السعودية بين شدة الالتزام وإفراط التحرر !!
بقلم: صافيناز مصطفى*
أولا ٠أننا لا نختلف نهائيا على أن من حق كل دولة أن تحكم بلدها وفقا لما ترى من تحقيق الصالح العام للبلاد الذى يترتب عليه رخاء شعبها، وأن تواكب التطور وتنوع مصادر الدخل القومي لديها وهذا شأن داخلى وليس من حق أي طرف أخر أن يتدخل فيه فكل دولة لها سيادتها على أرضها وفقا لما اقره ميثاق الأمم المتحدة، وتحكم شعبها وفقا لدستور متفق عليه من كل أبناء الشعب، وهذا بحق النسبة لكل الدول فى العالم ومن بينها بالطبع المملكة العربية السعودية ٠
ولكننا هنا لا نتحدث عن المملكة السعودية ٠كالرياض ٠ ولكن نتحدث عن ما يخصنا نحن العالم الإسلامي أجمع
فأرض الحجاز وهى مكة والمدينة التى بهما مقدسات العالم الإسلامي فهى لا تخص السعودية وحدها بل السعودية مجرد دولة إسلامية رعاية لهما وفقا لمباديء وضوابط متفق عليها من كافة العالم الإسلامي، وأي إخلال بهما يسقط شرعيتها عليهما ومن حق كل دول العالم الإسلامي وليس العربي فقط على سبيل المثال ٠ تركيا ٠ ماليزيا ٠باكستان ٠ افغانستان ٠ إيران ٠الشيشان ٠ وكذلك الدول العربية من بينهما مصر التى كانت مسؤولة عن كسوة الكعبة ردحا من الزمان، وكان بها التكية المصرية، وبالطبع كان يوجد تكايا عربية أخرى مثل التكية العراقية و تكية الشام وعمان وغيرهما
والتكية بمعناها التقليدي، هي مؤسسة خيرية تقدم المأكل والمأوى للوافدين. وقد تأسست التكية المصرية في مكة المكرمة والمدينة المنورة في القرن الثالث عشر الميلادي، في عهد الدولة المملوكية، بهدف دعم الحجاج والمعتمرين، وكان قد أنشأ إبراهيم باشا بن محمد علي باشا هذه التكية بعد أن هزم الدولة السعودية الأولى والوهابيين الذين كانوا مسيطرين على الحجاز، وأصبح واليًا على الحجاز وتأسست التكية الأولى في مكة المكرمة بأمر من محمد علي باشا، وتبعتها تكية المدينة المنورة على يد ابنه إبراهيم باشا.
وكانت قد بدأت قصة التكية المصرية في عهد السلطان الظاهر بيبرس البندقداري الذي أسس أول تكية في الحجاز، واستمرت التكية في النمو والازدهار على مر العصور، خصوصًا خلال العصر العثماني، حيث تم توسيعها وتحسين خدماتها لتشمل أعدادًا متزايدة من الحجاج.
ولذا الحجاز وقف وليس ملكية خاصة لدولة بعينيها، كذلك من حق بقية كل دول المنطقة التدخل لحظة الخطر أو انتهاك حرمة الحجاز على سبيل المثال وليس الحصر ٠ الأمارات ٠ قطر ٠ العراق ٠ ليبيا ٠تونس ٠ الجزائر ٠ المغرب ٠ الأردن ٠ حيث أصدر علماء رابطة اليمن بيانا يستنكرون فيه بشدة ما حدث مؤخرا فى مهرجان الرياض والذى أثار غضب المسلمين من كل أنحاء العالم الإسلامي وهو عمل محاكاه لمجسم الكعبة المشرفة ليطوف حولها عدد من عارضات الأزياء الأجانب بملابس شبة عارية وخليعة خلال شهر نوفمبر الحالي ٢٠٢٤
فقد قالت رابطة علماء اليمن في بيان لها: “إن الرابطة تدين بشدة ما أقدم عليه النظام السعوديّ تحت مسمى الترفيه بالأستهزاء بقبلة المسلمين التي يقول أنه الوصاي عليها من خلال تمثيل الكعبة والراقصات يرقصن حولها في مسرح ضمن فعاليات ما يُسمى بهيئة الترفيه،.
واستنكر البيان العبث بحق المقدسات الإسلامية، على حد قوله ٠٠٠ وما حدث من إساءة للأنبياء من قبل والتعدى بالأستهتار على ديننا من قبل إحدى المغنيات الأجانب داخل المهرجان ومرور الأمر دون مراجعه من السعودية أو حتى مجرد إعتراض ٠
فقط استنكر عدد من علماء السعودية نفسها ٠ الأمر ولكن مع الأسف تم اعتقالهم ٠ رغم أن من واجبهم الدفاع عن الأسلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
ولكن الكارثة انه منذ عام ٢٠١٦ تم استبدال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بهيئة الترفيه أو على الأدق تقليل فاعليتها ونشاطها ووقف الضابطية الشرطية لها وتقليص عملها الشرطي والدعوى حتى أصبح الأن منحصرا في بيانات للتوعية وليس لها أحقية التوقيف مثل سابق ٠٠٠ حيث كان عملها يسمح لها بمراقبة وتوقيف أي من يخرج عن العرف والشريعة، ومراقبة الألتزام بالزى الأسلامي للنساء وداخل المراكز التجارية والمطاعم ومراقبة ضوابط الأختلاط بين الرجال والنساء والمطالبة بأستخراج الهوية الشخصية لتأكد مع من تجلس الفتاة وغيرها من الضوابط الشرعية والدينية.
ولكن مع نفوذ هيئة الترفيه التى أعلنت إدارتها انه تم تخصيص ما يقرب من ٦٠ مليار دولار لها للإستثمار خلال العشر سنوات المقبلة من ملاه ومراقص ومسارح غنائية على غرار الغرب يباح فيها كل ما يحظره الدين الإسلامي وأن كان هذا له مبرر لديهم انه يحدث داخل الرياض، فان فما حدث من مجسم للكعبة ليس له مبرر ٠٠٠ لدى العالم الإسلامي، رغم انه كان قد صدر بيان من السلطات السعودية، وسط الهجوم عليهم من العالم الإسلامي، يقول أنه شكل مربع وأن هناك مبانيَ مكعبةً مشهورة في أرجاء المعمورة، كمتجر “أبل” في نيويورك و”مكعب برلين” في ألمانيا،
ولكن كان رد العلماء والناشطين أن تكرار المشاهد التي تحاكي الطواف حول مجسم يشبه الكعبة في فعاليات موسم الرياض لم يكن صدفة، بل هو مخطّط خارجي”، حَيثُ الهدف الإساءة للمقاسات الدينية. كما أن فى هذة الدول الغربية ليس لديهم كعبة أو عقيدة الحج والعمرة والطواف، ولم يمروا حوله يتراقصون كما أن بعضهم اعتاد على الإساءة لمعتقداتتا ٠ ولا يمكن التشبه بما يفعلونه ٠
وفي سياق هذا التجاوز ومن جانبه خرجت بيانات وتحذيرات شديدة اللهجة على مستوى بعض العلماء والشعوب من مختلف العالم الإسلامي وُجِّهت لهذا النظام مع تذكير آل سعود أن المقدسات الإسلامية ليس حكرا عليهم إنما هى تخص الأمة الإسلامية بأكملها.
وعليه، فاننا نرى أن مقدسات العالم الإسلامي ثلاث.. اثنان فى الحجاز الكعبة الشريفة فى مكة والمسجد النبوي فى المدينة ثم ثالث الحرمين الشرفين فى القدس وهو المسجد الأقصى.. فهل نطمح أن يأتي يوم ويكون لهاذه المقدسات الثلاثة إدارة موحدة من العالم الإسلامي للحفاظ على قدسية الأقصى الشريف، تتشكل بالانتخاب كل ثلاث أو أربع سنوات وتناط بها مسؤولية الحماية والحفاظ على مقدستنا الإسلامية، ذلك لأن الحفاظ على مقدساتنا أمانة فى رقابنا جميعا أمام الله ٠
*كاتبة مصرية