الديمقراطية.. تدعو لفصل الادارة العامة عن السياسة

يقول جلالة الملك عبدالله الثاني في الورقة النقاشية الثانية بما مضمونة (سيكون على الجهاز الحكومي تطوير عمله على اسس من المهنية والحياد بعيدا عن تسييس العمل لمساندة وارشاد وزراء الحكومات البرلمانية ) لا احد ينكر اهمية الادارة العامة بشقيها المدني والعسكري في تنمية المجتمع وتقديم الخدمات الادارية لكافة المواطنين في المدن والقرى والارياف والبوادي والمخيمات ضمن اطار القانون والانظمة المرعية في بلدنا العزيز للجميع دون محاباه او تمييز وهذا هو الاصل, ولكن ايضا لا احد ينكر  بان الجهاز الاداري في الدولة الاردنية كما هو في بقية الدول العربية شابه نوعا من الترهل في القيام بواجباته الادارية تجاة خدمة الوطن والمواطن, كما لا احد ينكر بان ثقافة العولمة ومخرجاتها قد ساهمت هي الاخرى في زيادة هذا الترهل وبشكل كبير.

لقد ادخلت العولمة للاقتصاد مفاهيم وثقافة غير ايجابية على الشأن المحلي وتسلل من خلالها الفاسدون لجهاز الدولة والادارة العامة وعاثوا فيها الفساد من رشوة ومد يدهم للمال العام والحصول على السمسرة, وانتهى مفهوم الموظف العام الشريف وحل محلة –الموظف الديجتال –الذي لا يحرّم ولا يحلّل, يعمل كالالة بدون ضمير او رادع اخلاقي, فكل مال يحصل عليه هو شطارة وفرصة سانحة لا يمكن ان تاتي مرة ثانية دون وازع ديني او اخلاقي ودون النظر الى قدسية المال العام والوظيفة العامة, ورفعوا شعارات براقة نحو اعادة الهيكلة والاصلاح الاداري – ويا ليتهم لم ياتوا وتركوا الجهاز الاداري العام كما هو –.

هذا الجهاز الذي بنى المدارس والجامعات والطرق والجسور والمدن الصناعية والخدمية والطبية وساهم دون منة في تدريب الكوادر العربية بعد ان سبقته سمعته العطرة الى هناك –ومن خلال هذا المشهد لواقع الادارة العامة الحالية (باستثناء المؤسسة العسكرية) ترهل العمل في مؤسسات الدولة واجهزتها التنفيذية, واكبر مثال على ذلك عليك ان تراجع دائرة حكومية في معاملة فتجد من المعاناة ما لا يسرك ولا يرضيك.

حديث جلالة الملك في الورقة النقاشية الثانية جاء يؤذن في الناس بان الجهاز الاداري عليه ان يطور ذاته على اسس مهنية بحتة, والابتعاد عن التسييس حتى لا تزداد كارثة الترهل الى حالة مزمنة يصعب التعاطي معها, فالعولمة وثقافتها ومخرجاتها ساهمت في احداث شرخا في جسم الادارة العامة والسياسة اذا لم توضع لها ضوابط, سوف تأتي على البقية الباقية من جسم الادارة العامة وسمعتها –لهذا فان الورقة النقاشية الثانية جاءت لتحذر من ما ستكون عليه العواقب المستقبلية اذ ما ترك للساسة اللعب بالادارة العامة كما يشاؤون.

ان مفاهيم الحاكمية الرشيدة هي التي يجب ان تعلو على كل اعمالنا في الادارة العامة والسياسة والاقتصاد والعمل العام, وان قيم الحاكمية الرشيدة من نزاهة وشفافية وسلطة القانون والمحاسبة ومهنية عالية هي – الاس والمقام – لثقافة العصر التي يجب ان تكرس في اعمالنا وتوجهاتنا المستقبلية والا فان قطار الاصلاح المنشود لن يصل الى محطته بسلام وامان.

فالاصلاح السياسي لا يمكن له ان يجذر في الارض ما لم تسنده وتشد من ازره, الاصلاح الاداري والاقتصادي والاجتماعي والثقافي – فعملية الاصلاح عملية شاملة و متكاملة يجب ان تسير بخطوط متوازية وفي وقت واحد وبايقاع واحد لتحقيق الاهداف المرجوة – وهذا ما نتمناه لهذا الوطن المعطاء ومعنا كل الشرفاء والمخلصين.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى