حروب غزة ولبنان والنفاق السياسي والاجتماعي العربي
بقلم: د. كاظم ناصر
أصبح النفاق السياسي والخذلان بكل أشكاله ومستوياته جزأ لا يتجزأ من ممارسات أنظمتنا السياسية، وآفة تعاني منها شعوبنا وثقافتنا العربية وينطبق علينا ما قاله رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم” آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا أؤتمن خان. ” وكما قال الشاعر السوري علي أحمد سعيد الملقب ” أدونيس ” إن الثقافة العربية السائدة التي هيمنت عليها أنظمة حكم تسلطية عميلة فاسدة من خلال تحكمها بوسائل الإعلام والأحزاب والمؤسسات الدينية والمدارس والجامعات لا ” تعلم إلا الكذب والنفاق والرياء “، ومن الدلائل الواضحة على نفاق مجتمعاتنا ردود فعل الحكام والشعوب العربية على حروب الإبادة التي تشنها دولة الاحتلال على قطاع غزة ولبنان.
فبعد مضي ما يزيد عن ثلاثة عشر شهرا من حرب الإبادة والدمار الشامل المنهجي التي تقوم بها دولة الاحتلال على قطاع غزة، وشهرين على شن هجومها البري على لبنان، ما زالت الأنظمة العربية تقف موقف المتفرج على هذه الجرائم، ولم تتمكن حتى من تقديم الغذاء والدواء لأهلنا في غزة، وإن إسرائيل سمحت لبعض الحكام العرب بتقديم بعض الأغذية والأدوية الشحيحة لمنكوبي غزة، ليس خدمة لغزة وأهلها، بل للتغطية على خيانة أولئك الحكام وتمكينهم من مواصلة الكذب على شعوبهم وتضليلها بالادعاء أنهم هم وانظمتهم يقفون إلى جانب الشعب الفلسطيني ويعملون على مساعدته.
والأسوأ من ذلك هو أن معظم الدول العربية، خاصة دول التطبيع التي تنافق وتزعم بأنها تدعم أهلنا المنكوبين في قطاع غزة وترفض الهجوم على لبنان، لا تخفي عداءها للمقاومة وتعتبر المقاومة الفلسطينية واللبنانية مغامرة، وترى فيها تهديدا لأنظمتها لدرجة أنها ما زالت تحتفظ بعلاقات جيدة مع دولة الاحتلال، وتساعدها من وراء الكواليس وبصورة علنية، ومن المتوقع أن تعمل مع الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب لتمرير ” صفقة القرن ” التي طرحتها خلال إدارته الأولى، ولفرض حل صهيوني – أمريكي على الفلسطينيين والعرب لتصفية القضية الفلسطينية، وتكرس الاحتلال، وتمهيد الطريق للتوسع الإسرائيلي في العالم العربي.
وعلى المستوى الشعبي شهدت المدن الرئيسية في معظم دول العالم وعدد كبير من جامعاتها مظاهرات صاخبة أعرب المشاركون فيها عن رفضهم لاستمرار الحرب، وتعرض بعضهم للاعتقال والضرب وأصيب بعضهم بجراح، بينما بقيت معظم الشعوب والجامعات العربية هادئة مستسلمة منشغلة بالمباريات الرياضية، والمواسم الفنية كموسم الرياض، رغم أنه يفترض أن تكون هي الأقرب وجدانيا ودينيا وثقافيا ومصيريا لغزة ولبنان والأكثر حرصا على أمنهما ومستقبلهما. والمؤسف والمضحك هو أن بعض الدول العربية سمحت بتنظيم مظاهرات ” مرتبة ” مؤيدة للفلسطينيين وفق شروط صارمة جدا، وفي أماكن قامت بتحديدها مسبقا تم نقل المتظاهرين إليها على حافلات، وطوقوا برجال المخابرات والأمن، وطلب منهم ترديد هتافات مؤيدة لغزة، ول” أولياء الأمر ” في الوقت نفسه.
والسؤال الذي ما زال يطرح نفسه منذ بدء الحرب على غزة ولبنان هو: لماذا ما زالت معظم الشعوب العربية هادئة مستسلمة مستكينة ولم تفعل شيئا يذكر لنصرة الفلسطينيين واللبنانيين؟ يبدو أن من أهم الأسباب التي أدت إلى احجام الشعوب العربية عن الخروج والاحتجاج على الجرائم التي ترتكبها دولة الاحتلال هو القمع وأساليب التخويف والرعب والاعتقال التي تمارسها السلطات العربية، وإن المجتمعات العربية تعرضت، وما زالت تتعرض لعمليات غسيل مخ متواصل من قبل الأنظمة العربية استخدمت فيها وسائل الاعلام، وكتاب ورجال دين مرتزقة لتضليل وخداع المواطنين وإقناعهم بالانكفاء على المصالح القطرية الداخلية والشخصية، وبأن الخروج في مظاهرات للمطالبة بوقف الحروب في غزة ولبنان يعتبر خروجا عن طاعة ” ولي الأمر “، ولا يحقق لهم أي منافع، ويعرض بلدهم وأمنهم ومصالحهم للخطر.
وإذا ” استمر الحال على هذا المنوال “، وبقيت الشعوب العربية مسلوبة الإرادة، صامتة، مستسلمة ولم تتحرك لتغيير واقعها المرير بالتصدي لحكامها الخونة، وللاعتداءات الإسرائيلية – الأمريكية، فإن أمتنا العربية ستواجه المزيد من الانقسامات وحمامات الدم، وسيكون مستقبلها كارثيا!