ذكرى رحيل الغائب الحاضر جمال عبد الناصر

 

وتمر الذكرى الــ48 لرحيل الزعيم العربي جمال عبد الناصر ، وتأتي هذا العام وسط هجوم ممنهج بسبب أو بغير سبب على الزعيم ودوره وسياسته ، هذا الهجوم  الذي لم ينقطع منذ رحيله حتى اليوم .

ومع نهاية الحرب الباردة وحسمها لصالح المعسكر الصهيو أمريكي المعادي لأمتنا، وبدء ما أسمته الإدارات الأمريكية  المتعاقبة بالشرق الأوسط الجديد الذي لا مكان فيه لكل من يعترض  وليس يعارض السياسة الأمريكية ، فقد زادت حدة الهجوم على الزعيم جمال عبد الناصر حتى أصبحت ملفتة للانتباه لرجل بات في ذمة الله منذ ما يقارب نصف قرن .

اما في الأعوام الأخيرة، خاصة تلك التي عقبت ما أسمته أمريكا بالربيع العربي الذي جاء إفرازا لاحتلال العراق وزرع الطائفية البغيضة فيه، وفقاً لدستوره الطائفي الذي أشرف عليه الصهيوني بول بريمر وسمي باسمه، فقد ازدادت حدة الهجوم على الزعيم ودوره حتى أصبحت أعظم ايجابياته سلبيات في نظر تلك الزمرة المتصهينة من أمتنا، سواء بغطاء ديني متخلف أو إقطاعي أو عميل على المكشوف  .

وهذا الهجوم لم يأت من فراغ ، والهدف ليس شخص الزعيم جمال عبد الناصر بكل ما حمل من ارث ومنهج ثقافي وحضاري مستمد من ثوابت الأمة، ولكن الهجوم يستهدف الدور والنهج الذي سار عليه الزعيم جمال عبد الناصر ، وهذا ما عبّر عنه جمال عبد الناصر نفسه بصراحة  وكأنه حي بيننا عندما قال رحمه الله ( هناك من يصّور القومية العربية وكأنها إمبراطورية لجمال عبد الناصر وهذا غير صحيح، والقومية العربية  ولدت قبل جمال عبد الناصر وسوف تستمر بعده ) .

ومن يتابع الفضائيات المتصهينة اليوم التي تبث خاصة من أمريكا وتركيا وبريطانيا  ومحميات الخليج المحتل  وحتى من مصر ذاتها، لا يكاد يصدق كل هذا الحقد والكراهية للزعيم جمال عبد الناصر .

اما الهجوم الذي فاق في عدائه العداء للصهيونية فيأتي من التيار الديني المتشدد بشكل خاص  وهو على مدار التاريخ كان يدور في فلك مصالح أعداء الأمة من الاستعمار البريطاني والفرنسي حتى الوريث الأمريكي حيث كان اصطفاف هذا التيار معاديا للأمة العربية  .

في عصر الحرب الباردة كانت الذريعة ضد الشيوعية الملحدة  ومع المؤمنة أمريكا،  وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي اصطف هذا التيار لجانب تركيا ومعها أمريكا وحتى مع العدو الصهيوني والذريعة هذه المرة إيران وحلفاءها .

إن هؤلاء الأغبياء لا زالوا يعيشون الحاضر بعقل الماضي والحرب الباردة ، ويحملون على الزعيم جمال عبد الناصر حتى نال نصيب الأسد من هجوم هذه القطعان كل بأهدافه  ، والذي لم يسبق له مثيل في التاريخ  خاصة أن الرجل كما أسلفنا في ذمة الله ، وهذا يعود للدور والحجم الذي قام به والخوف من مشروعه وليس شخصه الكريم  بعد أن أصبح بين يدي ربه .

وعليه، فان الهجوم على جمال عبد الناصر موجه لذاكرة أحرار وحرائر الأمة وجماهيرها ، وعلى   الجماهير العربية أن تستيقظ حتى ترى ان اول من عادى وناهض مشروع الزعيم جمال عبد الناصر هم أولئك الحكام الرجعيون الذين يقدسون العبودية لأجل كراسيهم المنحطة من خلال زرع الأوطان التي ابتليت بهم  بالقواعد الأجنبية ، خاصة الأمريكية منها، حتى أصبحت كل واحدة من تلك القواعد  دولة داخل الدولة  بل وأقوى من الدولة المضيفة  ، وأصبح البعض في أمتنا يحارب معارك غيره، واستبدل العدو الرئيسي  والخطر الأكبر الذي يهدد الأمة بأعداء وهميين مثل إيران  علما أنها كانت حليفتهم سابقا حين كانت بالخندق الصهيو أمريكي، ثم روسا احياناً.

جمال عبد الناصر كما كتب الأستاذ الكبير محمد حسنين هيكل ليس قديسا ولا أسطورة خارقة للطبيعة ولكن الفرز الموضوعي شيء وقلة الحياء التي تدين كل سياسته بدون أن تقدم بديلا منذ رحيله المفجع قبل ثمانية وأربعون عاما .

إن التفاف الشعب العربي وإيمانه برسالة زعيمه جمال عبد الناصر ودوره لم يأت من فراغ ولا تقديس للأشخاص ،ولكن إيمانا برسالته التي جوهرها وحدة الأمة وتوزيع ثرواتها بشكل عادل، هذه الأهداف النبيلة التي لا يختلف عليها أحد بالمضمون .

لذا ما نكتبه أو نقوله عن الزعيم جمال عبد الناصر ليس شيئا من الماضي أو الحنين لعصر الكرامة والتحرر،  ولكن وفاءا لقائد وزعيم لم تنجب الأمة مثيلا لعبقرية استثنائية مثل عبقريته التي استطاعت خلال أعوام قليلة أن تسيس كل الشارع العربي، وهو ما فشلت به كل القوى والأحزاب الوطنية والقومية وغيرها .

يكفي الزعيم أن اسمه ارتبط بأعظم الانجازات الوطنية والقومية  والأممية، فهل يستطيع أحد أن يتحدث عن العرب والعروبة بعيدا عن تجربة جمال عبد الناصر ، هل يستطيع أحد أن يتكلم عن الحياد الايجابي بدون ذكر منظومة عدم الانحياز التي كان جمال عبد الناصر أحد مؤسسيها ، هل يستطيع أحد أن يتحدث عن وحدة القارة الإفريقية دون ذكر الزعيم جمال عبد الناصر الذي له الفضل بدعم استقلال كل الدول الإفريقية، وبعيدا عن أكاذيب تجار الدين من الذي عمل للإسلام أكثر من الزعيم جمال عبد الناصر الذي اطلق إذاعة للقرآن الكريم تبث على مدار الساعة ولأول مرة بالتاريخ منذ أن جمع الصحابي عثمان بن عفان القران الكريم .

وعندما نتحدث عن حقوق المرأة، فقد كانت المرأة في عصر عبد الناصر قد وصلت لحقوقها كاملة حتى قبل أمريكا  ، وقد شاركت كوزيرة في الحكومة لأول مرة في أوائل ستينات القرن الماضي .

والغريب أن مهاجميه ليس لديهم إلا  نكسة حزيران يونيو 1967م ، التي أصبحت كربلاء العصر الحديث لهم  في كل ذكرى للزعيم،  وكأننا أول أمة تهزم بالتاريخ ، وان تاريخنا قبل عبد الناصر كله  انتصارات حتى كدنا نسترجع الأندلس  .

إن الحرب القذرة على الزعيم جمال عبد الناصر بدأت بمائة مليون دولار قدمها الملك فيصل بن عبد العزيز للسادات لتغير مناهج الأزهر الشريف ،وبعد ذلك دعم كل الكلاب الضالة التي تبحث عن الفتات والشهرة في مهاجمتها لجمال عبد الناصر .

وما أعظم القائد الفلسطيني الشهيد صلاح خلف أبو إياد  عندما قال بعد أعوام من رحيل الزعيم جمال عبد الناصر (كل مصيبة مع الزمن تزول وتتلاشى إلا مصيبتنا  في فقدان الزعيم جمال عبد لناصر، فهي كل يوم تكبر مع الزمن  ) .

رحم الله أبا خالد يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حيا .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى