المطابقة النظرية والعملية بين الصهيونية والنازية

بقلم: د. غازي حسين

ابتليت الإنسانية في أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين بأيديولوجيتين عنصريتين هما الصهيونية والنازية.
توحدت جميع شعوب العالم في محاربة النازية وانتصرت عليها بعد الخراب والدمار والإبادة التي أنزلتها بالبشرية جمعاء.
ولكن العالم قصّر في مواجهة عنصرية الصهيونية ووقف الحرب والعدوانية والخراب والدمار والإبادة والتخلف وزعزعة الاستقرار وعرقلة التنمية والتطوير الذي خلفه الكيان الصهيوني، ولا يزال مستمراً في ممارسته في فلسطين وسورية وجنوب لبنان.
لا يزال العالم بحاجة أكثر للكشف عن فساد ومخاطر الأيديولوجية الصهيونية و«الكيان الصهيوني على منطقتنا وعلى العالم» ونجاح اليهودية العالمية بوضع «إسرائيل» فوق القانون الدولي وتمردها على تطبيق مبادئ وقرارات الشرعية الدولية، وممارستها للعنصرية والإرهاب والاستعمار الاستيطاني كسياسة رسمية.
تستغل اليهودية العالمية و«إسرائيل» جرائم النازية ضد المعادين لها وضد اليهود الذين آمنوا بالاندماج، أي اليهود غير الصهاينة كوسيلة للحصول على الأموال والأسلحة الهائلة وللتغطية على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ترتكبها «إسرائيل» منذ تأسيسها وحتى يومنا هذا، وتحاول أن تفرض الاستسلام على الشعوب والحكومات العربية وإجبارهم على القبول بالمشروع الصهيوني الأوروبي في الوطن العربي، وتسخر جرائم النازية ووحشيتها لإبقاء الصهيونية والكيان الصهيوني بعيداً عن تهمة العنصرية والاستعمار والإبادة الجماعية بحق شعبنا العربي الفلسطيني.
وفي هذا الإطار يجب أن ننظر إلى الجهود التي بذلتها الولايات المتحدة الأميركية عشية مؤتمر مدريد عام 1991 لإلغاء قرار الأمم المتحدة رقم 3379 الذي ساوى الصهيونية بالعنصرية والضغوط التي مارستها بمساعدة دول الاتحاد الأوروبي على مؤتمر ديربان في جنوب إفريقيا للحيلولة دون إدانة «إسرائيل» بالعنصرية على الرغم من أن خمسة آلاف منظمة أهلية اجتمعت في ديربان وأدانت الصهيونية و«إسرائيل» بالعنصرية. فلولا الولايات المتحدة لما استطاعت إسرائيل أن تحقق ذلك.
ارتكبت النازية جريمة الإبادة الجماعية بحق المعادين للنازية ومنهم اليهود والغجر، وترتكب الحكومة والجيش والمخابرات والمستوطنون اليهود الإبادة الجماعية (الهولوكوست) بحق الفلسطينيين والعرب، فالحرب التي أعلنتها الصهيونية العالمية و«إسرائيل» هي حرب ضد الشعب الفلسطيني كله في جميع مخيماته ومدنه وقراه بدءاً من جنين ومروراً بنابلس ورام الله والقدس والخليل وحتى غزة وخان يونس ورفح. وتؤكد العديد من الحركات اليهودية المتطرفة ومنها حركة كاخ، وذلك في بيان أصدرته بعد مجازر صبرا وشاتيلا التي خطط لها السفاح شارون واختار الزمان والمكان والأداة لتنفيذها وقدّم الآليات والوسائل لإخفاء معالمها وجاء في بيان هذه الحركة الإرهابية والعنصرية ما يلي: إن حرب اليهود ليست مع منظمة التحرير الفلسطينية وحدها، بل مع الشعب الفلسطيني كله، وهي حرب مقدسة تقتضي إبادة هذا الشعب كله، الذي تتمثل مؤامراته في تدمير «إسرائيل».
فكيف لي كلاجئ فلسطيني أن أتوقف عن كراهية هذه المجموعات وأعقد الصلح والاعتراف والتعايش معها؟
قامت النازية على أساس تفوق العرق الآري بالنقاء والذكاء على بقية الأعراق، وعملت على المحافظة على النقاء والانغلاق العنصري وممارسة العنصرية والإرهاب والحروب تجاه الأعراق والشعوب الأخرى.
وتقوم الصهيونية على أسس فكرة شعب الله المختار ووجود عرق يهودي نقي ومتميز بالذكاء والاختيار الإلهي على غيره من الشعوب، والاعتقاد بوجود شعب يهودي عالمي وأمة يهودية، وعلى فكرة تنظيف أوروبا والعالم من اليهود وترحيلهم إلى فلسطين العربية وترحيل العرب منها وإقامة «إسرائيل» العظمى الاقتصادية.
نادت النازية بنظرية المجال الحيوي بنظرية المجال الحيوي لألمانيا في أوروبا، وتنادي الصهيونية بفكرة المجال الحيوي لليهود في المنطقة العربية والإسلامية من النيل إلى الفرات كمقدمة للهيمنة على العالم.
استخدمت ألمانيا النازية الحروب والإبادة الجماعية لفرض سيطرة العرق الآري تماماً كـ «إسرائيل» التي تستخدم الحروب والإبادة والاغتيالات والتدمير والهجرة والترحيل والاستعمار الاستيطاني لفرض هيمنة الصهيونية والكيان الصهيوني على منطقة الشرق الأوسط الكبير الممتدة من القدس حتى جمهوريات آسيا الوسطى.
طالبت النازية بولاء جميع الألمان لها أينما كانوا واعتبرت نفسها ممثلة للألمان داخل وخارج ألمانيا وتنادي الصهيونية والكيان الصهيوني بازدواجية ولاء اليهود لـ «إسرائيل» وللبلدان التي يقيمون فيها مع أولوية الولاء لها، كما تدعي حقها في تمثيل جميع اليهود في العالم الأحياء منهم والأموات.
تتعاطف وتتعاون الحركات والحكومات العنصرية مع بعضها البعض نظراً للتشابه النظري بينها والقواسم المشتركة التي تجمعها، لذلك تعاونت الصهيونية مع النازية ومع نظام الأبارتيد في جنوب إفريقيا وتقيم أوثق العلاقات مع الأنظمة الديكتاتورية وعصابات المافيا في كولومبيا والولايات المتحدة وأوروبا.
وعلى الرغم من التشابه النظري والتعاون العملي بين الصهيونية والنازية فقد استخدمت اليهودية العالمية و«إسرائيل» «النازية» والهولوكوست سلاحاً حاداً في وجه كل من ينتقد «إسرائيل» وتتهمه باللاسامية، لممارسة الضغط والابتزاز الفكري والسياسي والإعلامي لوضع «إسرائيل» فوق القانون الدولي والشرعية الدولية.
ويتبين من التشابه والتوافق بين النظريتين في الفكر والمنطق أن الإرهاب النازي والإرهاب الصهيوني ليس ناجماً من فراغ وإنما هو ناتج عن فكر وتطبيق لنظرية جاهزة ومدروسة. والإرهاب هو الأسلوب المعتمد والمرتكز الأساسي للنظريتين العنصريتين تحقيقاً لشعار البقاء للأصلح وانطلاقاً من الفكر العنصري للنازية والصهيونية القائم على التفوق العنصري والنقاء العرقي المنطلق من تفوق العرق الآري وشعب الله المختار.
تعاونت النازية مع اليهود الصهاينة واضطهدت اليهود الاندماجيين وكانت ضد اليهود كدين ولم تكن أبداً ضد الصهاينة انطلاقاً من أفكارهم النازية القائلة: «إن التعارض الديني ينجم عنه تعارض سياسي». بدأت النازية توسعها في أوروبا انطلاقاً من فكرة المجال الحيوي وشجع هتلر نفسه الهجرة اليهودية إلى فلسطين لتنظيف أوروبا منهم تحقيقاً لفكرة المجال الحيوي، لأن هذه الهجرة لا تضره بل تخدمه ما دامت متجهة إلى فلسطين الخاضعة للاستعمار البريطاني. وتتجسد فكرة المجال الحيوي لدى الصهيونية بالحدود التوراتية والتاريخية والآمنة، وعودة اليهود لأرض آبائهم المزعومة واعتبار الضفة الغربية المحتلة أراض محررة وليست محتلة.
ويعني الحل النهائي للمسألة اليهودية تنظيف ألمانيا وأوروبا من اليهود وترحيلهم سراً بتعاون ألمانيا النازية مع الوكالة اليهودية إلى فلسطين، أو ترحيلهم بعد اندلاع الحرب إلى معسكرات الاعتقال، ولا يعني الحل النهائي التصفية الجسدية لليهود كما تزعم إسرائيل واليهودية العالمية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى