هل أصبحنا في ضلال مبين وعميم  ؟؟

يمكن القول حقا بأننا الآن في ضلال مبين ، اذ يسود الاختلاط والفوضى والتشتت في كل أنحاء الوطن العربي ، ويكاد المرء لا يمسك بأطراف الخطوط وبداياتها ونهاياتها ، وكأننا في المتاهة فلا ندري كيف نخرج منها ، ولا الى أين نسير ، وتلك عاقبة غياب وتغييب الشعوب عن مصائرها وأقدارها ، وعدولها عن خوض معاركها ، وتراجع حس الحرية فيها ، واشقاء عقلها وبلبلته ، وفتح الأوطان على مصارعها لكل ماهب ودب من الادخالات والاستدخالات والاستباحات ، كما أنه الانذهال أمام الواقع الطاريء المرعب الذي يشبه  الانذهال يوم القيامة ، يوم لا يعرف أحد أحدا ولا يخاف الا من سوء المصير والجحيم المنتظر .

واذا سأل الانسان واستفسر ، فانه سيجد نفسه أمام واقعات جارحات لا يمكن تفسيرها أو ادراكها بالعقل ، فهي واقعات من صنف اللامعقول ، وخارج مدارك العقل ، اذ لا يستطيع العقل أن يتفهم وضع الأمة وهي تذهب بقرار انتحاري الى المقصلة والاعدام كما يجري في واقعها اليوم .. ولا يمكن لهذا العقل أن يدرك ويستوعب بأن ما يجري في بلادنا هو فقط “فوضى خلاقة ” من صنع دهاقنة الاستعمار . وأما اذا كان الأمر كذلك ، أي أمر فوضى مفترضة أو متجسدة فلماذا يقبل العرب أن يكونوا موضوعا لهذه الفوضى التي هي هلاكة وغير خلاقة على الاطلاق ؟

كل هذا يتجمع أمام العقل ويخلق قلقه وشقائه وجموده وارتباكه وانجراحه ، فهذا الذي يجري هو نفي للعقل ، وعكس التاريخ والتقدم ، وهو ارتداد ورجعة الى الخلف ( وتأخراكية بلغة الكاتب  ياسين الحافظ )  بخلاف ما هو مطلوب في هذا العصر والزمان .. زمان التجمعات الكبرى والمعلوماتية والعالم المعولم المفتوح ، والمؤتمت والممعن في النقلات والتغيّر ، والانتقال من مراتب دنيا الى مراتب عليا في التفكير والتصنيع والرقي ، والمكرس في كثير من أبعاده لارتقاء الانسان وتخفيف أوجاعه ومتاعبه .

أين نحن من هذه الاسئلة المدببة والجارحة والضاغطة ، في هذا الزمان الصاعق والمدوي بكل المفاجاءات ؟ لا بل الى أين سنذهب بهذه البضاعة الاقتتالية الهمجية التي نتداولها بأشكال وطرائق مختلفة في ديارنا ؟ والى أين المفرّ من هذا الفوات والموات المستفحل ؟

ذلك ما يتبدى لنا ( بألم وانجراح) من اسئلة ، ونحن نحدق في هذا العدم والانعدام العربي ، وما نراه من تمزق وتشرذم الأوطان شر ممزق ، وما نلاحظه من اغارات اقليمية ودولية على فراغنا السياسي والاجتماعي والوجودي العربي ، وما تحاوله الاغارات من التهام للحدود والوجود .

أما ما يلهب ويؤلم روحنا ويقضّ مضاجعنا ، فهو هذا السكون والسكوت الشعبي العام والطام ، والاستسلام لهذا المشهد الكارثي البغيض دون أن تبدر بادرة ، أو تلمع فكرة استنهاضية في سماء العرب،  تنادي بوقف التراجع والانهيار،  لكي لا نهلك مثل تلك الأمم والشعوب التي خلت وهلكت وبادت من قبلنا بسبب التقهقر وسوء التدبير وغياب الهمة والحكمة والرياسة ، أو نصبح مللا وقبائل مشرذمة ، وأوطان فقيرة بلا معنى ، ومجتمعات خارج العصر والتاريخ !

وربما يسأل “من يرانا نستغرق في التوصيف أو المغالاة في التخويف والتجديف حتى” ، سؤال الأمم الكبير المحرك للتاريخ : ما العمل ؟ ونقول لاشيء يمكن أن يتحرك في بلادنا الا اذا حركناه باستحضار العقل الوطني والقومي المقاوم الناهض ، واذا أصبح نتاج العقل المقاوم الناهض ملكا وبرنامجا للجماهير وحقائق على الأرض ، واذا أرغمنا الاستبداد على الاندحار بالتصدي له في كل المجالات والساحات ، واذا أطلقنا العنان للحرية الطامحة الى تعميق الحرية وليس الحرية المنفلتة والعدمية والغارقة في شكليات السياسة والواقع . وكل ذلك لن يحدث الا اذا كانت هناك ارادة وعزيمة شعبية تستنهض كل ما هو ايجابي في مجتمعاتنا ويصبح التحدي والخروج من الأزمة سؤالا يوميا لكل مواطن ولكل عقل .

و يبدو ما نقول في لحظات  البدء والحثّ هذه على اليقظة والاستيقاظ مثل التهويمات والشعارات ، لكنها قد تتحول باضافات وتعميقات أخرى الى مادة للتفكير ودعوة للاستنهاض ، ومحاولة  للخروج من عنق الزجاجة الذي تم وضعنا فيه ، وما بعد الضلال الا الهدى والنور !!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى