ان الحسين قد قام .. حقا قام .. صراع الأواني المستطرقة في المنطقة
بقلم: نارام سرجون
ان قوة اسرائيل ليست في الذكاء الصناعي بل في الوطنية الصناعية في بلدان العرب التي تفصلها على مقاسها في بلادنا .. فالوطنية الصناعية تتمثل في نشر وباء اسمه الحياد والنأي بالنفس .. يقابلها مشروع الوطنية الفُطرية .. وما بين الوطنية الصناعية والوطنية الفُطرية يقوم كل هذا الصراع الذي يحمي اسرائيل ..
الوطنية الصناعية تدعمها مجموعة قوى انتهازية في البلد يقوم مشروعها على هدم التصور الفُطري للوطن .. وهذه المجموعة تتلون أطيافها ما بين فكرة اختلاف الرأي ونشر ما يسمى الرأي الاخر الذي يملك حرية الوصول الى حد الخيانة المطلقة .. ولكن العلاقة بينهما هي علاقة الاواني المستطرقة .. فكل ما يسكب في وعاء الخلاف في الرأي سيوصل الماء الى وعاء الخيانة العظمى .. فهناك تبادل للماء ووصول الى نفس النتيجة .. فالرأي الذي يريد النأي بالنفس بحجة الحفاظ على الوطن والبشر والحجر يسكب ماءه في الاوعية المستطرقة التي توصل الى فكرة التسليم والاستسلام وبيع الوطن وبيع البشر والحجر وسلام الشجعان ومصر اولا والمغرب أولا .. وهذا هو النموذج الذي يمثله تيار لبنان الذي يتباكى اليوم على لبنان بل ويزعم انه يحس بالأسى والحسرة على الشيعة اللبنانيين وبيئة حزب الله رغم كمّ الشماتة والتحريض الذي لا يمكن اخفاؤه .. ولكن هذا الدمع المزيف الذي يشبه دموع التماسيح يصل الى اناء الخيانة العظمى لأنه يريد ان يضعف الهمم ويكسر النفوس كي يستسلم المقاتلون والرافضون لقرار اسرائيل باذلال لبنان والمنطقة وتحويل شيعة لبنان الى نموذج مثل المواطن المصري الذي يتدفق الى حفلات الطرب ويسقط شبابه من الانفعال بالاغنيات فيما رائحة الدم تملأ خياشيمه من معبر رفح .. وهذا التيار هو الذي يحكم المصريين الذين تحولوا الى كتلة باردة بلا حول ولا قوة بحجة اننا من أجل (مصر أولا) و (حمى الله مصر وشعبها) .. أما كيف سيحمي الله مصر وشعبها بهذه الوطنية الصناعية التي لم تقدر ان تحمي نهر النيل فالله أعلم .. وصارت مصر مثل الحارة في الشرق التي لم تحترق فيما كل ما يحيط بها يحترق .. ويظن أغبياؤها ان الله سيحمي مصر وسيتركها الحريق ويكون بردا وسلاما عليها لأنها مغطاة بالسلام الابراهيمي ولأنها نأت بنفسها وأغمضت عيونها مثل النعامة بحجة اللهم (احم مصر وشعبها) .. فهي المقولة في الحقيقة تقول (اللهم احم اموال بعض البرجوازيين المصريين والشركات متعدة الجنسيات التي تعمل في مصر .. وبعدهم ليكن الطوفان) .. وعندما تحترق مصر لن يكون هناك شرق يحميها وتحمي نفسها به ..
وبالمقابل فان الوطنية الفُطرية تبدأ أيضا من نفس نقطة الخلاف في الرأي وتنتهي الى مستوى لا حدود له في الفدائية التي تقبل بالصلب كما فعل السيد المسيح وبالتضحية على الطريقة الكربلائية الحسينية من أجل كلمة حق .. وهي تخضع لقاعدة الأواني المستطرقة ايضا .. فكل خلاف في الرأي من أجل فكرة مناهضة (النأي بالنفس) يجب ان يكون لصالح فكرة (النأي عن النفس) .. والدنو من الروح .. فالوطنية تبدأ من لحظة النأي (عن) النفس والدنو من الأخر .. لحظة بداية انفصال الروح عن الجسد للوصول الى ذروة التضحية على طريقة السيد المسيح او الامام الحسين .. وهذا هو معنى المقاومة .. وأوانيها المستطرقة .. فكل ما يسكب في اناء الرفض للاستسلام يتصل فورا باناء الفدائية المطلقة .. هذا النموذج هو الذي نراه في منطقتنا الحرة الأبية العزيزة التي تتقبل الرصاص والقنابل والقصف دون اي حساب لمدة الألم .. ندافع ونموت ونعرى دون أن نحسب حسابات الربح والخسارة .. لانه عندما ندخل معادلات الربح والخسارة يبدأ بيع الاوطان بالجملة والمفرق وخصخصتها من أجل منافعنا الشخصية وحفنة من المساعدات والمغريات والأمن الزائف المؤقت .. كما فعل المصريون وكما فعلت ممالك النفط ..
وبالمقابل فان للعدو أوانيه المستطرقة وكلها تتصل ببعضها .. فلا فرق بين دعوات الحمائم الاسرائيليين والعلمانيين اليهود وما بين الصقور والتماسيح .. فالكل يريد ان يلتهم الظباء العربية التي ترد نهر الحرية لتشرب .. الفرق بين التماسيح بسيط جدا فهناك من يقف على ضفة النهر وهناك من ينتظر وسط النهر .. وماء الأواني المستطرقة الصهيونية كل يصل الى الاناء الذي يقول (من الفرات الى النيل حدودك يا اسرائيل) .. ولا يوجد حتى هذه اللحظة اي شعار بديل في كل ادبيات الحركة الصهيونية .. ولم نسمع اننا صهيونيا واحدا قال اننا سنسالم العرب على قاعدة اننا بنينا بلدنا وسنتوقف هنا في فلسطين .. بل كل مبادرات السلام منذ كامب ديفيد قائمة على مفهوم اعطونا السلام الان فقط الى ان نصبح جاهزين للمرحلة الاكبر من بناء الشعار كاملا (من الفرات الى النيل) ..
أواني اسرائيل المستطرقة متصلة بأوانينا التي ترفع شعار (النأي بالنفس) .. ولذلك يسكب اليوم الكثير من شعارات: لماذا تورط حزب الله في غزة ..؟؟ ولماذا لم نقف متفرجين على المذبحة؟؟ ماذا جنينا من التدخل ؟ ألم نكن في خير وأمان؟ وها هي اليوم بيئة المقاومة و (شعب حسن نصرالله) يدفع الثمن ويتحولون الى لاجئين بلا بيوت .. لماذا تركت ايران شعب حسن نصرالله .. ولماذا لا تنخرط سورية في الحرب .. ؟؟ وصار الجميع يرددون منشورات أفيخاي ادرعي الذي يذكرنا بمصير غزة اذا لم نوافق على اعطائه مفاتيح بيوتنا في جنوب لبنان وبيروت ..
أصحاب الاواني المستطرقة التي تسكب هذا الكلام تصل مياههم الى وعاء اسرائيل لتملأه ويملأها .. فهي تصل الى وعاء (من الفرات الى النيل حدودك يا اسرائيل .. وكذلك فان ماء (من الفرات الى النيل) يصل الى وعاء (النأي بالنفس العربي) والى وعاء (التطبيع) .. ويصل الى وعاء (الحرية ضد الطاغوت أهم من تحرير فلسطين) .. ووعاء (الديمقراطية المستوردة من اميريكا) .. ووعاء (تحرير البلاد بالناتو والربيع العربي والثورات الصناعية) .. ووعاء (الاسلام هو الحل) .. ووعاء (داعش والقاعدة) .. ووعاء (العثمانية الجديدة) .. لأن هذه الاوعية كانت تاخذ ماءها من وعاء (من الفرات الى النيل حدودك يا اسرائيل) .. وكانت هي أيضا تعطيه ماء ليرتفع منسوبه الى حافته المتخمة ..
اليوم هذه الاسئلة الغبية هي التي تقاتلنا .. من مثل ان غزة ورطتنا .. وأن حزب الله تورط وورطنا معه .. وان اسرائيل ترد علينا .. وكأن اسرائيل ألغت شعار من الفرات الى النيل .. وكأن اسرائيل غيرت الخطين الأزرقين على علمها الممثلين لنهري النيل والفرات .. وكأن مدارس اسرائيل تعلم الاطفال حب العرب والبحث عن السلام معهم .. وأن حدودهم هي من نهر الاردن الى البحر المتوسط .. وكأن الاسرائيليين في اعلامهم وثقافتهم ينظرون للعرب على انهم شركاء وليسوا أتباعا .. وكأن الاسرائيليين قتلوا اهل غزة في لحظة غضب وليس في لحظة افراج عن الرغبة المكبوتة لابادة الاخر .. وكأن اسرائيل قررت في لحظة غضب وانفعال ان تقصف مقر السيد حسن نصرالله دون تخطيط مسبق استغرق سنوات .. رغم ان العاقل كان يعلم ان تعقب السيد كان منذ سنوات وان دراسة التحصينات العميقة وكمية المتفجرات ونوعها كانت خلال شهر واحد .. وان الطائرات تم تذخيرها بالقنابل الخارقة في أخر ربع ساعة قبل وصول السيد الى المقر المحصن وليس عندما أرسلت رسالتها المشفرة قبل ايام عبر كاركوز العربية الذي كان على يقين من اغتيال السيد .. وكأنه وحي وصله من السماء وهو يصلي في رحاب بن سلمان ..
اسرائيل ونخبها لم تتغير .. ولكنها غيرت كثيرا في نخبنا واعلامنا .. وتسللت الى مجتمعاتنا وخلقت الأواني المستطرقة التي تتصل بأوانيها المستطرقة .. فصارت أذرعها في مجتمعاتنا تسقط شعارات الكرامة .. وتسقط (لا صوت يعلو فوق صوت المعركة) وترفع شعار (واحنا مالنا؟) .. وصارت تعلي من صوت النأي بالنفس .. والانعزال .. وكأننا نعيش في غواتيمالا .. أو كأن اسرائيل ألغت التوراة والتلمود ووضعتهما في متحف الاعمال الانسانية وأدب الاسطورة مع أشعار هوميروس ..
اسرائيل متصلة بالأواني المستطرقة الاوربية .. والاواني المستطرقة الاوربية متصله بالحروب الصليبية .. ومتصلة بشركات الغاز وخرائط السيطرة على المضائق وممرات القارات القديمة .. ولذلك تدفقت كل أوروبة لتحمي هذه الاندلس الاوربية .. فان لاوربة اندلسها في فلسطين .. كما كان لنا أندلسنا في اوروبة .. ولكن اندلسنا العربية في اوروبة أعطت السلام والحضارة والشعر والتسامح .. ولم تطرد احدا ولم تكن لها خطط ابادة .. ولذلك فقد عاشت 800 سنة رغم انها عاشت منعزلة منفصلة عن الشرق فلا الشرق ساندها ولا الشرق حارب معها .. ولم يصل اليها أي خليفة عباسي عندما كانت تسقط مدنها وتحاصر غرناطتها كما فعلت اوروبة اليوم بأندلسها الاسرائيلية .. ولذلك فان هذه الاندلس الاوروبية المسماة اسرائيل لا يمكن لها ان تعيش اسبوعا واحدا اذا لم ترضعها اوربة واميركيا القنابل والذكاء الصناعي والطائرات والذخائر وتغطيها بعقوبات علينا وقوانين قيصر وقرارات تحرير العراق وثورات الربيع العربي وجهاد النكاح الذي كان يغطي جسد اسرائيل الرخو .. وكما ان هذه الاندلس الاسرائيلية ولدت في لحظة اختلال التوازن العالمي اثر حربين عالميتين فان أي حرب كبرى ستكون سببا في تلاشيها وذوبانها .. فمن وصل على متن حرب عالمية سيغادر على متن أي خلل عالمي .. ولذلك فان اوروبة كلها واميركيا تقاتل من أجل اسرائيل لانها خيط الزيبق الذي يدل على نهاية العصر الاوربي ونهاية نتائج الحربين العالميتين ..
انحيازي وانحياز الجميع من الاحرار لخيار الرفض والمقاومة ليس ترفا .. وليس لأننا نبحث عن المغامرات وترف المقامرات .. وليس لأننا نحلم برومانسية .. وليس لأننا نهوى الحرب .. وكذلك ليس لأننا لا نحمل أحلاما جميلة وردية .. ولا يهمنا أن تكون لنا أوطان بديعة تملؤها الحفلات الموسيقية ومسابقات الزهور .. وتنافس العلماء على جوائز نوبل في الفيزياء والكيمياء .. وليس لأننا نبحث عن تصدير أزماتنا نحو الخارج .. وليس لأننا لا نملك مشروعا للبناء .. بل لأننا ندفع عن انفسنا القتل والتدمير .. ولأننا نقرأ عقل أوروبة .. وعقل العالم .. وعقل الجغرافيا والتاريخ .. ولأننا نريد وطنا نملكه لا نستأجره .. فالنأي بالنفس هو ان نقبل بتغيير عقد البيت الذي نعيش فيه من بيت مملوك لنا الى بيت مستأجر .. كما يريد أصحاب الحرية و(الاستئلال) والنأي بالنفس في لبنان والمنطقة .. فلبنان بلد جميل يجب ألا نخربه بل ان نعيش فيه كمستأجرين .. فيما السيد حسن نصرالله وشعبه يريد ان يعطينا عقد الملكية والطابو .. رغم ان جماعة الشماتة والنأي بالنفس .. و(مش حربنا) .. و(ماب يشبهونا) مصممون على منح عقد البيت لمالك هو اسرائيل التي تسمح لنا بأن نعيش فيه وفق شروط المالك .. الذي يقرر حدود العقد وزمنه وحريتنا فيما نفعل في حديقة البيت او ان نوسعه .. وعلاقتنا بجيراننا .. ويحق للمالك ان يحدد من يزورنا ومن لا يزورنا .. ومن نحب ومن لا نحب .. فهو لا يحب الايرانيين ولا الصينيين ولا الروس ولا السوريين .. ولا الحسين ولا السيد المسيح .. ولا النبي محمد .. وعلينا ان نزيل صورهم ومقولاتهم عن جدران البيت .. وعندما رفضنا هذا العقد الجديد كسر العدو الشبابيك وثقب الجدران .. وكسر الابواب .. ولا يطلب منا الا شيئا واحدا هو عقد (النأي بالنفس) أو (تأجير النفس) .. وهو عقد جديد نصبح فيه مستأجرين للبيت .. ويصبح لبنان شقة للايجار .. يتغير مالكها من فرنسي الى امريكي الى اسرائيلي ..
لذلك فانني في كل يوم أستيقظ فيه وأقرأ الاخبار واقرأ أخبار الدمار والحرب والغارات والشهداء أحس بالغضب الشديد .. ولكنني أحس بالنشوة .. نشوة الفوز وبأنني كنت على صواب .. وانني لم اسقط في الامتحان وان اجاباتي كانت كاملة ونالت علامة تامة في النجاح .. وانني لم أشرب من الاواني المستطرقة لاسرائيل .. فليس هناك أجمل من شعور انك تصل الى اليقين من أنك لم تعش عمرك واهما أو مخطئا أو آثما .. أو مشوشا او حالما .. .. فما أصعب الندم .. وما أصعب ان يكتشف الانسان انه يقترب من نهاية عمره وأنه عاشه على خطأ ووهم ولم يعرف الصواب .. فليس هناك الذ في العقل والضمير من مذاق اليقين .. وليس هناك أشد مرارة على القلب والروح من أن تتذوق الندم .. وعقدة الذنب .. والاثم ..
يقيني اليوم يزداد اننا سلكنا أعظم الطرق .. واننا شربنا من نقي الماء .. وأننا عشنا أحرارا .. وأننا وصلنا الى تلك اللحظة التي ننتظرها في تحطيم هذا الكيان .. الذي يرفض ايقاف الحرب ليس لأنه على يقين انه منتصر بل لأنه يدرك ان الاواني المستطرقة التي بناها ستتحطم اذا توقفت الحرب .. فما بعد الحرب لن نترك الاواني المستطرقة المتصلة باسرائيل بعد اليوم لتسقينا من ماء (من الفرات الى النيل جدودك يا اسرائيل) و (اسرائيل هي اندلس اليهود واندلس اوروبة ) بل من ماء (من الفرات الى النيل سنقاتل اسرائيل وأذرع اسرائيل) ..
اسرائيل اليوم وصلت الى لحظة حاسمة .. فهي ان أوقفت الحرب دون أن تغير عقد الملكية للشرق الاوسط لتصبح هي من يملكه ونحن من نعيش مستأجرين فيه على أرضنا فانها لن تقدر ان تغير عقد الايجار الذي أعطاها اياه وعد بلفور .. والذي لا تزال تعيش فيه رغم انها اشترت كامي ديفيد ووادي عربة وأوسلو ليكون وعد بلفور بعدها عقد ملكية أبدي .. فأصحاب الشرق الاوسط القديم لم يتركوه لها .. ولن يتركوه .. ولن يعترفوا بصك بلفور ولا أي عقد ايجار .. فاسرائيل تقدر ان تشتري مصر والامارات واوروبة وامكيريكا كما تشار .. ولكنها لن تشتري منا اي شجرة في فلسطين .. واذا لم تقدر اسرائيل على زحزحة قدم حسن نصرالله من مكانها على صدرها فانها تعلم ان كل من يعيش فيها سيعلم ان قدم نصرالله ستصل اليها، وان اصبع نصرالله سيملك اصبع الجليل .. ان عاجلا او آجلا .. وسيصبح اسم اصيع الجليل .. اصبع نصرالله ..
فلا تعجلوا علينا وأنظرونا نخبركم اليقين خلال أيام .. فما ستسمعونه هو ما سيكون .. وسنسقي الشرق من أوانينا ولن نشرب من أواني اسرائيل .. وسيرى العالم كيف يختلط صوت المسيح والانجيل بثارات الحسين .. وسنسمع جلجلة في الأرض والسماء تقول: ان الحسين قد قام .. حقا قام ..