الفاشية الصهيونية تتحكم في الدولة العبرية المارقة

بقلم: توفيق المديني

إذا كان جوهر العقيدة الصهيونية، ينحصر في تهويد الأراضي العربية المحتلة، فإنَّ حرب الإبادة الجماعية التي تشنها الحكومة الفاشية الصهيونية بقيادة مجرم الحرب بنيامين ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزَّة منذ أكثر من عام، والتي وسعهتا منذ 27 سبتمبر/أيلول 2024، لتطال لبنان عبر تصفية قيادات حزب الله الرئيسية، وفي مقدمتها السيد حسن نصر الله، واستخدام سلاح الجو للقيام بالغارات الوحشية في عدة مناطق من لبنان، لا سيما المناطق التي توجد فيها قواعد لحزب الله أو حاضنته الشعبية، مثل الضاحية الجنوبية لبيروت، وبعلبك و الهرمل، والجنوب، حيث جرى تشريد أكثر من مليون شخص، تمثل السياسة الراسخة للكيان الصهيوني بما تحويه من ذبح و إرهاب وقتل واحتلال أراضي فلسطينية وسورية ولبنانية، وتهجير سكانها، وخصوصا في ظل رئيس الوزراء الصهيوني الحالي نتنياهو الذي أصبح يمثل التيار اليميني الفاشي الصهيوني والعنصري المتحكم في إيديولوجية دولة “إسرائيل”، و المدعوم بصورة مطلقة من قبل الإمبريالية الأمريكية (نفوذ اللوبي الصهيوني في الكونغرس ومجلس الشيوخ والمؤسّسات الأمريكية الأخرى التي تهيمن على صانع القرار في الولايات المتحدة)، وحلفائها من الدول الإستعمارية الأوروبية(بريطانيا فرنسا وألمانيا) .
الفاشية الصهيونية وهدف بناء الدولة اليهودية
ظهرت الفاشية في الدول القومية الأوروبية التي انتقلت إلى الحقبة الاستعمارية، والإمبريالية كأعلى مراحل الرأسمالية على حد قول لينين، و على أثر تداعيات الحرب العالمية الأولى (1914-1918)، وأزمة الرأسمالية العالمية البنيوية (1929-1933) التي أعقبت الحرب، ما أدَّت إلى تغول النزعات القومية المجروحة بمرارة الهزيمة والطامحة إلى استعادة بعض من الكرامة الوطنية الضائعة. وأهم ما يميز الفاشية من خصائص هي إيديولوجيتها العنصرية الممجدة للنزعة العرقة والقومية داخليا، والهيمنة الإمبريالية في السياسة الخارجية، كما أنها تُسوّق فكرة وجود عدوّ خارجي وداخلي ليكون ذلك حافزا على تحقيق الوحدة الوطنية.
أمَا الفاشية الصهيونية، يُعَدُّ الإرهاب، وحرب الإبادة، و التهجير القسري للفلسطينيين و العرب عمومًا، أحد مكوناتها الأساسية. وتؤكد دعوات القادة الصهيونيين الأوائل – من تيودروهرتزل حتى فلاديمير جابوتنسكي – لاستخدام الإرهاب في إخلاء فلسطين من سكانها العرب، وحتى في تهجير اليهود إليها. وهذا ما يواصله القادة المتطرفين والإرهابيين الصهيونيين المعاصرين في دعواتهم وتصريحاتهم لاستخدام العنف والإرهاب وحرب الإبادة الجماعية في ترحيل العرب.
وقد أعاد قادة المنظمات الصهيونية التي مارست الإرهاب قبل قيام الكيان الصهيوني، واغتنت بأفكار المنظرين الصهاينة للإرهاب من أمثال هيرتزل وجابوتنسكي ومناحيم بيغن واسحق شامير،إعادة كتابة التاريخ اليهودي، مؤكدين جوانب العنف فيه و” صوروا الأمة اليهودية في نشأتها على أنَّها جماعة محاربة من الدعاة الوثنيين الغزاة.
هذه الرؤية للتاريخ تتضح في خطاب جابوتنسكي لبعض الطلاب اليهود في فيينا حيث أوصاهم بالاحتفاظ بالسيف ” لأنَّ الاقتتال بالسيف ليس ابتكاراً ألمانياً بل إنَّه ملك لأجدادنا الأوائل. . إنَّ التوراة والسيف أنزلا علينا من السماء “، (وتصور جابوتنسكي للسيف المرسل من السماء هوامتداد للتصوراليهودي القديم للنبي الغازي الذي أفرزته المقدسات القومية .
ويُعَدُّ جابوتنسكي الأب الروحي لنتنياهو، الذي يجسد الآن الفاشية الصهيونية في أبشع صورها، من خلال تحالفه مع التيار اليميني الديني المتطرف، والعمل على إقامة دولة يهودية مستمدة من الكتابات اليهودية، بحدودها وطبيعتها ومكانتها، وهي تجسيد احتوته تلك الكتابات من مبادئ عنصرية فاشية تتوهم تفوق جنس من البشر على علاقة متميزة مع (الرب) على باقي الناس.
وتمتد جذور الفاشية الصهيونية لتمسك بقبضتها كل من يدين بهذه العقيدة، وتشُدُّهُ عنوة إلى الاندماج في المشروع الصهيوني الذي اتضحت معالمه في المؤتمر الصهيوني الأول عام 1898، والذي جاء استكمالاً لخطواتٍ سبقته لإقامة المستوطنات الزراعية في فلسطين.فقد انسجمت الخطوات فيما بعد المؤتمر المذكور، ونظمت والتي كانت حصيلتها إقامة الكيان الصهيوني في فلسطين ثم ما تلا ذلك من احتلال أراضي عربية أخرى.
وطيلة هذه الحقبة التاريخية، اتخذت الفاشية الصهيونية سلسلة من الإجراءات و التشريعات والخطوات لبناء الدولة اليهودية الصرف، وبقيت الحركة الاستيطانية العمود الفقري لتحقيق ذلك .فقد هدفت إلى:
أولاً: خلق حقائق في الأراضي المحتلة، تمنع إعادة أو التخلي عنها.
ثانيًا: محاصرة التجمعات العربية وغير اليهودية وعزلها بمستوطنات صهيونية.
ثالثًا: السيطرة على الأراضي وطرد السكان العرب وغير اليهود.
رابعًا: إرغام غير اليهود على العيش خارج حدود التكتلات اليهودية، وكان الهدف المركزي من ذلك توفير أغلبية يهودية في الأراضي المحتلة، ثم التخلص من غير اليهود نهائيًا.
ماذا تستهدف الفاشية الصهيونية من حرب الإبادة على لبنان ؟
تندرج حرب الإبادة التي يشنها قائد الفاشية الصهيونية نتنياهو على لبنان إلى تحقيق أكبر دمار واسع، خصوصاً في القرى الجنوبية اللبنانية ومحافظة البقاع ، والضاحية الجنوبية، التي تشكل الحصن الاجتماعي لحزب الله، بهدف إجباره هو والحكومة اللبنانية على الرضوخ للشروط الإسرائيلية الهادفة إلى تعديل قرار مجلس الأمن 1701؛ بما يضمن نزع سلاح حزب الله، أو على الأقل ضمان عدم استعادته قوّته أو وجوده في مناطق جنوب نهر الليطاني.
بدأت حرب الإبادة على لبنان، بعد عمليات استهداف قادة حزب الله من خلال الغارات الجوية المتوحشة التي أسفرت عن اغتيال عدد من قادته، بمن فيهم الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله، ثم مع بدء حرب الاجتياح لجيش الاحتلال الصهيوني لجنوب لبنان يوم 1أكتوبر /تشرين الأول 2024، لتحقيق كسر العلاقة الجهادية بين حزب الله وحركة حماس، من جراء فتح حزب الله جبهة الإسناد في شمال فلسطين دعمًا للمقاومة الفلسطينية في غزَّة بعد يوم واحدٍ من عملية طوفان الأقصى في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023.
وقد مارست الإمبريالية الأمريكية دور الشريك الحقيقي في حرب الإبادة هذه على لبنان، واستهدافها تصفية بنية حزب الله العسكرية، واستهداف شبكة خدماته الاجتماعية والصحية والتعليمية والمالية ودفع حاضنته الشعبية إلى التخلي عنه، لأنَّها لم تنس أنَّ النواة المؤسسة لحزب الله من المجاهدين الشباب المتأثرين بالثورة الإسلامية الإيرانية هم الذين قاموا بأول عملية مقاومة بعد الاجتياح الصهيونى للبنان عام 1982، واحتلاله أول عاصمة عربية بيروت، استهدفت مقر المارينز وتفجير السفارة الأمريكية، وكانت حصيلتها قتل 241 جندي أمريكي، و58جندي من المظليين الفرنسيين.
وضمن هذا السياق من العدوان المشترك الأمريكي-الإسرائيلي زار المبعوث الأميركي الخاص لبنان، آموس هوكشتاين، بيروت، بصفته هذه، للضغط على الحكومة اللبنانية، لترويج تطبيق قرار مجلس الأمن 1701 معدّلًا. وذلك في مهمة أخيرة قبل أن يترك منصبه في إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، في مطلع تشرين الثاني/ نوفمبر 2024. فالولايات المتحدة، المؤيدة للحرب الإسرائيلية على حزب الله، ترى أنَّ قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الذي أنهى حرب “إسرائيل” مع حزب الله في عام 2006، يمكن أن “يشكّل أساساً لوقف إطلاق نار جديد”، على الرغم من أنَّه يحتاج، بحسب إدارة بايدن، “إلى تدابير إضافية لضمان تنفيذه”؛ بمعنى إدخال تعديلات عليه، تضمن إبعاد حزب الله عن الحدود. وفي الوقت نفسه، تتصاعد الضغوط على رئيس مجلس النواب، نبيه برّي، لتسهيل انتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية في ظل الحرب، لتعجيل اتّخاذ قرار بإرسال الجيش إلى الجنوب، قبل التوصل إلى اتفاقٍ لوقف إطلاق النار، على الرغم من استحالة ذلك، ما يبقي أمراً واحداً فقط؛ هو استغلال الحرب لانتخاب رئيس.
ما هو القرار 1701 ؟؟
صوت مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، في11 آب/ أغسطس 2006، بالإجماع على القرار 1701، لإنهاء حرب تموز/ يوليو بين “إسرائيل” وحزب الله. وقد دعا نصّ القرار إلى نشر قوات الحكومة اللبنانية وتوسيع نطاق عمل قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان التابعة للأمم المتحدة (يونيفيل) لتشمل المناطق الواقعة جنوب نهر الليطاني بالقرب من الحدود مع إسرائيل، ومنع أي قوات أخرى من الوجود في المنطقة. وتضمّن القرار 1701 أيضاً أحكاماً تهدف إلى بسط الحكومة اللبنانية سيطرتها على الأراضي اللبنانية كلّها، وممارسة سيادتها عليها وفق أحكام القرارين 1559 و1680 لعام 2006، والأحكام ذات الصلة من اتفاق الطائف، ومنع حمل الأسلحة أو استخدامها من دون موافقة الحكومة، ما يعني أن يتخلى حزب الله عن سلاحه، وهو الأمر الذي يرفضه الحزب بشدة.
التعديلات الإسرائيلية المقترحة على القرار 1701
من الواضح أنَّ العدو الإسرائيلي يريد إجراء تعديلات جوهرية على القرار 1701، من ضمنها بحسب مصادر إعلامية أمريكية، بأن يُسمح لجيش الاحتلال الصهيوني بالمشاركة “النشطة” للتأكّد من عدم إعادة تسليح حزب الله، أو إعادة بناء قدراته العسكرية بالقرب من الحدود اللبنانية المحاذية لفلسطين المحتلة، بوصف ذلك شرطاً لحل دبلوماسي لإنهاء الحرب في لبنان والسماح للمدنيين النازحين بالعودة إلى ديارهم. كما يطالب رئيس الحكومة الفاشية الصهيونية نتنياهو بحرّية عمل الطيران الإسرائيلي في المجال الجوي اللبناني. بيد أنَّ هذين المطلبين الإسرائيليين يتناقضان كليًا مع القرار 1701، الذي ينصّ على أن القوات المسلحة اللبنانية وقوات اليونيفيل هما اللتان تتوليان مسؤولية فرض وقف إطلاق النار بين “إسرائيل” وحزب الله، ومع ذلك تبنت الولايات المتحدة الطرح الإسرائيلي بدلالة أنَّها نقلتهما إلى السلطات اللبنانية، باعتبار ذلك من شروط “إسرائيل” لإنهاء الحرب. بناءً عليه، وصل هوكشتاين إلى بيروت في 22 تشرين الأول/ أكتوبر 2024، واجتمع برئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ورئيس مجلس النواب نبيه برّي. وبعد الاجتماع، صرّح بري بوجود إجماع في لبنان بشأن القرار 1701، وأنَّه يرفض أيّ “محاولة من شأنها تعديله بأي شكلٍ”.
موقف حزب الله من إنهاء الحرب في لبنان، وتعديل القرار 1701
لا يزال حزب الله الذي يخوض حرب المقاومة الوطنية ضد العدو الإسرائيلي متمسكًا بثوابته الإستراتيجية في المفاوضات غير المباشرة مع الاحتلال الإسرائيلي لوقف العدوان على لبنان، لا سيما أنَّ الحزب لا يعتبر أنَّ الكيان الصهيوني الفاشي لا يمتلك أفضلية لفرض شروطه.
وتتمثل ثوابت حزب الله في ثمانية بنود أساسية:
أولاً: التأكيد على أنَّ رئيس البرلمان اللبناني نبيه برِّي هو من يمثله في أي مفاوضات تجري بما خصّ ملف الحرب ووقف إطلاق النار، وأنَّه في حالة تنسيق مستمرة مع برِّي، كما لديه قنوات اتصال مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وجهات أخرى في الدولة معنية بملف التفاوض.
ثانيا:سواء مع الدول العربية أو مع الدول الأوروبية التي تعمل على خط المفاوضات بين حزب الله والكيان الصهيوني، كرَّر حزب الله أمام هذه الأطراف على ثوابته التي تستند إلى أنَّ “وقف العدوان بصورة تامة هو شرط إلزامي لأي بحث حول ما يفترض حصوله لاحقًا”.
ثالثًا: يرفض حزب الله القبول تحت أي ظرف بإدخال أي تعديل لا على بنود القرار 1701، ولا على آليات التنفيذ.
رابعًا: يتمسك حزب الله بنهجه السياسي و العسكري المتمثل في استمرار جبهة الإسناد للمقاومة الفلسطينية في غزَّة مع إضافة عبارة “الدفاع عن لبنان”.
خامسًا: كشف الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم يوم الإربعاء الماضي عن برنامج عمله بعد انتخابه في منصب الأمين العام خلفاً لسلفه سماحة السيد حسن نصر الله ، مشدِّدًا على أنَّ “مساندة قطاع غزَّة كانت واجبة لمواجهة خطر إسرائيل على المنطقة من بوابة القطاع، ولأهلها علينا جميعا حق إنساني وعربي وإسلامي وقومي بأن ننصرها”.وشدَّد قاسم على أنَّ حزب الله “سيبقى في طريق الحرب ضمن التطورات المرسومة”، موضحا أنَّ “المقاومة وُجِدَتْ من أجل تحريرِ الأرْضِ ومواجهةِ الاحتلالِ ونواياهِ التوسعيةِ”.
سادسًا:أكَّدَ السيد نعيم قاسم إنَّ حزب الله “لا يقاتل نيابة عن إيران بل من أجل حماية لبنان وتحرير أرضنا وإسنادا لقطاع غزَّة”.
سابعًا: يرى حزب الله أنَّ إصرار العدو الإسرائيلي على التفاوض تحت النار يعكس حقيقة أنَّ “إسرائيل” تراهن على انكسار المقاومة، مشيرًا إلى أنَّ الحزب اللبناني يتصرف على أساس أنَّه قد يكون عرضة لعمليات اغتيال جديدة.
ثامنًا: إنَّ حزب الله يريد من الشعب اللبناني فهم أنَّ سلاحه “لن يكون محل تفاوض مع أحد”، مشيرة إلى أنَّ المقاومة تمثل بعد الحرب “خيارًا إلزاميًا سيعمل الحزب بكل ما يملك لحفظه”.
حزب الله استعاد عافيته ومستمر في مقاومة العدو الإسرائيلي
منذ 23 أيلول/ سبتمبر الماضي، يشن جيش الاحتلال الإسرائيلي غارات جوية عنيفة وغير مسبوقة على مواقع متفرقة من لبنان، ما أسفر عن سقوط الآلاف بين شهيد وجريح، فضلا عن نزوح ما يزيد على الـ1.2 مليون، وفقا للبيانات الرسمية. وفي المقابل، يواصل حزب الله عملياته ضد الاحتلال الإسرائيلي موسّعا نطاق استهدافاته؛ ردا على الجرائم الإسرائيلية المتواصلة في لبنان، منذ بدء التصعيد الإسرائيلي الكبير ضد الأراضي اللبنانية.
رغم تعرض حزب الله لسلسلة من عمليات القتل لجيل من قادته الكبار وتدمير بعض أسلحته من جانب العدو الإسرائيلي، فإِنَّهُ استعاد المبادرة من جديد بشهادة المحللين والخبراء الغربيين، وهوالآن يقاوم جيش الاحتلال الإسرائيلي في جنوب لبنان، ويًعِدُّ كمائن للقوات الإسرائيلية في لبنان، ويُكَثِّفُ الضربات بِالْمُسَيِّرَاتِ والصواريخِ في عمق فلسطين المحتلة مستهدفًا المقرات العسكرية والإستخباراتية الإسرائيلية..
‏ ويبدو من أول 25 يوم من الحربِ البرِّيةِ، أنَّ الحزب لا يدفع مقاتليه بكثافةٍ بشريةٍ في الخط الأمامي تحسبًا لحربٍ طويلةٍ زمنيًا.. ويستعيضُ عن ذلك بعددٍ محدودٍ يملك سلاح متطور، وهي الخطة التي أدَّتْ للإجهاز على آليات الاحتلال وتقتل جنوده في الخط الأمامي، وتقصف تحشيداته في الخلفية .فطوال شهر أكتوبر تكبد جيش الاحتلال الإسرائيلي على جبهتي لبنان وغزة، أكثر من 71 قتيلاً، وحوالي 600 جريحًا.
وقد أصاب هجوم بمسيّرة لحزب الله منذ أسبوعين مقر إقامة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في قيسارية في وسط فلسطين المحتلة، على بعد أكثر من 40 ميلا من الحدود اللبنانية، وهي المرَّة الثانية في أسبوع التي أظهر فيها حزب الله قدرة على اختراق الدفاعات الجوية الإسرائيلية باسْتِخْدَامِ الْمُسَيِّرَاتِ. فقد أسفر هجوم قبل ذلك بأيام عن مقتل أربعة جنود إسرائيليين في قاعدة لوحدة النخبة العسكرية، أيضًا في وسط فلسطين المحتلة. كما ارتفعت وتيرة إطلاق حزب الله للصواريخ، حيث أطلق الحزب ما معدله 200 صاروخ وقذيفة كل يوم خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي و140 يوم الثلاثاء، وفقا للجيش الإسرائيلي. وخلال الأسابيع السابقة، كان متوسطها بضع عشرات فقط في اليوم.
وتظل عمليات إطلاق حزب الله للصواريخ هي أقل مما توقعه المسؤولون الإسرائيليون في حالة اندلاع حربٍ واسعةِ النطاقِ، وهي ما اعتبرتْ علامة على تدهور قدرات الحزب. ولكنَّ جيش الاحتلال الإسرائيلي يقول إنَّ معظم هجمات حزب الله يتم اعتراضها من قبل الدفاعات الجوية الإسرائيلية، بتكلفة تبلغ حوالي 100 ألف دولار لكل طائرة بدون طيار وما يصل إلى عدة ملايين من الدولارات لكل صاروخ تسقطه.
لايزال حزب الله لديه استراتيجيته الأساسية، وهي التمسك بأرضه في الجنوب في مواجهة أي نوع من الهجوم البرِّي أو التوغل أو التقدم الإسرائيلي. إنَّه موطن حزب الله. ومن المرجح أن يأتي الاختبار الحقيقي لجيش الاحتلال الإسرائيلي إذا ما اختار قادة العدو الإسرائيلي إرسال قواتهم إلى عُمْقٍ أكبر داخل الأراضي اللبنانية، حيث يتمتع مقاتلو حزب الله بميزةِ القتال على أرضهم. وحتى الآن، دخلت القوات الإسرائيلية ثماني قرى على الأقل، وكلها على بعد ميل واحد من الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة.
خاتمـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة:
إنَّ الفاشية الصهيونية المتحكمة في سياسة حكومة نتنياهو، حولت الكيان الصهيوني إلى دولة مارقة مستندة إلى قوة الإمبريالية الأمريكية، في عدائها البهيمي للقانون الدولي، ولمنظمة الأمم المتحدة، خاصة بعد إقرار الكنيست الإسرائيلي الاثنين الماضي ، قانونًا بحظر عمل وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا” على أن يدخل حيز التنفيذ في غضون 90 يوما، وسط موجة من التنديد الدولي وتساؤلات حول شرعية هذا القانون.
وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة أنشأت “الأونروا” في عام 1949 لمساعدة اللاجئين الفلسطينيين في أعقاب النكبة التي تلت إعلان قيام الكيان الصهيوني عام 1948، على أنقاض المدن والقرى الفلسطينية، ووقتها جرى تهجير 800 ألف فلسطيني.
وتعمل “الأونروا” منذ عقود في قطاع غزة، وسعت خلال العام الماضي إلى مساعدة المدنيين الذين تقطعت بهم السبل جراء الحرب التي تشنها دولة الاحتلال في القطاع، حيث يعاني العديد من السكان البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة من غياب المأوى والغذاء والرعاية الطبية.
وتعتبر الأمم المتحدة أنَّ الذي تفرضه “إسرائيل” على “الأونروا”، إذا تم تنفيذه، من شأنه أن ينتهك القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة التأسيسي واتفاقية الأمم المتحدة المعتمدة في عام 1946.
ما تنفذه “إسرائيل” اليوم في غزّة ولبنان هو حرب إبادة جماعية ، وهي تطبيق عملي للسياسة الفاشية الصهيونية التي ينتهجها نتنياهو والإئتلاف الحكومي اليميني المتطرف الذي يسانده. وهاهو المؤرخ الإسرائيلي المتخصص في “المحرقة” (الهولوكوست) عاموس غولدبرغ، يقول -في مقابلة مع ستيفاني لو بار من صحيفة لوموند الفرنسية – ردًّا على سؤال عن كيفية توصله إلى اتهام دولة “تم إنشاؤها ردًّا على المحرقة”، :”إنَّ الأمر مؤلمٌ للغاية فهو يلوم مجتمعه ويلوم نفسه، وهو يحارب الاحتلال والفصل العنصري منذ سنوات، ويعلم أن إسرائيل ارتكبت جرائم في الأراضي المحتلة، لكنه لم يتخيل قط أن تصل إلى هذه الدرجة من سفك الدماء والقسوة، حتى بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول2023.
وأكد المؤرخ أن ما يحدث في غزة إبادة جماعية، لأنَّ غزة لم تعد موجودة، إذ تمَّ تدمير المنطقة بالكامل، وذلك بناء على مستوى ووتيرة عمليات القتل العشوائي التي تؤثر على أعدادٍ هائلةٍ من الأبرياء، حتى في الأماكن التي حددتها “إسرائيل” مناطق آمنة، وكذلك تدمير المنازل والبنية التحتية وجميع المستشفيات والجامعات تقريبا، والتشريد الجماعي والمجاعة المنظمة، وسحق النخب وتجريد الناس من إنسانيتهم على نطاق واسع.
واستنتج غولدبرغ أنَّ هذا بالضبط ما كان يدور في ذهن رافائيل ليمكين، الفقيه اليهودي البولندي الذي صاغ مصطلح “الإبادة الجماعية” وكان المبادر الرئيسي لإنشاء محكمة العدل الدولية، لوجود الدمار والنية ونمط متكرر من العنف الشديد ضد المدنيين، ويبقى ما ستقرره محكمة العدل الدولية في القضية التي رفعتها جنوب أفريقيا على “إسرائيل”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى