سوريا.. ومخاطر التقسيم!!
بقلم: خالد سيد أحمد/ القاهرة
ليس طبيعيا ذلك الصمت والتجاهل وعدم الاكتراث الذى تبديه معظم الدول العربية، إزاء التطورات العسكرية المتسارعة على الساحة السورية، بل ولجوء بعض وسائل الإعلام العربية إلى محاولة تسويق «الدواعش» الذين يسقطون المدن السورية الواحدة تلو الأخرى على أنهم معارضة وطنية هدفها إزاحة نظام الأسد المستبد!
ربما يلاحقنا البعض بسؤال مشروع.. وما الجديد فى هذا الموقف؟.. فبعض الدول العربية ظلت صامتة ولا تزال إزاء ما يحدث من جرائم قتل وتدمير وتجويع وحصار للفلسطينيين فى قطاع غزة منذ أكثر من عام على يد المحتل الصهيونى، ولم يتمخض عنها سوى القليل من بيانات الشجب والإدانة والاستنكار، التى لم تمنع مجزرة أو تحمى خائفا أو تطعم جائعا فى القطاع.
بالتأكيد هذا الأمر صحيح، لكن العدوان والجرائم ضد الإنسانية التى تعرض لها الشعب الفلسطينى منذ 7 أكتوبر من العام الماضى لم تكن حربا صهيونية فقط، بل أمريكية بامتياز، حيث فتحت الولايات المتحدة القوة الأعظم والأكبر والأكثر نفوذا وتأثيرا فى العالم، مخازنها العسكرية وخزائنها المالية ووفرت الدعم السياسى والدبلوماسى أمام جيش الاحتلال ليمارس ضد أبناء قطاع غزة أبشع صور التطهير العرقى فى العصر الحديث، وبالتالى يمكن «نظريا» تفهم هذا الموقف العربى الضعيف والخافت، لأن البعض يخشى من مواجهة الغضب الأمريكى الذى قد يطاله.
لكن الوضع فى سوريا يبدو مختلفا إلى حد كبير، حيث يتواجد فى المشهد الكثير من اللاعبين، مثل الأمريكى والإسرائيلى والأوروبى والروسى والإيرانى والتركى، والذين يسعون إلى الحفاظ على مصالحهم الخاصة وتأمين أكبر قدر من المكاسب لهم، فيما حاولت بعض الدول العربية التدخل منذ زمن ولكن لترجيح كفة تلك الجماعات التى تريد إسقاط النظام السورى قبل أن تعيد حساباتها وتعدل من توجهاتها، بينما لاذ البعض الآخر بالصمت، وبالتالى لم يملك القدرة على التأثير فى مجريات وتفاعلات الأزمة السورية الممتدة منذ عام 2011.
غياب موقف عربى موحد تجاه الأزمة سوريا لم يعد مقبولا بعد الآن، لا سيما وأن التطورات العسكرية على الأرض تشهد تمددا وتوسعا هائلا للجماعات المسلحة التى تدين بالولاء لتنظيم القاعدة، وبعض عناصرها كانوا قيادات فى تنظيم داعش الإرهابى، وهو ما يضع المنطقة أمام سيناريوهين غاية فى الخطورة، الأول تقسيم سوريا على أساس عرقى وطائفى إلى أكثر من دولة، أما الثانى فيتمثل فى تغيير وجه سوريا العروبى لصالح دولة متشددة دينيا تشبه دولة حركة طالبان فى أفغانستان، وربما تطلب فى وقت لاحق الحصول على مقعد سوريا فى الجامعة العربية!
كلا السيناريوهين ليسا فى صالح الأمن القومى العربى، بل ويهددان الاستقرار فى هذه المنطقة المثقلة بالنكبات والأزمات والصراعات، وبالتالى يجب على الدول العربية الفاعلة، خصوصا مصر بإرثها التاريخى وثقلها السياسى، والسعودية بقوتها الاقتصادية وعلاقاتها الدولية والإمارات بحضورها الإقليمى الصاعد، صياغة مبادرة عربية خالصة لحل الأزمة فى سوريا تلبى تطلعات مواطنيها وتنسجم مع القرارات الدولية، حتى لا تتعرض هذه الدولة العربية العريقة والمهمة للتقسيم أو يتغير وجهها وتوجهاتها إلى الأبد.
هذه المبادرة لا تعنى بالضرورة الدفاع عن الوضع السياسي القائم، بل يجب أن يكون هدفها الأساسى الحفاظ على الدولة السورية ومكتسباتها واستقرارها ووحدة أراضيها، وعدم القبول بوجود أى قوات أجنبية أو مرتزقة أو مقاتلين أجانب على التراب السورى، وتسمح فى الوقت نفسه لجميع أبناء وفئات الشعب السورى بالمشاركة الحقيقية فى صياغة مستقبله عبر انتخابات حرة ونزيهة بعيدا عن الطائفية والمذهبية، حتى يشعروا بأن هذه البلاد صارت ملكا لهم، وليست حكرا على فئة أو طائفة بعينها.
من دون تدخل عربى فاعل وغير منحاز، لن تستقر الأوضاع فى سوريا على المدى القريب، بل ستزداد تدهورا، وربما تتحقق مخاوف البعض من إمكانية تقسيمها على أساس طائفى، خصوصا مع اشتداد الصراع والتنافس والتجاذبات بين القوى الدولية والإقليمية التى تهيمن على المشهد حاليا، وتسعى إلى الحفاظ على مصالحها البعيدة كل البعد مصالح الشعب السورى، وكذلك عن المصالح العربية فى سوريا.