أميركا تناهض قرار المحكمة الجنائية ضد نتنياهو أكثر من إسرائيل، وتهدد بمعاقبة حلفائها الأوروبيين الممتثلين للقرار
بيروت – جريدة الأخبار
فور إصدار «المحكمة الجنائية الدولية» أوامر اعتقال بحق رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، ووزير دفاعه السابق، يوآف غالانت، بدت الولايات المتحدة وكأنّها معنيّة بالقرار أكثر من إسرائيل نفسها، إذ لم تكتفِ بالتنديد به فقط، بل ذهب بعض المسؤولين الأميركيين حدّ تهديد حلفاء واشنطن بـ»سحق اقتصادهم»، في حال امتثلوا للقرار، والتلويح حتى بإمكانية «غزو» الدول لـ»فك أسر» المسؤولين الإسرائلييين الذين قد يتمّ احتجازهم. وهذه المرة، لا يبدو أنّ إشهار ورقة «معاداة السامية»، والتي حاولت إسرائيل جعلها تكتسب زخماً عالمياً منذ «طوفان الأقصى»، سيُساعد في الحد من عزلتها المتزايدة، ولا سيما أنّ رد فعل الولايات المتحدة على القرار المشار إليه، أعادت الانقسام بينها وبين حلفائها الأوروبيين إلى الواجهة بقوة.
وقد هدّد السيناتور الجمهوري، ليندسي غراهام، بمعاقبة حلفاء الولايات المتحدة، في حال نفذوا أوامر الاعتقال بحق نتنياهو وغالانت، قائلاً، في مقابلة على شبكة «فوكس نيوز»، الجمعة: «إلى جميع الحلفاء، كندا أو بريطانيا أو ألمانيا أو فرنسا، إذا حاولتم مساعدة المحكمة الجنائية الدولية، فسوف نعاقبكم». وعلى ما يبدو، أثار قرار «الجنائية الدولية» الذعر في أوساط بعض صنّاع السياسة الأميركيين، والذين بدؤوا يتحسّسون خطراً قادماً إليهم وإلى بلادهم؛ إذ هددّ غراهام بأنّ «الولايات المتحدة ستسحق اقتصاد» الدول التي تتخذ مثل تلك الخطوة، واضعاً واشنطن في مواجهة مباشرة مع المحكمة، عبر الإشارة إلى أنّه «سيتعين عليهم الاختيار بين المحكمة الجنائية الدولية المارقة أو أميركا». ودعا المسؤول الجمهوري المشرعين الأميركيين إلى «التصرف بقوة ضد المحكمة»، في إشارة إلى إمكانية فرض عقوبات عليها، مردفاً: «إسرائيل ليست عضواً في المحكمة، ولا الولايات المتحدة. إسرائيل لديها نظام قانوني قوي جداً وكذلك الولايات المتحدة. وإذا لم نقاوم هجوم المحكمة الجنائية الدولية على إسرائيل، فإننا نعترف بأن لديهم سلطة قضائية علينا». كما زعم أنّه لا يجب أن «يعتقد العالم للحظة أنّ المحكمة تمتلك الشرعية لبتّ قرار الاعتقال، لأننا يمكن أن نكون التالين». وكان الزعيم القادم إلى «مجلس الشيوخ»، جون ثون، قد هدد، بدوره، في وقت سابق، بفرض عقوبات على «الجنائية الدولية» إذا سعت رسمياً إلى إصدار أوامر الاعتقال، مطالباً بتمرير تشريع يسمح بفرض تلك العقوبات.
كذلك، اقترح بعض المشرعين الأميركيين اللجوء إلى «القوانين» للضغط على المحكمة والدول التي تمتثل لقراراتها، فيما ذهب السيناتور الجمهوري، توم كوتون، إلى حد التلويح باللجوء إلى القانون المسمى «قانون غزو لاهاي»، والذي يسمح للرئيس الأميركي باستخدام جميع الوسائل الضرورية لإطلاق سراح أي عضو من أعضاء الخدمة الأميركية، سواء كان محتجزاً أو معتقلاً من قبل المحكمة أو بالنيابة عنها أو بأمر منها، جنباً إلى جنب «حماية المواطنين الأميركيين أو مواطني الدول الحليفة لواشنطن»، من أي متابعات قانونية من طرف «الجنائية الدولية»، وضمان عدم إلقاء القبض عليهم. وكتب كونون، في منشور عبر «أكس»: «يُعرف القانون الأميركي بشأن المحكمة الجنائية الدولية باسم (قانون غزو لاهاي) لسبب وجيه. فكروا في الأمر».
وسبق أن أعلن المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي، الخميس، رفض واشنطن للقرار، مذكراً بأنّ «الولايات المتحدة كانت واضحة في أن المحكمة الجنائية الدولية لا تمتلك اختصاصاً في هذه المسألة»، على حدّ زعمها، وهي النقطة التي انطلقت منها واشنطن، أساساً، كذريعة لعدم التوقيع على «اتفاقية روما» التابعة للمحكمة. على أنّه كان لافتاً إعلان عبد الله حمود، رئيس بلدية ديربورن في ولاية ميشيغان، في منشور عبر «أكس»، أنّ السلطات في ديربورن «ستعتقل نتنياهو وغالانت إذا وطأت قدماهما حدود المدينة»، داعياً المدن الأخرى إلى القيام بالمثل.
زيادة الانقسام
وتنذر التهديدات الأميركية بمزيد من الانقسام بين واشنطن وحلفائها الأوروبيين، قبل تولّي الرئيس المنتخب، دونالد ترامب، منصبه رسمياً حتى، ولا سيما أنّه وعلى الرغم من مقاومة المجر التي نددت بالقرار وأعلنت، على لسان رئيسها، فيكتور أوربان، أنّها «ستدعو نتنياهو وغالانت إلى زيارة البلاد»، أعلنت إيطاليا وإيرلندا وبلجيكا وهولندا وفرنسا أنها ستحترم قرار المحكمة، فيما أكدت دول أخرى، ولا سيما هولندا وإيطاليا، أنّها ستعتقل، بالفعل، نتنياهو وغالانت في حال تواجدهما على أراضيها. وقال وزير الدفاع الإيطالي، غيدو كروسيتو، الخميس، إنه على الرغم من أنه من «الخطأ» مقارنة نتنياهو وغالانت بـ»حماس»، على حدّ تعبيره، إلا أنّه في حال دخل المسؤولان إيطاليا، «فسيتعين علينا اعتقالهما». ومن جهته، أكد مسؤول السياسة الخارجية في «الاتحاد الأوروبي»، جوزيب بوريل، أنّ أمر «الجنائية الدولية» باعتقال نتنياهو وغالانت «ليس سياسياً»، «ويجب احترام قرار المحكمة وتنفيذه»، لأنّه «ملزم».
وفي حين أعلنت فرنسا أنها تحترم قرار المحكمة، من دون التأكيد ما إذا كانت ستعتقل المسؤولين الإسرائيليين، نقلت صحيفة «لو موند» الفرنسية عن مايكل سفارد، المحامي المتخصص في الدفاع عن حقوق الإنسان، قوله إنّ إصدار تلك الأوامر هو «اختبار عملاق» للمحكمة، التي «للمرة الأولى، توجه الاتهام إلى مسؤولين في مثل هذه الدولة القوية، والتي يُطلق على حليفها الرئيسي اسم الولايات المتحدة، قبل شهرين من دخول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض». واعتبر الخبير أنّ «المذكرات ترسم صورة بلدنا في خضمّ أحلك الأوقات، وجرائم الحرب وتلك التي ضد الإنسانية»، متسائلاً: «هل سنستمر في توحيد الصفوف مع الأشخاص المتهمين بهذه الجرائم، أم أننا سنعيد تقييم الطريقة التي تشن بها الحرب في غزة؟»، مشيراً إلى أنّ هذه اللحظة «هي أيضاً حاسمة بالنسبة إلى نظامنا القضائي الذي يخضع لإدانة كبيرة».
ومن جهتها، اعتبرت صحيفة «ذا أوبزرفر» البريطانية الأسبوعية، أن مذكرات التوقيف ستكون لها «تداعيات هائلة على إسرائيل وفلسطين، وعلى العدالة الدولية والنظام العالمي القائم على القواعد، والذي تعهدت بريطانيا وحلفاؤها بدعمه»، وأنّها ستشكل «اختباراً لن يجرؤ المجتمع الدولي على الرسوب فيه»، واصفةً الخطوة بـ»غير المسبوقة والضرورية والنزيهة». كما انتقدت الصحيفة محاولات إسرائيل وضع القرار في خانة «معاداة السامية»، مشيرةً إلى أن الأخير «غير مرتبط إلى حدّ كبير بمعاداة السامية، كما أنه لا علاقة له بحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، بل المسألة مرتبطة بالإفلات من العقاب والعدالة».
كذلك، رأت صحيفة «وول ستريت جورنال» أن أوامر الاعتقال الصادرة بحق الرئيس نتنياهو ووزير دفاعه السابق تهدّد بتعميق «العزلة العالمية لدولة تتعرض بالفعل لضغوط في جميع أنحاء العالم بسبب تعاملها مع الحرب في قطاع غزة»، مشيرةً إلى أن القرار قد يدفع بعض الحكومات إلى تقليص الاتصالات مع نتنياهو ومسؤولين إسرائيليين آخرين»، وفقاً لخبراء قانونيين ومسؤولين مطلعين، جنباً إلى جنب تدعيم الجهود الرامية إلى رفع قضايا جرائم حرب جديدة ضد مسؤولين إسرائيليين ومن «حماس» من الرتب الأدنى، في المحاكم الوطنية في أوروبا وأماكن أخرى. كما قد يزيد القرار من النزعة القائمة على تجنب الأكاديميين والمسؤولين الإسرائيليين وشركات الدفاع المتواجدة في عدد من البلدان، علماً أنّه في الصيف الماضي، قطعت أكثر من 20 جامعة في أوروبا وكندا العلاقات مع المؤسسات الإسرائيلية، ونُبذت الشركات الإسرائيلية في المعارض التجارية، في حين مُنعت وزيرة العدل الإسرائيلية السابقة، أييليت شاكيد، أخيراً، من الحصول على تأشيرة لدخول أستراليا والمشاركة في مؤتمر نظمته منظمات يهودية.