ما الذي يجري في سوريا، ولماذا الآن؟
بقلم: د. إبراهيم أبراش
ما يجري شمال سوريا في حلب وادلب وحماة من هجوم كاسح لجماعات إسلامية كجماعة النصرة وهيئة تحرير الشام وداعش وهي جماعات سبق وأن صنفتها واشنطن وانقرة بأنها منظمات إرهابية وتم تخصيص ملايين الدولارات لمن يساعد على إلقاء القبض على قياداتهم، بالإضافة الى جماعة الإخوان المسلمين ومرتزقة من دول إسلامية متعددة، وهو هجوم تم بتنسيق ودعم تركي أمريكي إسرائيلي…هذا التطور المفاجئ يثير كثيرا من التساؤلات حول الانهيار السريع للجيش السوري في تلك المناطق وعن سبب الارباك وتأخر ردة الفعل القوية ممن يُفترض أنهم حلفاء للنظام السوري وتقصد هتا روسيا وإيران، أيضا : أين كانت كل هذه الجماعات الإسلاموية مما يجري في فلسطين وفي القدس ولماذا لم نسمع لهم صوتاً طوال أكثر من عام من حرب الإبادة على غزة؟ وما الذي تسعى له هذه الجماعات بالضبط؟
مع مرور الوقت يتأكد أن الجماعات الاسلاموية بالرغم مما بينها من خلافات واختلافات مذهبية وعرقية ما هي إلا مجموعات مرتزقة في خدمة أعداء الأمة العربية الطامعين بالأراضي العربية وبينهم وبين العرب حقد تاريخي: إسرائيل وتركيا وإيران وأمريكا، وأنها لا علاقة لها بالإسلام الحقيقي بل أساءت له وللمسلمين محليا ودوليا، وجعلت كلمة المرتزقة في زماننا تعني جماعات إسلامية.
استمرار الصمت العربي الرسمي على هذا التحالف الاسلاموي الذي توجهه تركيا وإسرائيل وأمريكا تحت تبريرات إنها حرب أهلية سورية داخلية أو ثورة شغب يقاتل ضد نظام دكتاتوري، قد يؤدي لأن ننقل هذه الجماعات نشاطها إلى العراق والأردن ودول عربية أخرى، وهناك سوابق حيث أرسلت تركيا حوالي خمسة آلاف من هؤلاء المرتزقة سوريين وغيرهم إلى ليبيا أيضا ارسلت مرتزقة إلى النيجر وأذربيجان لتعزيز نفوذها هناك كما لا ننسى ما قامت به هذه الجماعات خلال سنوات ما يسمى الربيع العربي وقد اعترف حمد بن جاسم رئيس وزراء ووزير خارجية قطر السابق في لقاء مباشر مع قناة قطر الرسمية أن قطر والسعودية مولتا داعش والنصرة وقوى المعارضة الأخرى بمليارات الدولارات بتنسيق مع واشنطن وذلك بهدف نشر الفوضى في سوريا وإسقاط نظام الأسد، وهو ما أكدته لاحقا وزيرة خارجية أمريكا السابقة هيلاري كلينتون في كتابها “خيارات صعبة” ،جثى ترامب اتهم في أغسطس 2016 أوباما وكلنتون علنا أنهم وراء تأسيس تنظيم الدولة (داعش) ،وفي أبريل 2023 اعترف روبرت كندي المرشح للرئاسة الأمريكية قائلا ( نحن صنعنا داعش)…. وغيرهم من المسؤولين السياسيين ورحال الاستخبارات الذين اعترفوا أن داعش والجماعات الإسلامية المتطرفة صناعة أمريكية.
للأسف تحولت غالبية الجماعات (الإسلامية)، من جماعة الإخوان المسلمين إلى القاعدة وداعش والنصرة الخ، إلى جماعات مرتزقة في خدمة دول معادية للعرب والقضية الفلسطينية ولمن يدفع المال.
قد يقول قائل إنك تتجنى على هذه الجماعات وتتجاهل ثورة الشعب السوري ضد النظام وأن هدف هذه الجماعات إسقاط نظام الأسد وإقامة نظام ديمقراطي بديل على كل ربوع سوريا…
لو كانت هذه الجماعات جزءا من ثورة شعبية على نظام مستبد لتفهمنا الأمر، ولكن كيف لجماعات اسلاموية متطرفة لا تؤمن بالديمقراطية ومصنفة كجماعات إرهابية أن تؤسس نظاما ديمقراطيا؟ وهل إسرائيل وأمريكا وتركيا حريصون على الشعب السوري ويريدون نظاما ديمقراطيا؟ وكيف لهذه الجماعات أن توجد سوريا وتؤسس نظاما ديمقراطيا بالرغم مما بينها من اختلافات سياسية وتعدد مرجعياتهم ،من داعش والقاعدة والإخوان وتركيا وامريكا؟ ولماذا جاء هذا الهجوم مباشرة بعد وقف إطلاق النار على الجبهة اللبنانية؟
ما يجري في شمال سوريا قد يؤدي (لا سمح الله) إلى تقسيم سوريا لدويلات تسيطر عليها جماعات متطرفة ولن تتوحد سوريا مرة أخرى، وسيكون حالها حال العراق والسودان واليمن وليبيا، وكلها كانت ضحية ما يُسمى ثورة الربيع العربي وأكذوبة الثورة الشعبية من أجل الديمقراطية.
أما بالنسبة لعلاقة ما يجري في سوريا بفلسطين فهذه الأخيرة الخاسر الأكبر من التحولات التي تجري في العالم العربي بشكل عام، ولو كان ما يجري يندرج في سياق الانتقال والتحول نحو الديمقراطية لكانت فلسطين هي الرابحة لأن الشعوب العربية مع فلسطين وشعبها. لكن ما يجري في كل المنطقة العربية في السنوات الأخيرة ليس ثورة شعب وليس عبثيا أو مصادفة بل مخططا مدروسا، حيث فقد الفلسطينيون من كانوا يعتقدون أنهم حلفاء وتُركوا وحدهم في مواجهة العدو الصهيوني بالرغم من أن فلسطين ضاعت بسبب حروب فاشلة خاضتها الجيوش العربية. فقد الفلسطينيون نصف من كانوا يُفترض أنهم حلفاء بالتطبيع مع إسرائيل وفقدوا آخرين بانشغالهم بالفوضى والحرب الأهلية في بلدانهم، وما يعزز الشكوك حول ما يجري في سوريا وبما له علاقة بفلسطين أن هذه الأحداث تأتي في ظل استمرار حرب الإبادة على غزة وتهديدات اليمين الصهيوني بتهجير سكان القطاع وتصفية القضية الفلسطينية، ومباشرة بعد وقف إطلاق النار على الجبهة اللبنانية وما لحق بحزب الله ولبنان من خسائر، فأحداث سوريا سحبت الاهتمام العالمي من فلسطين والعدوان الصهيوني الى الملف السوري وتداعياته المحتملة، حتى الفضائيات الناطقة بالعربية جعلت أحداث سوريا لها الأولوية على الملف الفلسطيني.