قمة الرياض.. خالية من الدسم
بقلم: د. زيد احمد المحيسن
في الرياض، حيث يلتقي زعماء العرب ويتبادلون الابتسامات، لكنهم يفرّون من المسؤولية، انعقدت القمة العربية والإسلامية وكأنها فرصة للحديث عن السلام دون أن يتحرك أحد لملاقاة الواقع. فخرجت القمة بقرارات أشبه بموجات بحرية هادئة، تحمل على متنها “إدانة” جديدة لجرائم الاحتلال الإسرائيلي، وتأكيد على دعم الجهود الدولية لوقف النار، لكن دون أدنى محاولة لوقف آلة القتل نفسها. من الواضح أن القمة لم تكن سوى منصة للتأكيد على ما هو مكرر، وكأننا أمام برنامج ترفيهي لملء الوقت، لا محاولة حقيقية لإنهاء المذبحة في غزة.
المشكلة أن القمة، التي كانت فرصة ذهبية لفرض تغيرات حقيقية في مسار الصراع، لم تخرج عن نطاق كلمات رنانة ترفع شعارات أكثر من كونها تدابير حقيقية. لم يتحدث أحد عن كيفية إيقاف تدفق الأسلحة إلى إسرائيل، أو حتى عن إلغاء الاتفاقات الاقتصادية التي تربط بعض الدول العربية بهذا الكيان المحتل. لا أحد ذكر إمكانية الضغط على الولايات المتحدة، تلك القوة التي تضخ الحياة في آلة الحرب الإسرائيلية، بل على العكس، كان “التقدير” لجهود أمريكا في السعي لوقف النار، رغم أنها في النهاية هي الراعي الأول لعدوان إسرائيل.
لم يجرؤ أحد على اقتراح قطع العلاقات مع إسرائيل أو وقف بيع النفط لها أو قطع أي دعم اقتصادي أو عسكري. بل إن المواقف الرسمية بقيت محصورة في الكلمات الرقيقة التي تطالب بوقف القتل، بينما لم يتم التطرق إلى حقيقة أن الولايات المتحدة، بكل ثقلها العسكري والسياسي، هي التي تسهم في إدامة الحرب. وكأن الزعماء ما زالوا يحلمون بأن ترامب، الذي كان أول من دعا لتدمير غزة ونقل السفارة إلى القدس، سيصبح يوماً ما “صانع السلام”.
لو كانت هناك أي جدية من هذه القمة لوقف المجزرة، لكان من الأولى طرح جملة من وسائل الضغط التي قد تثير قلق الاحتلال والراعي الأكبر له. من إلغاء الاتفاقيات الاقتصادية مع إسرائيل، إلى تهديد باستخدام سلاح النفط والغاز، يمكن للعالم العربي أن يثبت أنه ليس مجرد “داعم” للقضية الفلسطينية بل قوة فعّالة. ألم يكن من الممكن تهديد إسرائيل بتغيير التحالفات في المنطقة، والانفتاح على دول صاعدة مثل الصين والهند وروسيا؟ أليست هذه فرصة لجعل الدولار الأمريكي يبتعد عن المنطقة إذا قررنا استخدام عملات أخرى في بيع النفط والغاز؟ وإذا كان الأمر جادًا، فلماذا لا يُحذّر من إغلاق القواعد العسكرية الأمريكية في المنطقة، ليختاروا بين دعم إسرائيل أو تأمين مصالحهم العسكرية؟
لكن بالطبع، هذه الأفكار تبقى مجرد حبر على ورق طالما أن القمة لا تقدم أفعالًا توازي الأقوال. كانت قمة الرياض محض عرض فني لم يخرج عن نطاق الكلمات الجوفاء التي تملأ الصحف، بينما تبقى طائرات الاحتلال تجوب سماء غزة، والدماء الفلسطينية تُراق. لا تسألوا عن نتائج القمة، فمثلها مثل كل القمم السابقة، جاءت “خالية من الدسم” و”عادوا بخفي حنين” – تلك الجملة التي تظل تتردد في آذاننا، بينما نشهد مرة تلو الأخرى كيف تتهاوى آمال الشعوب العربية والإسلامية على صخرة اللامبالاة السياسية من قبل حكامنا الابطال – خزاة العين عليهم وعيني عليهم باردة !!!.