مُحذّرة من مخاطر الاستنزاف.. باحثة إسرائيلية: مواجهة حزب الله غيّرت وجه الحرب، لكنه تعافى سريعاً واجرى التعديلات اللازمة

الناصرة – تؤكد أورنا مزراحي، الباحثة في معهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب، أن الدخول العسكري العلني للجيش الإسرائيلي من أجل “تنظيف” الوجود العسكري لـ “حزب الله” على طول الحدود (منذ 30 أسبتمبر)، وبعد سلسلة من العمليات الناجحة، اغتيال زعيم “حزب الله”، وضرب قدرات الحزب العسكرية، شكّلَ نقطة تحوُّل في القتال بين “حزب الله” وإسرائيل أدّت إلى تغيير وجه الحرب.

وعلى غرار مراقبين إسرائيليين آخرين، أبرزهم الجنرال في الاحتياط يتسحاق بريك (“نبي الغضب”)، تتحدث مزراحي عن ضرورة الدفع قدماً نحو إستراتيجية للخروج من الحرب لجانب استنفاد العمليات العسكرية.

وتقول، في مقال نشره موقع القناة 12 العبرية، إن “حزب الله”، الذي تبنّى إستراتيجية حرب الاستنزاف ضد إسرائيل كـ “جبهة إسناد” للفلسطينيين مدة سنة كاملة، بالتنسيق مع إيران، انجرَّ، اليوم، إلى حرب شاملة، في توقيت وظروف غير ملائمين له.

وتحاول الباحثة الإسرائيلية إسناد مزاعمها بالقول إن عمليات الجيش الإسرائيلي تسبّبت بأضرار كبيرة للحزب، الذي خسر، وفقاً لتقديرات أمنية إسرائيلية، ثلثَي ترسانته الصاروخية وقذائفه القصيرة والمتوسطة المدى. لكنها تقول، في المقابل، إن “حزب الله”، الذي لديه عشرات الآلاف من العناصر العسكرية النظامية، وفي الاحتياط، لم يختفِ، وهو يقاتل دفاعاً عن بقائه، مستخدماً كل الأدوات التي يملكها.

نجح في التعافي
وبخلاف الرواية الإسرائيلية الرسمية، تقول مزراحي أيضاً إنه بعد الاضطراب الذي تسبّبت به الضربات القاسية التي وُجّهت إلى الجيل المؤسس للحزب، وسلسلة القيادة الرفيعة المستوى، يبدو أن الحزب قد نجح في التعافي. كما تقول إن “حزب الله” توقّفَ عن الحديث عن القتلى في صفوفه، ولم يعد يكشف عن هوية “المخربين” الرفيعي المستوى الذين قُتلوا، ويُجري التعديلات اللازمة من أجل العمل بالتنسيق مع القيادة البديلة، تحت رقابة إيرانية.

وتضيف:  في الواقع يخوض عناصر الحزب، الذين ينشطون في الجنوب اللبناني خصوصاً، مواجهات يومية مع الجيش الإسرائيلي، من خلال إطلاق النار من مسافة بعيدة، وبعد انسحاب أغلبية “قوات الرضوان” إلى الوراء، ما زالوا يطلقون مئات الصواريخ وعشرات المسيّرات على أهداف عسكرية ومدنية في الجبهة الداخلية الإسرائيلية، ويقومون بتوسيع مدى القصف بصورة مستمرة، من الشمال إلى حيفا، وفي الأيام الأخيرة، إلى ما بعد حيفا، نحو وسط البلد.

في المقابل أيضاً، تقول إن الجيش الإسرائيلي يواصل نجاحاته في العمليات العسكرية في الجنوب اللبناني، من خلال “تحييد مخازن السلاح فوق الأرض وتحتها”، وكذلك خطط وقدرات كان يعدّها الحزب لاحتلال الجليل “عندما يحين الوقت”.

وتضيف عن عمليات التدمير والهجير: “بذلك، يحقق الجيش الهدف الذي حدّده له المستوى السياسي: تغيير الواقع الأمني، وهو ما يسمح بعودة السكان الذين جرى إجلاؤهم عن الشمال إلى منازلهم. ويبدو أن الجيش بحاجة إلى عدة أسابيع لاستكمال عملياته المحدودة في المنطقة المحاذية للحدود”.

وترى مزراحي أنه، في ضوء تقدُّم الجيش نحو تحقيق الهدف الذي وُضع له، وإزاء ازدياد المطالبات من لبنان بوقف إطلاق النار (من كل الأطراف السياسية اللبنانية، باستثناء “حزب الله” الذي لا يزال يحافظ على الغموض في هذا الشأن)، المطلوب من إسرائيل الآن، ومع استمرار استنفاد العمليات العسكرية لإضعاف “حزب الله“، وعملية “تنظيف” الجنوب اللبناني من القوات العسكرية، بلورة إستراتيجيا للخروج، كي لا تغرق في حرب طويلة لا جدوى منها في الشمال.

الرهان على القوة
وتخلص للقول: “يجب أن تترجم هذه الإستراتيجيا الإنجازات العسكرية إلى تسوية سياسية، بمعزل عن حرب غزة، كما يجب أن تتضمن المكونات الأساسية التالية: إقامة نظام أمني جديد في الجنوب اللبناني، يشمل وسائل لمنع التمركز العسكري لـ “حزب الله” في هذه المنطقة من جديد، بالإضافة إلى الحصول على ضمانات تضمن المحافظة على حرية عمل الجيش الإسرائيلي، لكي يتحرك ضد أيّ انتهاك يقوم به “حزب الله”، يمكن أن يشكل تهديداً لسكان إسرائيل”.

في مقابل ذلك، هناك مراقبون في إسرائيل يدعون للتصعيد والتوحّش أكثر بالانتقال لاستهداف لبنان، لا “حزب الله” فحسب، كما يؤكد مجدداً مستشار الأمن القومي الأسبق الجنرال في الاحتياط غيورا آيلاند، الذي يدعو مراراً وتكراراً لخنق غزة وتجويعها حتى تستسلم، دون اكتراث للمدنيين.

ويتقاطع معه دورون ماتسا، مسؤول سابق في “الشاباك”، وعضو حركة “الأمنيين”، الذي يدعو، في مقال تنشره صحيفة “معاريف”، اليوم، الخميس، لضرب لبنان على مبدأ أن ما لا يأتي بالقوة، يأتي بالمزيد منها.

من جهة، يقول ماتسا إنه يشعر بالقلق من استنساخ تجربة حرب لبنان 2006، وأنه يستشعر طعماً مرّاً للحرب الحالية، كما كان في حرب لبنان الثانية، التي انتهت بنتيجة تعادل غير مرغوب بها إسرائيلياً.

من جهة ثانية، يرى أن المَخرج يكمن بالمزيد من نار التدمير والتهجير، زاعماً أن “حزب الله” سيرضخ عندها، ويقبل بتسوية بشروط إسرائيلية، لكن مراقبين آخرين يرون أن هذه النظرة عقيمة، خاصة أن “حزب الله” تنظيمٌ جهادي، وما زال يحتفظ بقدرات تربك إسرائيل، وتلحق بها ضرراً حقيقياً، واستمرار المواجهة معه سيؤدي لحرب استنزاف طويلة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى