هل يلقى بنيامين نتنياهو مصير إسحاق رابين؟؟

بقلم: محمد حماد*

في الوقت الذي كان بنيامين نتنياهو يستعدّ فيه للاحتفال بعيد ميلاده الخامس والسّبعين (21 أكتوبر/تشرين الأول 1949) في موقعٍ حصين يُمضي فيه حياته مع أسرته، جاءه خبر استهداف منزله في مدينة “قيساريا” حيث انفجرت مُسيَّرة آتية من لبنان بنافذة غرفة نومه ليس بعيدًا عن مخدعه وزوجته سارة، تعرّض بعد شهر منزل رئيس الوزراء الإسرائيلي لهجومٍ جديد، لكن الفاعل هذه المرة من الدّاخل الإسرائيلي، ما أعاد إلى الذاكرة الجماعيّة واقعة اغتيال إسحاق رابين في 4 نوفمبر/تشرين الثاني عام 1995.

استهداف “حزب الله” لحياة نتنياهو لا يرقى إلى مستوى الأخطار الحقيقيّة بحكم تحصّنه المستمر، الخطر الحقيقي يكمُن في ارتفاع وتيرة استهدافه من الدّاخل الإسرائيلي.

صحيح أنّ القنابل المضيئة لا تهدّد الحياة، لكنها تحمل رسالة ذات دلالة عميقة في توقيتها ومكانها وفي الفاعلين أيضًا. وتمّ التخطيط للحادثة بشكل جيّد، وقامت مجموعة من أربعة أفراد يترأسها عميد في الاحتياط بعمل ميداني وجولاتٍ حول المنزل. وكان العميد حصل على القنابل المضيئة من حاويةٍ يودع البحّارة فيها قنابل منتهية الصلاحية، وأثبتت التحقيقات الأوليّة أنه جمع عشرات القنابل المضيئة، وقام بتوزيع بعضها بين نشطاء الاحتجاجات ضد نتنياهو، والباقي احتفظ به في مخبأ للأسلحة، أرشد المحقّقين إلى مكانه حيث وجدوا فيه حوالى 20 قنبلة. صفة قائد المجموعة ورتبته تعني أنّ هناك تملمُلًا داخل الجيش يعبّر عن استيائه من سياسات نتنياهو الضارّة بأمن إسرائيل.

قرار نتنياهو إقالة وزير الدفاع في خضمّ الحرب أثار غضب قيادات كبيرة في الجيش الذي أعلن أكثر من مرة على لسان الوزير المُقال يوآف غالانت أنّ أهداف الحرب تحقّقت، وأنّ القرار السياسي يُطيل أمد الحرب لمصالح سياسيّة خاصّة على الرّغم من ارتفاع أعداد القتلى والمصابين جرّاء الحرب في غزّة ولبنان. اللّافت أنّ عدد القتلى الأكبر من بين الضبّاط والجنود الاحتياط هؤلاء، ينتمي إليهم قائد مجموعة استهداف منزل نتنياهو.

تعامُل نتنياهو الفظّ مع قادة الجيش يزيد من نسبة الرافضين لسياساته وأسلوبه في الحكم، وهو إن كان محصّنًا بتحالفه مع اليمين الدّيني المتطرّف الذي يضمن له الاستمرار في الحكم لكنه لا يحصّنه من مخاطر حقيقيّة وجدّية تهدّد حياته.

في ستّ حكومات ترأّسها نتنياهو خدم ثمانية وزراء دفاع، أقال منهم ثلاثة واستقال أحدهم، لم يتّفق رئيس الوزراء مع أيٍ منهم، على الرّغم من أنّهم من خلفيّات مختلفة، وشخصيّات متباينة، لكن جميعهم تقريبًا لديهم شيء واحد مشترك أنّ نتنياهو لم ينسجم معهم، وسعى إلى إطاحتهم بسبب مصالح سياسيّة وشخصيّة.

الجيش مؤسسة عسكريّة منضبطة لكنها قادرة على تصدير السّخط على نتنياهو في الأوساط المدنيّة، قد لا يأتيه الخطر منها بشكل مباشر، لكن يبقى الخطر الحقيقي كامنًا في صفوف أهالي الرّهائن، وأوساط اليمين الدّيني المتطرّف، وكذلك من شباب الحريديم الرّافضين للتجنيد في صفوف الجيش.

الخطر الذي يتربصّ برئيس الوزراء الإسرائيلي يتصاعد مع تزايد نسبة الإسرائيليّين الذين يعتقدون أنّ نتنياهو يقدّم مصلحته على مصالح البلاد، وأنّه يُحمِّل إسرائيل فاتورةً باهظة من أجل بقائه في السلطة، وأنّه يناور بالحرب لكي يتهرّب من الحكم عليه في قضايا فساد بينها الرشوة وخيانة الأمانة والاحتيال، إضافةً إلى جريمة التقصير الأمني في 7 أكتوبر/تشرين الأول.

المجتمع الإسرائيلي قائم على العنف، وإسرائيل دولة تنتج العنف الذي لا مبرّر له، وهي تتقن لعب دور الضحية، والمجتمع الإسرائيلي اليوم في أشدّ لحظاته انقسامًا، عبَّر عنه أحد كتّاب “هآرتس” في عنوان مقالته الأسبوع الماضي: “بعد 17 عامًا كرئيس للوزراء، يتقاتل نتنياهو مع أكثر من نصف شعبه، وهذا هو أكبر فشل له”.

ليس مستبعَدًا في ظلّ فشله وطول فترة حكمه، وما أحدثته سياساته من انقسامٍ حاد داخل المجتمع الإسرائيلي، وبعثه لشياطين المعتقدات الأسطوريّة، أن تأتي نهاية نتنياهو في لحظة انفجار الكبْت المتراكم لدى أولئك الذين ظلّوا يتظاهرون ضد قراراته وتصرفاته طوال فترة حكمه الأخيرة من دون أن يجدوا لاعتراضاتهم آذانًا صاغية.

اغتيال “رابين” ظل مستبعدًا وقد كان بمثابة الأب المعترَف به للعقيدة الصهيونيّة، والتعصّب التوراتي، ولحركة الاستيطان، وللجيش الإسرائيلي الموكل إليه حفظ أمن إسرائيل. على الرّغم من ذلك اغتيل على يد “ييغال عامير” المهاجر من أسرة مهاجرين والمتحمّس إلى درجة التعصّب، والمجنّد السّابق في الجيش الإسرائيلي، وخرّيج جامعة “بار إيلان” التي درس فيها الحقوق والقانون.

نتنياهو نفسه كان من أشدّ مَن حرَّضوا ضد “رابين” واتهمه بخيانة الشعب اليهودي مستغلًا غضب المتديّنين المتطرّفين، وقد شارك وزيره المفضل “إيتمار بن غفير” وعمره آنذاك 20 عامًا في الاحتجاجات ضد “رابين”، واستطاع مع آخرين الوصول إلى سيارة رئيس الوزراء وقتها والاعتداء عليها، وصرّح حينها بأنّ بإمكانهم الوصول إلى رابين نفسه ما داموا وصلوا إلى سيارته.

في داخل تحالفه الوزاري، يواجه نتنياهو المدمن للسلطة تهديدًا جدّيًا بانهيار التحالف الذي يضمن له الاستمرار في كرسي رئيس الوزراء.

خطأ واحد في الحسابات يمكن أن يُسْقط الحكومة، أو يُودي بحياة نتنياهو، والتهديد الجدّي يأتيه من صفوف الملتفّين حوله اليوم، يمينيّة نتنياهو لا تضمن له ولاءً مستمرًا من فرقاء اليمين الدّيني المتشدّد، وفي لحظة لا يُستبعد حدوثها يمكن أن تأتي نهايته كما سلفه “رابين” من أوساط اليمين الذي يقوده “بن غفير”، أو يخرج من بين صفوف الحريديم “عامير” جديد.

*كاتب مصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى