رحيل مطاع صفدي .. فيلسوف النهضة والحداثة

غاب مقال مطاع صفدي عن جريدة القدس العربي اللندنية قبل فترة واعتقدنا أن الامر مجرد غيبة مؤقتة وإذا بنا أمام النبأ الحزين والمفجع بأنه رحل إلى الأبد وتوقف عقله وقلمة عن الابداع الفكري المميّز والتحليل الفكري – السياسي المدجج بالوعي الفلسفي العميق المختلف ، وتضاعف الأسى لحظة التفكير بأننا فقدنا إنساناً ومفكرا وفيلسوفا نهضويا وفقدنا عقلا مابرح يدافع عن العقل والحرية والنهضة وتجديد الوعي العربي وأنشأ في هذا الاطار حقلا فلسفياُ مميزا استنبت فيه كل القول الفلسفي المعاصر وحاوره ونقده وطرح من خلاله الاسئلة المتعددة التي هي أرضية مفتاحية لبناء الأفكار الكبرى والقاعدة الفلسفية الضرورية للإقلاع الحضاري .

كتب مطاع صفدي في مجالات شتى أدبا وفكرا وفلسفة وسياسة وأنشأ مجلات فكرية – فلسفية مرموقة أطل من خلالها على معظم النتاج الفلسفي المعاصر وكتب نصوصا فلسفية مركبة معقدة المحتوى والمستوى ولكنها كانت في الآن نفسه نصوصا في الابداع الفلسفي أو إبداعا عربيا في فعل التفلسف تميز بالاستقلال والابداع والنأي عن الاتباع  والمثاقفة والمحاورة ، وتبني مشروعا عريضا في ترجمة الأعمال الفلسفية التأسيسية المكوّنة والتي أسهمت في صياغة مسائل الفلسفة والفكر والوجود المختلفة وكان لها أثرها الكبير في صياغة الفكر العالمي .

وكان قد عقد العزم في مشروعه الثقافي الواسع  على أن يصوغ أفكارا تأسيسية مكوّنة ومثقفة ( بكسر القاف ) تكون بيئة ومجالا لحوار حضاري مع الشعوب والأمم الأخرى وتخلق الأرضيات المناسبة لنشوء حالة تفلسف تكون حالة وصل واتصال مع ما تراكم قبلها في  الثقافة العربية والبعد الفلسفي فيها لكي تعبر عن حال الأمة وهي تريد أن تفصح عن ذاتها وتسهم وتحاور الثقافات العالمية وتستعيد تقاليد تراثها في هذا المجال .

وكان مطاع صفدي مؤسسا  لفكر وحالة نقدية عربية متألقة ومخصبة رام من خلالها أن يستأنف  منهجا اختطته الشعوب الطامحة الى النهضة وأوصلها إلى أسئلة واستجابات حضارية ودروب قادتها إلى ذرى التقدم ، وكان نقد الذات نقطة الانطلاق البدئية  التي دفعت بهذه الأمم إلى اكتشاف ذاتها وتخطي المعوقات والعراقيل التي تقف حجر عثرة في طريق تقدمها .

وكان بهذه المثابة مفكرا نقديا استطاع أن يمد نظره إلى أعماق الفكر والواقع ويعيد بنائه على أسس من العقلانية واستخراج ممكنات منه حتى في تلك اللحظات التي يتبدى فيه الواقع قاتما ومسدودا وغير قابل للاختراق ، وكان من خلال هذا المنهج النقدي يقرأ الما حول والعصر وكل الظواهر النابتة والمستجدة التي تؤثر على الانسان ووجوده ومستقبلة وعلى الأمة وحاضرها ومستقبلها .

كان مقاله الاسبوعي في جريدة القدس العربي علامة فارقة ومميزة في الكتابة السياسية الفكرية العربية المعاصرة وكان فيها أستاذا ومعلما لا يني يقدم درسه ويبني نصّه العميق ويخاطب العقل بعقلانية فائقة وكان هذا فعلا مضافا لانجازه المعرفي الكبير والمتعدد وهو ما جعله رمزا من رموز الثقافة العربية ومبدعا في الفكر والفلسفة ومجددا قل نظيره !

غاب مطاع صفدي وبقي درسه حاضرا لا يغيب !

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى