نتنياهو يضع كل رهاناته على ترامب.. ترقب شديد في إسرائيل بشأن من سوف يدخل البيت الأبيض.. “الفيل” أم “الحمار”؟
تل أبيب – بسبب النتائج والمتغيرات المرتقبة على الداخل الأمريكي وعلى العالم، وخاصة على الشرق الأوسط ومستقبل الصراع، تتابع إسرائيل انتخابات الرئاسة الأمريكية، وسط أجواء توتر وترقب شديد، خاصة أن استطلاعات الرأي تشير إلى وجود حالة تعادل شديد بين هاريس وترامب، الذي يجد نفسه في مواجهة صعبة أمام امرأة، مرة أخرى، بعدما تنافسَ، في عام 2016، مع سيدة شقراء هي هيلاري كلينتون، التي فاز عليها رغم حصولها على عدد أصوات أكثر منه.
تشير الاستطلاعات في إسرائيل إلى أن أغلبية الإسرائيليين يفضّلون نجاح ترامب، رغم مزاجه المتقلّب، إذ يعتبرون هاريس أقلّ سخاء في دعمها لهم، وبسبب انتقاداتها للحرب المتوحشة على غزة. يعبّر معظم الإسرائيليين عن رغباتهم بناءً على منظومة المصالح لا الأخلاق، غير مكترثين بكون ترامب متحرشاً ومعادياً للنساء وللقيم الديمقراطية وللأقليات.
ومنذ شهور، يعلن معظم قادة حكومة الاحتلال تأييدهم لترامب، فيما يعكس نتنياهو رغبته بشكل غير مباشر، وهو اليوم ينتظر عودته كونه صديقاً مشابهاً له في توجهاته الشعبوية والعنيفة.
ويعبّر رسم كاريكاتيري في “يديعوت أحرونوت” عن رغبة نتنياهو، حيث يظهر أمام طاولة الروليت في صالة قمار (كازينو) ويضع كل رهاناته على ترامب.
وفي رسم كاريكاتيري آخر بصحيفة “هآرتس”، يظهر نتنياهو وهو يعلق ملصقاً كبيراً يخاطب فيه الإسرائيليين بالقول: “انتظروا قدوم المسيح”.
من جهة أخرى، تحرص المعارضة في إسرائيل على تجنّب اتخاذ موقف من المنافسة بين هاريس وترامب، في حين يرى بعض المراقبين أن الأخير يشكل تهديداً للعالم ولإسرائيل أيضاً، من ناحية الأخلاق والمصالح.
في افتتاحيتها تحت عنوان “خطر ترامب”، تُنبّه صحيفة “هآرتس” إلى معارضة ترامب للمعايير الديمقراطية ولسلطة القانون، مشيرة إلى أنه “وجبة أكسجين” داعمة لحكومة نتنياهو في مساعيها لاستكمال الانقلاب القضائي، وضم الضفة الغربية، واحتلال قطاع غزة، وربما تكريس احتلال شريط جغرافي من جنوب لبنان.
وتدعو “هآرتس” الإسرائيليين للإصغاء لأغلبية اليهود في الولايات المتحدة من منطلق المصلحة، إن لم يكن من باب التضامن، مشيرة إلى أن الادعاء بأن ولاية ثانية لترامب تنطوي على مكاسب جيوسياسية لإسرائيل وليس تهديداً لأمنها وديمقراطيتها، المتقلّصة أصلاً، هو “ادعاء فارغ، ووهم خطير”.
يُشار إلى أن اليهود في الولايات المتحدة يصوّتون عادة لمرشح الحزب الديمقراطي، لكن الاستطلاعات تشير إلى أنهم منقسمون في هذه الانتخابات بسبب الحرب في الشرق الأوسط. ورغم ذلك، لا تَصدُقُ الاستطلاعات دوماً، فقد ثبت في أمريكا والعالم أنها قد تكذب المستطلعين، وربما ينطبق هذا أيضاً على العرب والمسلمين في الولايات المتحدة، حيث يزعم بعض الاستطلاعات أنهم يتّجهون لمعاقبة هاريس بسبب مشاركتها في إدارة بايدن المناصرة بشكل أكبر للحرب على غزة ولبنان.
على أرض الواقع، من غير المستبعد أن يكون العرب والمسلمون منقسمين بين من يريد “معاقبة” هاريس ومن يرى فوارق بين السيّئ والأسوأ، آخذاً بالاعتبار الناحية الأخلاقية، وجانب ميزان المصالح الخاصة بالعرب والمسلمين في العالم، خصوصاً في ظل من يدعو لدرء المفاسد قبل جلب المنافع عند التصويت.
في إسرائيل، يواجه فلسطينيو الداخل وضعاً انتخابياً مشابهاً لذلك الذي يواجهه العرب والمسلمون والتقدميون في أمريكا. ففي عام 1996، بدا مرشح حزب “العمل” واليسار الصهيوني شيمون بيريز مكملاً لطريق رابين (بعد اغتياله) من أجل استكمال مساعي السلام مع الشعب الفلسطيني، بينما كان مرشح اليمين الصهيوني بنيامين نتنياهو رافضاً للتسوية وللدولة الفلسطينية.
واجه فلسطينيو الداخل، حينها، حيرة بين من يرفع شعار السلام وتورّط في مجزرة قانا الأولى بلبنان خلال عملية “عناقيد الغضب”، ومَن أعلن عداءه لمسيرة السلام، حيث اختار الكثيرون منهم التصويت لبيريز بالنظر للمستقبل لا الماضي، لكن العملية نجحت، ومات المريض، فقد صوّتت أغلبية اليهود لنتنياهو ففاز بفارق ضئيل جداً.
من المؤكد أن هاريس أقل دموية وعداءً وأقرب للفلسطينيين والعرب والمسلمين من ترامب، لكن هل ستفعل ما لم ينجزه أوباما وكلينتون في الضغط على إسرائيل؟ ثم، ألا يعكس هذا الرهان، من جانب العرب والمسلمين والفلسطينيين، عليها عجزهم وفقدانهم لأوراق الضغط الفعّالة لحماية واستعادة حقوقهم؟
ويرى محلل الشؤون الشرق أوسطية في الصحيفة، تسفي بارئيل، أن للشرق الأوسط “خريطة طريق” خاصة به، ليست مرتبطة بهوية الرئيس الأمريكي الجديد، معتبراً أن الافتراض بأن ترامب خطير على العرب وهاريس خطيرة على إسرائيل هو افتراض يتجاهل تاريخاً طويلاً يُثبت أنه ليس بالضرورة أن تكون هناك علاقة بين الخطط التي تُصاغ داخل البيت الأبيض والنتائج الحاصلة على أرض الواقع.
حالة استقطاب مشابهة
في ظل الصراع المحتدم بين “الفيل” و”الحمار” في أمريكا، يتنبّه مراقبون في إسرائيل لوجه الشبه الكبير بين ما يحدث هناك من استقطاب وصراع بين معسكرين، وبين حالة التحريض والتراشق والعنف الدائر في الولايات المتحدة في انتخابات ملوثة على الرئاسة ستقرر من يدخل البيت الأبيض: رجل ذو خطاب شعبوي عدائي للديمقراطية والنخب والنساء، أم سيدة سمراء تطمح لأن تكون أول امرأة تدخل البيت الأبيض.
وفي هذا السياق، يشير المعلق السياسي في “يديعوت أحرونوت” ناحوم بارنياع إلى وجود شبه بين أمريكا وإسرائيل، وأن هناك قاسماً مشتركاً بين الانتخابات في كل منهما، فهنا وهناك انتخابات تجري في دولة منقسمة ومتشظية بين معسكرين واضحين، في ظل استشراء التحريض والعنف في وسائل التواصل الاجتماعي والدعاية الانتخابية، تماماً كما هو الحال بين معسكر مؤيد بشكل أعمى لنتنياهو ومعسكر معارض له.
ويرى بارنياع أن الانقسام الجوهري في الولايات المتحدة هو بين الراغبين بحماية المؤسسات القائمة والراغبين في استبدالها، مشيراً إلى التشابه الكبير في التراشق العنيف بين المعسكرات المتنافسة، معتبراً ذلك سبباً إضافياً لمتابعة الانتخابات الأمريكية بشغف وفضول.
ويخشى السفير الإسرائيلي الأسبق في واشنطن مايكل أورن، في مقال نشرته “يديعوت أحرونوت” بعنوان “حرب أهلية ثانية؟”، من أن التراشق في الولايات المتحدة قد يؤدي إلى أزمة خطيرة في حال فوز هاريس بفارق ضئيل على ترامب، الذي قد يكرّر اتهاماته بالتزوير مجدداً.