في الذكرى العشرين لمحاولة اغتيال مشعل.. تلميحات صهيونية باستهدافه مجدداً

صادفت امس الاثنين الذكرى العشرون لمحاولة اغتيال رئيس المكتب السياسي السابق لحركة حماس المجاهد خالد مشعل في العاصمة الأردنية.

فقد تعرض مشعل يوم 25 أيلول 1997 لمحاولة اغتيال فاشلة في عمان على يد عميلين من الموساد الإسرائيلي يحملان جوازات سفر كندية، عملا بتوجيهات مباشرة من رئيس الوزراء الإسرائيلي حينها بنيامين نتنياهو.

تلك المحاولة التي أفشلها مرافقو مشعل عقب ملاحقتهم لعميلي الموساد؛ كانت بدايةً لعهد جديد في حياة خالد مشعل (أبو الوليد) وحركة حماس، إذ أُطلق على إثرها سراح الشيخ أحمد ياسين من سجون الاحتلال بصفقة وُقّعت بين الأردن والاحتلال، وأصبحت حركة حماس شوكة في حلق الاحتلال، وتضاعفت قوتها لتصبح رائدة المقاومة في فلسطين.

وكان مشعل قد شغل منصب رئيس المكتب السياسي للحركة بين عامي 1996 و2017، وعُيّنَ قائداَ لها بعدما اغتالت إسرائيل الشيخ أحمد ياسين، إذ كرَّس حياته لخدمة القضية الفلسطينية، متبنياً مبدأ النضال والمقاومة.

فشل الموساد

اتخذت حكومة الاحتلال بقيادة نتنياهو، قرار اغتيال مشعل عقب عملية بطولية لكتائب القسام في القدس أسفرت عن مقتل 16 إسرائيلياً، إذ طُلب من رئيس الموساد حينها داني يتوم إعداد خطة اغتيال هادئة، دون إحداث ضجة تشير لوجود يد للاحتلال فيها، بسبب اتفاقية السلام الموقعة بين دولة الاحتلال والأردن عام 1994.

وقد استطاع عناصر الموساد خلال وقت قصير جمع المعلومات عن خالد مشعل والمكتب الذي يمارس فيه عمله، والبيت الذي يسكنه في عمان، وكذلك حركته اليومية وتنقلاته، ليجري بعدها بحث العديد من الخيارات لتنفيذ العملية، ليستقر الجهاز على استخدام مادة السم في الاغتيال.

ورغم التدرب على تنفيذ العملية من قبل عناصر الموساد، واتخاذ كافة التدابير لذلك إلا ان العملية تعطلت أكثر من مرة، ويوم 25 أيلول حضر خالد مشعل إلى المبنى الذي يتواجد فيه مكتبه، حيث كان أفراد الموساد منتشرين في مواقعهم وتم الاتفاق بينهم على إشارة محددة للتنفيذ.

لدى وصول مشعل للمكان وترجله من سيارته التي يتواجد فيها ابنته والسائق، اتجه نحوه عنصرا الموساد لحقن مادة السم في جسده، إلا أن السائق وابنته قاما بالصراخ عليه ليلتفت للخلف حينها، ليصيب السم أذن مشعل اليمنى ويقوم عنصرا الموساد بالهروب.

قام السائق بملاحقة عنصري الموساد الهاربين وهاجمهم، وانضم إليه عنصر آخر من الحركة شاهد الموقف، وتجمع عدد من المارة، وسمع الجميع بخبر اعتداء العنصرين على خالد مشعل، ليتبين لاحقاً أنهما عنصران تابعان لجهاز الموساد الإسرائيلي.

تلقى مشعل حينها العلاج اللازم، وانكشفت خيوط العملية، وبدا جلياً فشل الموساد في محاولة الاغتيال، ليُكتب لمشعل حينها عمراً جديداً، قاد خلاله حركة حماس في ظروف استثنائية عصفت بالحركة وبالقضية الفلسطينية، كانتفاضتي القدس والأقصى، والانقسام الداخلي الفلسطيني، فضلاً عن اغتيال قادة الصف الأول في حماس كالياسين والرنتيسي.

وقد استطاعت الحركة الصمود أمام كافة التحديات، وها هي اليوم تمثل عنوان التحرير والمقاومة، وأمل الأمة المنشود.

هل تفعلها إسرائيل مجددًا؟

وقد شكلت هذه المناسبة محور مقال نشره الكاتب العسكري “يوآف ليمور” في صحيفة “يسرائيل هيوم” العبرية، وقام بترجمته “المركز الفلسطيني للإعلام”.

فتحت عنوان “عشرون عاما على محاولة اغتيال مشعل.. الإخفاق والدروس” يستهل يوآف مقالته بالقول: “إنه يمكن الافتراض” بأنه ستتاح الفرصة لخالد مشعل اليوم للاحتفال بعيد ميلاده العشرين، أو بالأحرى بمرور 20 عاماً على اليوم الذي ولد فيه من جديد.

ويقول الكاتب: إن مشعل يدين بحياته لثلاثة عوامل؛ أولها الحظ الإلهي له، وعدم احتراف رجال الموساد، وإجراءاتهم المهملة.

ويضيف: الجزء الأول يتعلق بعدة عوامل عشوائية انضمت إلى بعضها بعضًا في لحظة الحقيقة “حقيقة سفر أولاده معه في ذلك الصباح في السيارة، وأن ابنته خرجت بعده وفاجأت القاتلين؛ ووجود أحد حراس مشعل، أدى إلى تأخيرهما وتشويش خطة هربهما؛ والكفاءة المفرطة للشرطي الأردني المحلي الذي أخذ القاتلين إلى مركز للشرطة  بهدف إنقاذهما، فتم هناك استجوابهما وكشفهما واعتقالهما، بحسب تعبيره.

وأضاف الكاتب: أما الجزء الثاني فيتعلق بالقيادة السياسية لـ”إسرائيل”؛ فقد صودق على العملية تحت الضغط عقب تنفيذ عمليتين أوقعتا الكثير من الإصابات في القدس المحتلة، ما جعل القيادة السياسية برئاسة رئيس الحكومة آنذالك بنيامين نتنياهو تسعى للرد الفوري، وخلال المناقشات طُرح اسم مشعل، ووافقوا على العملية، على الرغم من أن المعلومات كانت ضئيلة، وخاصة أن التنفيذ سيتم في الأردن، الذي كان يفترض أن تكون عتبة الحساسية مرتفعة بشأنه بشكل خاص، نظرا للعلاقات الخاصة بين البلدين.

وأشار الكاتب أنه في التحقيقات اللاحقة اتضح أن العديد من الأطراف (بما في ذلك وزراء الحكومة) لم يشاركوا في عملية صنع القرار، بينما الآخرون مثل وزير الأمن ورئيس الأركان ورئيس الشاباك، الذين عرفوا بأنه مشعل حُدّد هدفًا، لم يُطلعوا على تفاصيل العملية، ولم يُشركوا إلا بعد فشل عملية الاغتيال!.

أما الجزء الثالث فيتعلق بعمل قسم العمليات المسمى “قيسارية” في الموساد؛ وقد تناولت اللجان الداخلية في الموساد هذه المسألة بشكل مكثف، ووجدت سلسلة طويلة من الإخفاقات التي شكلت سببا لتبادل الاتهامات البغيضة داخل الجهاز، فضلا عن إنهاء مهام جميع كبار المسؤولين تقريبا عن هذه القضية في غضون أشهر قليلة.

وأكد ليمور أنه كان من المفترض أن تصبح الدروس المستفادة من فشل الاغتيال بمنزلة قواعد حديدية في كل عملية صنع قرار مماثل، فعلى المستوى السياسي وعلى المستوى التنفيذي لا يكمن السبب فقط في النتائج المباشرة للاغتيال الفاشل؛ فقد كانت لهذه العملية عواقب بعيدة المدى بعضها سيبقى مخفيا إلى الأبد، وكان من الممكن منعها لو عملوا بشكل مناسب قبل العملية، وخلالها، وبعدها.

واستعرض الكاتب بعضا من نتائج فشل الاغتيال بالقول: لقد دفعت “إسرائيل” على الفور الثمن؛ وتمثل ذلك بالإفراج عن فريق الاغتيال، وإطلاق سراح الزعيم المؤسس لحركة حماس، الشيخ ياسين (الذي اغتيل بعد سبع سنوات) وعشرات الأسرى الآخرين، كما أنها أحدثت أزمة دبلوماسية مع كندا التي استخدم القاتلان جوازي سفر تابعين لها، وأدت بشكل خاص إلى ضرر كبير للعلاقات مع الأردن.

وختم الكاتب العسكري يوآف ليمور مقاله بالقول: بعد 20 عاماً يتساءل المرء عما إذا استخلصت الدروس فعلا؛ فعلى مستوى العملية فإن الجواب إيجابي بالتأكيد، على الرغم من عدم وجود شهادات تأمين في هذا النوع من العمل، وبالنسبة للقيادة السياسية لا تزال علامات الاستفهام ماثلة.

دعوات للاغتيال

وردًّا على مقال ليمور الذي نشرته صحيفة “يسرائيل هيوم”، قال محلل الشؤون الصهيونية في “المركز الفلسطني للإعلام”: إن الكاتب رغم اعترافه بفشل عملية اغتيال مشعل، إلا أنه يدعو بشكل غير مباشر لمحاولة اغتيال خالد مشعل مجددا، وتسديد عملياته الإجرامية بدقة وعناية في المستقبل، وأن فشل هذه العملية سيبقى يلاحقه لمدة طويلة.

ويضيف المحلل: بحسب ما استعرضه يوآف ليمور، فإن قيادة الاحتلال مطلوب منها أن تبحث دائما عن بيئة مناسبه لاستهداف الشخصيات، وتحسين صورتها، وتوثيق علاقاتها الدبلوماسية والسياسية مع الدول العربية، لكي تُتدارك الأخطاء المستقبلية، وعدم دفع الأثمان الباهظة نتيجة العمليات الفاشلة.

ويختم المحلل متسائلا إن كانت هذه المقالة من كاتب عسكري دليلا على أن “إسرائيل” قد تلجأ لاستهداف خالد مشعل في أي فرصة مستقبلية، أم أنها تريد أن تخلق هالة من الخوف حول أداء جهاز الموساد الذي ينفذ العمليات في أماكن عمل مختلفة في العالم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى