان أرض سورية محتلة وقال :”واشنطن نشرت أمس وثيقة بشأن الشرق الأوسط .. هذه الوثيقة ينبغي النظر فيها بشكل معمق حيث نرى أن فيها خطأ جغرافيا جسيما ارتكب .. لذلك نود أن نذكر خبراء الجغرافيا الذين وضعوا هذه الخارطة ونحيطهم علما بأننا لا نعترف بالجولان إلا أنها أراض سورية محتلة”.
بدوره أكد نائب مندوب الصين الدائم لدى الأمم المتحدة ضرورة الحفاظ على وحدة سورية وسيادتها وسلامتها الاقليمية وعدم التدخل في شؤونها ودعم العملية السياسية بناء على قيادة وملكية سورية ووفقا للقرار 2254.
وأشار نائب المندوب الصيني إلى ضرورة معالجة ملف الإرهابيين الأجانب في سورية كونهم يمثلون مشكلة كبيرة ولها الكثير من التداعيات على الدول الأخرى ما يتطلب تعاون الجميع لمحاربة الإرهاب بكل أشكاله وفقا للقرارات ذات الصلة الصادرة عن مجلس الأمن الدولي داعيا إلى رفع الإجراءات الاقتصادية القسرية أحادية الجانب التي تفرضها بعض الدول على سورية.
خاتمة :لا بديل عن الإستمرار في مواجهة التنظيمات الإرهابية 
لقد أسهم مخطط الولايات المتحدة الأمريكية و الدول الأوروبية ،والكيان الصهيوني، وتركيا والدول الخليجية، بشكل كبير في إطلاق عملية زعزعة الاستقرار، وتدمير الدول الوطنية، من خلال توظيف الحركات الدينية الأصولية في المعركة الأولى ضدّ الأنظمة الشيوعية والاشتراكية في الكتلة الشرقية والعالم الثالث على حدٍّ سواء. ثم من خلال المراهنة في المعركة الثانية ضدّ الدولة الوطنية في سائر الشرق الأوسط، وشمال إفريقياعلى تيارات الإسلام السياسي والحركات الجهادية التي ترفع شعار العودة إلى الدين وتعتمده أداة من أدوات المعركة، لكنّه شعار مخادع، كبديل للدولة الوطنية السورية،بعد القبول بمنطق تقسيمها، و إنتاج خريطة “وستفالية”جديدة للدولة في سورية على أسس مذهبية وعرقية، والعودة الحقيقية إلى البنى التقليدية التي كانت تستند في جزءٍ كبيرٍ منها إلى الشرعية الدينية، وقد انهارت من دون رجعة.
إنّه رهان خاسر من جانب أمريكا وحلفاؤها ،لأن تيارات الإسلام السياسي على اختلاف مسمياتها لا تؤمن بالدولة الوطنية القائمة على التنوع،وبالتالي فإنّ المراهنة على تلك التيارات الدينية التي تستقطب الأتباع و الأنصار بدعوى الثأر لتلك البنى التقليدية ما قبل الدولة الوطنية ، وباستعمال الشعارات القائمة على تمثلات طوباوية للماضي، مثل شعارات “الإسلام هو الحل” و “الدولة الإسلامية” و “الاقتصاد الإسلامي” و “البديل الإسلامي”، من أجل أن تكون بديلاً للنخب الحاكمة في سورية وغيرها من الدول العربية،لا يعني فحسب،إعادة إنتاج سياسات إقصاء تنتحل سمة القداسة، ولكن يعني أيضًا، وبشكل أكثر خطورة، أنّ هذه التيارات الأصولية لاتقدم أي بديل واضح لماهو سائد، ويمكن بسهولة أن تتخذ مطية لاستبداله بالأسوأ ، فضلاً عن إهدارها لمعنى الدولة الوطنية بتنوعها، مما يُعَبِّدُ الطريق لمزيد من الحروب الأهلية، وانهيار الدول الوطنية، وانتشار التطرف و الإرهاب.
هذا في جانب المخطط الأميركي-الصهيوني التركي-الخليجي المعادي،لكن الإرهاب المنتشر في دول عربية عدة ما هو سوى نتيجة للأزمات البنيوية التي تعيشها هذه الدول،وليس الانتصار العسكري الذي تحقق في الموصل، والسخنة، والبادية السورية، وفي الرقة ودير الزوروتلعفر،سوى بداية للانتصارعلى الإرهاب.
بداية لا بد من التأكيد أن سورية أصبحت متموضعة على خريطة اقتسام الأدوار بين القوى الإقليمية والدولية الكبرى ،وباتت سورية تقع في بؤرة الصراع بين القوى الإقليمية والدولية، لا سيما بعد الإنخراط الروسي العسكري في سورية، والذي ينطلق من حسابات الأمن القومي الروسي في ظل تنامي الحركات الإرهابية في منطقة الشرق الأوسط،ومن مقتضيات المواجهة بين روسيا وحلف الناتو على خلفية الأزمة الأوكرانية، وما تتطلع إليه موسكو من استعادة روسيا مكانتهاكقوة كبرى فاعلة ومؤثرة في الأزمة السورية، في سبيل تحويل النظام الدولي من الأحادية القطبية، التي تهيمن عليه الولايات المتحدة الأميركية، إلى نظام دولي تعددي تلعب فيه روسيا وعدد من القوى الإقليمية الصاعدة دورًا محوريًا و موازيًا للدور الأمريكي.
كما انتقلت الإستراتيجية الأمريكية في إدارة الصراعات الإقليمية في كل من العراق وسورية إلى تأسيس نمط من تقسيم المنطقة على أسس طائفية ومذهبية وعرقية بين كيانات متناحرة ، يستنزف بعضها بعضا،ولا يمكن لأي منها الانتصار أو الهيمنة، بما يخفض أي تهديد بالنسبة للكيان الصهيوني.
غير أنّه في ظل هزيمة هذا المخطط الأميركي –الصهيوني لإسقاط الدولة الوطنية السورية، وتحقيق مشهد التقسيم لسورية، بالاعتماد على القوى الطائفية والمذهبية الذي ثبت أنّ خطر التطرف الذي تفرزه بات يصيب بنيران الإرهاب مختلف بقاع الأرض بلا استثناء، ويُهَدِّدُ بصعود تيارات يمينية فاشية ، في الدول الغربية الأوروبية والأميركية،أصبحت المعضلة الرئيسية التي تتجلى أمام الولايات المتحدة الأمريكية تتمثل في تمرير ما يسمى “صفقة القرن” بهدف تصفية القضية الفلسطينية.
لقد نجحت روسيا في السنوات القليلة المنصرمة من الأزمة والحرب في سورية، في بناء التوازن الاستراتيجي مع الغرب أو الدول الغربية وحلف شمال الأطلسي في سورية، وبالتالي إعادة بناء التوازن الدولي بكامله، أو لنقل توازن القوى في النظام الدولي، بعدما اختل ميزان القوى الدولية لمصلحة واشنطن وحلفائها في الغرب، في أميركا وأوروبا، وفي العالم بأسره، كما تمكنت من منع أو ربما لجم التدخل العسكري الغربي، المباشر والكبير، في الأحداث أو المعارك السورية. كما تمكنت الدولة الروسية من ضرب الإرهاب الدولي،لا سيما الإرهاب الإسلامي أو التكفيري، في إطار الاستراتيجية التي أطلقتها لمحاربته بقصد مكافحته، ليس من داخل الدولة السورية وعلى امتداد مساحة إقليمها ومجالها الجغرافي فحسب، وإنما في أنحاء عدة وفي أماكن مختلفة من خارطة المنطقة والجغرافيا السياسية العالمية.
وتمكنت روسيا كذلك من المحافظة، حتى اليوم ،على وحدة الدولة الوطنية السورية وضمانها ومنع التقسيم أو الفدرلة، ومعها في ذلك حلفاؤها وأصدقاؤها بطبيعة الحال، على الرغم مما يقال وما يحصل في الميدان، ناهيك عن فرض خطوط حمراء في سورية، وتأمين الالتزام بها أو عدم تجاوزها وتخطيها،لا سيما في مجال بقاء واستمرار السلطة السياسية التي يجسدها الرئيس بشار الأسد، وما تمثله على المستويين الداخلي والخارجي، ذلك أن نظام الحكم السياسي في سورية لم يعد هو نفسه بعد كل هذه المستجدات.
ويزيد من تحسن وضع الدولة الوطنية السورية ، المكانة التي أصبحت تحتلها إيران ، إقليميًا، ووقوف طهران مع التدخل المباشر لحزب الله إلى جانب الدولة الوطنية، وتغير الموقف العراقي لجهة التنسيق الميداني بين الجيشين العراقي و السوري،لمواجهة عدوهما المشترك،الإرهاب.
ويُعَدُّ انتشار التنظيمات المسلحة على الأراضي السورية ، لا سيما الإرهابية منها، واحدًا من أهم أسباب التعقيد في الأزمة السورية ، حيث يتنازع المشهد العديد من تلك التنظيمات الإرهابية التي ترفع شعارات جهادية، ما بين تنظيمات محلية، و أخرى عابرة للحدود،حتى صارت هذه التنظيمات نظرًا لارتباطاتها في تنفيذ مخططات و أجندات قوى إقليمية ودولية معادية للدولة الوطنية السورية، تمثل عائقًاكبيرًا أمام أي تسوية على الساحة السورية، في ظل ما تتمتع به هذه التنظيمات من قوة ونفوذ على الأرض بسبب الدعم الذي تتلقاه من بعض القوى الإقليمية.
بالنسبة للتنظيمات العابرة للحدود، ك”داعش”و “جبهة النصرة” وما يدور في فلكهما من تنظيمات جهادية مسلحة صغيرة، فهي مصنفة تنظيمات إرهابية وتكفيرية، وهي ترفض التسوية السياسية جملة وتفصيلاً، ولا تؤمن بها أصلاً،لأن المنظومة الفكرية تبني الأيديولوجيا الوهابية وفكر ابن تيمية، والمصالح الذاتية لتلك التنظيمات، التي تخضع لرؤية قادتها،الذين ذاقوا شهية السلطة،والمال،والنفوذ،يقدمون بطبيعة الحال مصلحتهم الشخصية، حتى لو تعارض ذلك مع الفكر والأيديولوجيا،كل هذه المعوقات، تمنع هذه التنظيمات الإرهابية من الانخراط في عملية التسوية السياسية. لذا، فإنّ القبول بعملية التسوية يعني التخلي عن تلك المكاسب، فضلاً عن أن التسوية تهدد بشكل واضح قادة التنظيمين الإرهابيين، بالسجن، أوالاعتقال،حيث أنهم من المطلوبين دوليًا على لائحة الإرهاب.
لقد قلبت انتصارات الجيش العربي السوري وحلفائه بعملياته الميدانية لدحر التنظيمات الإرهابية،لا سيما “هيئة تحرير الشام”من محافظة إدلب الواقعة في الشمال الغربي لسورية ، موازين القوى لمصلحة الدولة الوطنية السورية بشكل كبير، حيث تمكن الجيش العربي السوري من السيطرة على مساحات كبيرة من ريف حماة الشمالي وريف حلب الغربي ، وريف إدلب الجنوبي و الشرقي ، كانت خلال السنوات القليلة الماضية خاضعة لسيطرة التنظيمات الإرهابية.ففي ضوء الهزائم المتتالية للتنظيمات الإرهابية والمعارضة المسلحة،وسيطرة الجيش العربي السوري على الأراضي ذات الثقل الأهم، شهدت سورية تغيرات ميدانية سريعة صبت في مصلحة الدولة الوطنية، التي أصبحت تسيطر على مساحات كبيرة وتعد ثقلاً سكانيًا واقتصاديًا وازنًا، وفي مقدمتها دمشق ،و تشمل غالبية المدن الكبرى باستثناء “إدلب” الواقعة تحت سيطرة “جبهة النصرة”،والتي بات تحريرها مسألة وقت فقط.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى