لماذا يتفاجأ الشارع العربي بمواقف أمريكا الداعمة لإسرائيل؟
بقلم: راني ناصر*
من العجيب والغريب أن تكتظ وسائل الإعلام العربية، المرئية والمقروءة والمسموعة، ومواقع التواصل الاجتماعي، بالمحللين والصحفيين، إضافة إلى عدد كبير من عامة الناس، الذين يُظهرون يومًا بعد يوم دهشتهم من مواقف الولايات المتحدة الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية، أو من إدارة ترامب الجديدة التي تضم عددًا كبيرًا من مؤيدي دولة الاحتلال. والمؤسف والمحزن في الوقت ذاته أن شريحة كبيرة من الشارع العربي ما زالت تنتظر أو تعتقد أن الولايات المتحدة هي مفتاح الحل للقضية الفلسطينية، على الرغم من مرور أكثر من سبعة عقود على اندلاع هذا الصراع.
فتقديم أمريكا لدولة الاحتلال غطاءً سياسيًا للتنصل من القرارات الأممية وأحكام المحكمة الدولية، وتوفيرها للإمدادات العسكرية غير المحدودة للكيان الصهيوني، لا يبرئها من مشاركتها في الإبادة الجماعية التي يتعرض لها أهل غزة، ولا من كونها العامل الأساسي لاستمرارها؛ ولكن ماذا ينتظر الشارع العربي من الولايات المتحدة التي أعلنت بوضوح منذ أكثر من سبعة عقود أنها تقف في صف دولة الاحتلال؟ وإن لم يسمع العرب تصريح أمريكا الداعم لقيام دولة الاحتلال في عام 1948، ألم يتعلم الشارع العربي من خلال خوضهم حروبًا متعددة مع إسرائيل من تاريخهم بوقوف أمريكا مع دولة الاحتلال في كل حروبها ضدهم؟ وفي حال غاب الشارع العربي جميعه عن دروس التاريخ في مدارسهم حول هذا الصراع، ألا يسمع الشارع العربي من الساسة الأمريكيين الذين يذكروهم بشكل شبه يومي حول وقوف امريكا قلبًا وقالبًا مع الكيان الصهيوني؟
ولهذا ألا يخجل المحللون والإعلاميون العرب الذين يظهرون شبه يوميًا على الفضائيات العربية للوم الولايات المتحدة على ما يحدث في غزة، بينما السلطة الفلسطينية والأنظمة العربية اجمالا تتاجر بهم وبالعروبة والإسلام والقضية الفلسطينية منذ عقود؟ ألا يخجل هؤلاء من سلطتهم التي تجاهر علانية بدفاعها عن بقاء دولة الاحتلال، سواء من خلال تنسيقها الأمني مع الكيان الصهيوني، أو من خلال ملاحقة الناشطين والمعارضين لجرائم الإبادة في غزة في الضفة الغربية وغيرها وتسليمهم لإسرائيل، أو من خلال مساعدة الكيان العبري في الحيلولة دون اندلاع انتفاضة ثالثة حرصًا منهم على تخفيف عدد الجبهات المفتوحة على دولة الاحتلال؟
ألا يخجل هؤلاء من قيام أنظمتهم بتزويد الصهاينة بالخضراوات والفواكه، بينما يموت أهل غزة جوعًا وعطشًا؟ أو من إسقاط الصواريخ الإيرانية فوق رؤوس شعوبهم حفاظًا على سلامة الصهاينة؟ أو من شيطنة الفلسطينيين وحقهم في الدفاع عن النفس وتقرير المصير؟ أو من استخدام النفط العربي لإبادة شعب عربي آخر بأكمله؟ أو من السماح للولايات المتحدة باستخدام قواعدها العسكرية في عواصمهم لنقل الذخائر العسكرية بشكل متواصل إلى إسرائيل لاستمرار حرق غزة والتوسع في المنطقة؟ أو من فتح أجوائهم للمقاتلات الصهيونية لقصف بلد عربي او مسلم آخر؟
ألا تخجل أمة تتكون من 460 مليون نسمة، من خذلانها المنقطع النظير لغزة خصوصًا وللقضية الفلسطينية عمومًا، بتبريرها لخيانة وعمالة أنظمتها إما بترديدها عبارات مثل “ليس لحكامنا أي حيلة” أو “حكامنا مُؤتَمرون” مع العلم بان حكامها لم يكونوا يوما معنيين أصلا بقضاياها او حرصين على الدفاع عنها؟ ألا تخجل هذه الامة من إقامة الاحتفالات والمهرجانات، كما حدث مؤخرًا في إحدى الدول العربية، حيث حضر أكثر من مائة ألف شخص حفلًا غنائيًا، في وقت يعاني فيه الحاضرون من نظام استبدادي يحكمهم بالحديد والنار، ويحاصر غزة برًا وبحرًا وجوًا منذ أكثر من 17 عامًا، وفي وقت تُذبَح فيه الأمة من الوريد إلى الوريد، وتواجه تهديدًا وجوديًا غير مسبوق. ألم تُصَب هذه الامة بأي حرج من رؤية الشعوب الغربية البعيدة جغرافيًا وعقائديًا وعرقيًا وثقافيًا عن فلسطين تخرج بمئات الآلاف في معظم العواصم الغربية تنديدًا بدعم بلدانهم لحرب الإبادة في غزة، بينما اكتفت الشعوب العربية ببعض التعليقات والشعارات الجوفاء على فيسبوك؟
انا لا ابرئ باي شكل من الاشكال مشاركة الولايات المتحدة في الجرائم التي ترتكبها إسرائيل ضد غزة والمنطقة عموما؛ ولكن لا يمكن ان ننكر انه لولا تواطئ وخيانة الحكام العرب، وخذلان شعوبهم لغزة لما استطاعت أي قوى عظمى ان تفعل ما تفعله الولايات المتحدة في المنطقة اليوم.
*كاتب فلسطيني مقيم بالولايات المتحدة