مقتل الحاخام كوغين في الإمارات يضيء على دور الحاخام هرتسوغ المقيم بالسعودية، وشعاره «من دخل دار ابن سلمان فهو آمن»
بيروت – الأخبار
بالنسبة إلى بعض الحكام في الخليج، لم يكن المؤشر المهم في مقتل الحاخام الإسرائيلي، زفي كوغين، في الإمارات، هو أنه يمثّل انتقاماً، من حاخام وعسكري إسرائيلي متطرّف، للمجازر التي يرتكبها العدو ضد الأبرياء في لبنان وقطاع غزة، بقدر ما كان القلق الذي يمثّله الهجوم على أمن الإسرائيليين في الخليج. قبل تلك الحادثة، كانت الإمارات تفخر بأنها واحة للأمن والأمان للإسرائيليين، ما أدى إلى تشكّل جالية معتبرة لهم في هذه الدولة، لها حاخاماتها وكُنُسها ومتاجر الكوشير الخاصة بها، وذلك في غضون أقل من سنة من توقيع اتفاق التطبيع في أيلول عام 2020. وهي سرعة ربما لم يشهد التاريخ نظيراً لها، واكبها تدفّق سنوي لأفواج سياحية تُعد بمئات الآلاف، ونمو كبير في التعاون الأمني والاقتصادي والتجاري، بسرعة غير معهودة أيضاً.
بالنسبة إلى نظام كالإماراتي، يمثل ذلك ذخراً يسهم في تثبيت أركانه وإعلاء شأنه وتوسيع دوره. ولذا، هو كان معنياً بالإسراع في القبض على من قالت السلطات إنهم منفّذو الهجوم، ومحاولة إنكار الهوية الإسرائيلية للقتيل الذي يحمل أيضاً الجنسية المولدوفية، رغم أن السلطات الإماراتية لم تنجح في طمس تاريخه في التطرف، كجندي في جيش العدو وناشط في حركة «حاباد» التي توصف بأنها الأكثر صهيونية بين نظيراتها، ولا سيما أنه يلعب بصفته نائب حاخام الإمارات، دوراً مركزياً في حياة الجالية. ولم يكن منبع إنكار الجنسية الإسرائيلية، الخوف من إظهار وجود من هو مستعد لحمل السلاح وقتل إسرائيلي في تلك الدولة، ولا سيما أن من اتهمتهم سلطات أبو ظبي بتنفيذ الهجوم ليسوا إماراتيين، وأنها استطاعت أن تقمع بشكل كامل مَن كان يمكن له مِن الإماراتيين أن يجاهر بمعارضته لاستضافة جالية إسرائيلية، فضلاً عن أن يفكّر بمواجهة هذا الوجود بالسلاح.
إلا أن السلطات هنا تضع في بالها، قبل أي أمر آخر، أنها تواجه منافسة في الخليج للعب هذا الدور، ولا سيما من الجار السعودي. ذلك على الأقل ما يقوله معارضون سعوديون، إذ يرى أحد هؤلاء، والذي يستخدم حساباً باسم «رجل دولة» على منصة «إكس»، أن ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، «سعيد جداً بالخرق الأمني الذي أدى إلى اختطاف الحاخام زفي كوغين وقتله في الإمارات، لأن هذه العملية من وجهة نظره ستضرب سمعة الإمارات أمنياً وسياحياً»، مضيفاً أن ولي العهد «أمر بإعداد خطة مفصّلة لجذب الحاخامات ورجال الأعمال الإسرائيليين إلى السعودية، وجعلها قبلة لهم في المنطقة بدلاً من الإمارات».
وحتى الإسرائيليون أنفسهم يقومون بمفاضلة بين السعودية والإمارات لا تنم سوى عن ابتزاز البلدين معاً. فالحاخام يعقوب هرتسوغ الذي يسمي نفسه حاخام جزيرة العرب، ينصح بزيارة المملكة تحت شعار «من دخل دار ابن سلمان فهو آمن»، مستشهداً بتجربته الشخصية، قائلاً: «لم ولن يتعرّض لي أحد في السعودية العظمى. أتجوّل لوحدي وأتسوق لوحدي وأركب المواصلات، ولم يسء لي أحد ولا أخاف على نفسي بفضل الله ثم العين السعودية الساهرة. نصيحة لكل يهودي، زُر السعودية، فهنا الأمن والسلامة والاستثمار الناجح والقيادة الحكيمة والشعب الطيب».
ولعل واحدة من أخطر النتائج لما حدث، هي أن العدو يسعى عبر هذا النوع من الابتزاز إلى رفع مستوى تدخّله في أمن الخليج، ولا سيما الإمارات، تحت عنوان عدم أهلية سلطات أبو ظبي لحماية الإسرائيليين. فبعكس الإنكار الإماراتي، أثارت إسرائيل زوبعة إعلامية حول الحادثة، وتعهّدت بمعاقبة المنفّذين من دون أي إشارة إلى أن ذلك يقع على عاتق سلطات البلد المعني، وهذا يفتح الباب واسعاً على تدخّل في إجراءات حماية الإسرائيليين داخل الإمارات، بحيث لا يعود مستبعداً إنشاء محطات علنية للموساد في مدن البلاد.